يدرك من يتتبّع الشّأن السّوري أنّه لا الطّرح العسكري فضّ النّزاع بين الإخوة الأعداء منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولا الطّرح السياسي الدبلوماسي جاء بنتيجة من خلال المجهود الدولي ممثّلا في مؤتمر جنيف ١ وجنيف ٢، وبالنتيجة تهديم قدرات سوريا البشرية منها والمادية والرّجوع بها عشرات السنين إلى الوراء.
وتبقى سوريا قلب العرب النّابض قائمة ما دام فيها سوريون وطنيّون يدافعون على بقائها قوية، متصدّعة للتّكالب الإرهابي المتعدّد الجنسيات وعدوة المغرّر بهم والمخطئون في حق وطنهم وشعبهم إلى رشدهم، وحلّ الخلافات مهما كانت حدّتها بالطرق السّلمية والحضارية والحوار الجاد لأنّ العنف لا يولّد إلاّ العنف والرابح فيها يكون خاسرا.
ويبقى العمل السياسي الدبلوماسي هو الأمل وهو المخرج، فبالرغم من أنّ جنيف ١ وجنيف ٢ لم يأتيا بنتائج كبيرة إلاّ أنّه مجرد الجلوس للحوار يعتبر مكسبا، وقد تكون الجولة الثالثة من جنيف ٢ هي المخرج للجميع إذا ما عقدت ووضع كل طرف نصب عينيه مصلحة سوريا العليا قبل كل اعتبار، دون التأثر بالأجندات الأجنبية، فبان كي مون دعا للحوار مجدّدا وكذا الأطراف الرّاعية للحوار السّوري.
وأعلنت الخارجية الرّوسية أنّه تمّ الاتفاق على جدول أعمال الجولة الثالثة من مؤتمر جنيف ٢ للتسوية السّلمية للأزمة السّورية، حيث قال الناطق باسمها “ألكسندر لوكاشيفيتس” في بيان نشر على موقع الوزارة مؤخرا أنّه تمّ الإتفاق على جدول أعمال الجولة الثالثة
من محادثات جنيف المقبلة، والذي يتضمّن مناقشة عدد من القضايا أهمّها إنهاء العنف ومكافحة الإرهاب، وتشكيل هيئة حكومية انتقالية بمشاركة ممثلين عن الحكومة السورية وشرائح مختلفة من المعارضة، مبيّنا أنّ الأهم هو أنّ الاتّفاقات لا يجب فرضها بل يجب أن تستند إلى توافق الفرقاء السوريّين المشاركين في المحادثات، وبيّـن أنّه لم يتم بعد تحديد مواعيد بدء الجولة الثالثة غير أنّه يتم العمل عليها في هذه الأثناء، واعتبر أنه أصبح من المهم عقد لقاء جديد بين الأمم المتحدة وروسيا والولايات المتحدة.
فهل ستعقد الجولة الثالثة فعلا؟ ومتى؟
إنّ الناطق الرسمي باسم الإئتلاف السّوري يؤكّد أنّ الجولة الثالثة من جنيف ٢ لا تعقد أبدا، لأنه بات يطرح الحل العسكري كمنفذ وحيد لحسم الصّراع، معتمدا على دعم الغرب له بالأسلحة النوعية، وربط انعقاد الجولة الثالثة بتغير في موازين القوى العسكرية، وتغير واضح في الموقف الدولي وضغطه على نظام الأسد. وأشار إلى أنّ الجولة الثالثة قد لا تعقد إذا استمر الحال على ما هو عليه، موضّحا أنّ استراتيجيته خلال المرحلة المقبلة تقوم على السعي إلى مواجهة النّظام وحصاره سياسيا وعسكريا. وأكّد قيادي آخر في الإئتلاف السوري المعارض على أهمية وحتمية الحسم العسكري، متحدثا عن وجود مساع لتزويد المعارضة السورية بأسلحة نوعية ذات كفاءة سيتم إدخالها إلى سوريا قريبا، معربا عن قناعته بأن تزويد الجيش الحر أو بعض كتائبه بالسلاح النوعي لم يعد موضوع نقاش، وأن القرار قد اتخذ وهو قيد التنفيذ وفي مرحلة الترتيبات اللوجستية. ويضيف مبررا لموقفه المتشدّد هذا الهدف ليس إسقاط النظام عسكريا وإنّـما إجباره على التفاوض حول نقل السلطة الذي يرفضه حاليا، غير أنّ المنطق بأكبر الديمقراطيات في العالم أنّ التغيير يتم عن طريق الإنتخاب وعبر الصناديق وليس الرشاش. أما مستشار الهيئة الرئاسية في الإئتلاف وعضو الوفد المفاوض “منذر أقبيق” فقد أكّد أنّ مصير الجولة القادمة من مفاوضات جنيف سيحدّدها خلال الأسابيع المقبلة جدول الأعمال الذي سيطرحه الإبراهيمي، موضحا أنّ الإئتلاف مهتم بإجراء مفاوضات سلام مع النظام شريطة حصول تقدم على الصعيدين السياسي والإنساني دون أن يشير إلى الصعيد العسكري.
وقال “أحمد بقل” وهو عضو بالوفد المعارض أنّ الإبراهيمي أبلغ المعارضة بأن المحادثات ستستمر، وأن جولة ثالثة ستعقد دون أن يحدّد موعدا للمفاوضات المقبلة بين طرفي النزاع. وكان الإبراهيمي قد تحدّث عن صعوبة التوصل إلى قاسم مشترك بين طرفين يخوضان حربا مدمّرة أوقعت أكثر من ١٣٦ ألف قتيل، ودمّرت البنى التحتية للبلاد وهجّرت الملايين في حوالي ثلاث سنوات.
فهل ستعقد الجولة الثالثة لجنيف؟ وإذا عقدت هل ستنجح؟ خاصة أمام الشروط التي يطرحها كل طرف والتشبث بأولوياته؟ أم أنّ مصيرها سيكون كسابقاتها؟ لاسيما وأنّ الإئتلاف المعارض اجتمع بالخارج وعيّـن هيئة سياسية وذلك يوم السبت ٥ أفريل بتركيا لقيادة الإئتلاف.
كما أنّ الولايات المتحدة أعدّت خطّة لتوسيع دعمها العسكري للمقاتلين السّوريين بأسلحة نوعية لتنشيط أعمالهم الإجرامية، وكذا ما يسمى بأصدقاء سوريا وتزويد تركيا لفصائل المعارضة المسلّحة السّورية بصواريخ مضادّة للدّروع.