عرفت القوات الأممية للدعم والإدماج في مالي (ميونيسما)، في الأيام القليلة الماضية، أوقاتا عصيبة، بعدما تعرضت لهجومين إرهابيين بمدينتي موبتي وكيدال، شمال البلاد. وأكدت الاعتداءات الدموية أن مستوى التهديد الإرهابي لازال مرتفعا جدا، رغم حالة الاستقرار السياسي في دول المنطقة.
تعرضت قاعدة القوات الأممية بآغلهوك، قرب مدينة كيدال أقصى شمال مالي، في العشرين من الشهر الجاري إلى هجوم إرهابي، خلّف مقتل 10 عسكريين وجرح 25 آخرين، كلهم من جنسية تشادية. الهجوم الذي يعد الثاني من نوعه، في ظرف سنة، على القاعدة ذاتها، يجعل من دولة التشاد المشاركة في البعثة الأممية، تقدم أغلى فاتورة إنسانية في الحرب على الإرهاب بالمنطقة، حيث ناهز عدد قتلى قواتها 100، منذ 2013، بعدما كانت دائما في الصفوف الأمامية.
تبنى ما يعرف باسم تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، الإرهابي، الهجوم، في بيان نشرته وكالات محلية -كما جرت العادة- جاء كرد «على زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى التشاد». بعدها بيومين، أعلنت منظمة الأمم المتحدة، عن مقتل عسكريين اثنين من قواتها على إثر انفجار ألغام أرضية بمدينة موبتي.
منذ 2014، ارتفعت الهجمات الإرهابية في مالي، النيجر، التشاد وبوركينافاسو حيث تشكل القوافل العسكرية للقوات الأجنبية أوالجيوش المحلية أوحتى المنشآت المدنية التي تضم مدنيين، هدفا للإرهابيين المنشطرين إلى جماعات صغيرة جدا في مساحة جغرافية تفوق مساحات دول أوروبية مجتمعة، وفي بيئة صحراوية صعبة للغاية.
استقرار سياسي
يقابل، استمرار التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي، استقرارا سياسيا مقبولا لدى الدول. مالي التي عرفت انقلابا عسكريا، سنة 2012 ومرحلة انتقالية حرجة إلى غاية نهاية 2013، بات لديها رئيس منتخب بطريقة ديمقراطية للعهدة الثانية على التوالي، دون تسجيل أية انزلاقات نحو العنف.
استطاع الرئيس المالي ابراهيم بوبكر كيتا، أن يجد مسكنات لأزمة الشمال ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي بفضل اتفاق الجزائر الموقع سنة 2015، لكنه مطالب بالإسراع في تنفيذ كافة بنود الاتفاق في أقرب وقت ممكن. تجاوزت بوركينافاسو الاضطرابات التي عرفتها سنة 2014، بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق بليز كومباوري بمظاهرات شعبية، وإحباط محاولة الانقلاب العسكري على السلطات الانتقالية، وانتخبت رئيسا شرعيا هوشون مارك كابوري.
في خطوة أثبت عودة الهدوء السياسي للبلاد، قام نواب البرلمان ببوركينافاسو، منذ سنتين بتقليص رواتبهم بنسبة 30 بالمائة بسبب الأوضاع الاقتصادية للبلاد.
ولا تعاني النيجر وموريتانيا، من أية اضطرابات سياسية، في السنوات الأخيرة، كما لا توجد أية مؤشرات على نشوب أزمات في الأفق في ظل تأكيد القيادات على احترام الدستور.
ومع ذلك وجهت فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، خلال الأيام الماضية انتقادات للسلطات في مالي بسبب عجزها عن الاستجابة للتهديدات الأمنية.
بات العنف العرقي، ظاهرة خطيرة تهدد تجانس المجتمع في مالي وبوركينافاسو، إثر الهجمات المبتادلة بين مختلف الاثنيات خلفت عشرات القتلى من المدنيين بينهم نساء وأطفال وشيوخ قرى.
تظاهر آلاف الماليين، نهاية الاسبوع المنصرم، في العاصمة باماكو، للمطالبة بإعادة العمل بعقوبة الإعدام، الموقوفة التنفيذ، معتبرين أنها الرادع الوحيد على مرتكبي الجرائم بحق المدنيين.
فراغات
بعدما ساهمت النزاعات السياسية الداخلية في دول المنطقة، في التهيئة لظهور وتنامي الظاهرة الإرهابية، تبدو ذات البلدان عاجزة عن التعاطي بنجاعة معها، رغم استعادة الاستقرار السياسي، ما يؤكد أن أسباب استمرار الخطر الإرهابي ترتبط بعوامل تتجاوز الدولة الواحدة.
في ظل ضعف الإمكانيات العسكرية التي تتيح لبلدان الساحل، إحكام القبضة على حدودها، فسح المجال أمام تحرك كل ما هو غير شرعي ومهدد للسلم والأمن، فالمنطقة اليوم، هي ملتقى طرق الهجرة غير الشرعية، وتهريب وتجارة المخدرات القادمة من أمريكا الجنوبية، ونشاط الجماعات الإرهابية بشبكاتها الممتدة إلى غاية القرن الإفريقي والشرق الأوسط.
السهولة الكبيرة في التحرك، تأكدت عقب إحباط الجزائر تسلل إرهابيين إليها في غطاء لاجئين ومهاجرين، وكشفت التحريات أنهم قطعوا مئات الكيلومترات، من سوريا نحو السودان ومنها إلى موريتانيا، فمالي ثم الجنوب الجزائري، مستغلين غياب وضعف أجهزة الرقابة والدفاع للدول التي مروا منها قبل أن تتفطن لهم الجزائر.
المهاجرون غير الشرعيون، القادمون من بلدان كإريتريا، غينيا يصلون إلى شمال ليبيا في وقت قياسي، ولا تتفطن المنظمات والدول إلا عند وصولهم إلى الضفة الجنوبية للمتوسط، ما يؤكد عمل الشبكات المختصة في تهريب البشر بعيدا عن الاعين. في ظل المداخيل الهائلة التي تحققها أنشطة الهجرة غير الشرعية والمخدرات الصلبة والأسلحة، تجد التنظيمات الإرهابية مصدر تمويلها وحوافز استمرار النشاط الدموي وتجنيد الفئات الهشة التي تعاني اقتصاديا واجتماعيا.
الأزمة اللّيبية
الأزمة الليبية التي تدخل عامها الثامن تواليا، لازالت تشكل أرضية خصبة للجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، إذ تعتبر معبرا ومركزا للنشاط في الوقت ذاته، ويشكل الجنوب الليبي الواسع امتدادا للرقعة الجغرافية الخارجية عن رقابة الدولة بالمفهوم المتعارف عليه.
المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، قال في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن الدولي، أن «جنوب ليبيا هوالخاصرة الضعيفة للبلاد»، ورسم واقعا معقدا جدا، مشكلا من غياب الأمن وحالة الإحباط الاجتماعي للسكان.
نشبت في الأشهر القليلة الماضية مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى، في الجنوب الليبي وذكرت تقارير أممية، وجود مرتزقة ينحدرون من التشاد والسودان يساهمون في اعمال العنف وتقويض الأمن بالمنطقة.
استغلت العصابات المتحالفة مع الإرهاب، ضعف غياب مؤسسة عسكرية موحدة في ليبيا، إلى جانب عجز حكومة الوفاق الليبية عن بناء أجهزة أمنية قادرة على مكافحة الإرهاب بالفاعلية المطلوبة بسبب «الحظر الدولي على توريد السلاح إلى البلاد»، وطالبت برفع هذا الحظر مرات عديدة. وسبق لرئيس التشاد إدريس ديبي، أن صرح مطلع السنة الجديدة، أن تقليص التهديدات الإرهابية في الساحل مرتبط بحل الأزمة الليبية.
فشل أم أجندة؟
في المقابل، يطرح تواصل الهجمات المباغتة على القوات الأممية في شمال مالي ومناطق اخرى بالساحل الإفريقي، تساؤلات حول دور القوات الدولية المنتشرة هناك، وبالأخص مهمة «برخان» الفرنسية والقاعدة الأمريكية للطائرات المسيرة عن بعد (درونز) بأغاديس شمال النيجر.
في الوقت الذي أكد فيه الخبراء أن المهمة ستكون عسيرة جدا لهذه القوات، بسبب البيئة الصحراوية القاسية ونظرا لمعطيات الحرب اللاتناظرية بين جيوش نظامية وجماعات منشطرة إلى فرق قليلة العدد تعتمد على أسلوب حرب العصابات.
لكن، اعتماد فرنسا والولايات المتحدة على الوسائل التقنية الحديثة مثل الطائرات دون طيار والأقمار الصناعية لرصد المحادثات الهاتفية وتحرك المتشبه بهم، يطرح تساؤلا آخر يرتبط بحجم التنسيق الأمني بينها وبين دول الميدان؟ قبل الخلاص إلى استنتاج ما إذا فشلت حقيقة في مكافحة الإرهاب، أم هناك غايات أخرى ترتبط بإنشاء الحدائق الإقليمية ومراكز النفوذ؟