سوريا ما بعد الحرب

كيف ستضع التسوية الساسية؟

جمال أوكيلي

طفح الملف السوري إلى صدارة الأحداث بشكل ملفت للانتباه، عقب القمة الرباعية باسطنبول المحدّدة لخارطة الطريق الخاصة بالتسوية السياسة المرتقبة في غضون الآجال القادمة وفق ما تمّ الاشارة إليه في البيان الختامي سياسيا وإنسانيا ممهدا لأفق أخرى في حالة إلتزام المعنيين بتطبيق «الرغبات» الأولية ريثما يتم الذهاب إلى خيارات أخرى، خاصة ما تعلّق إعمار كل هذا الدمار.
ما يسجل اليوم بعد انخفاض مستوى أو درجة حمى «الحماس» لدى المجتمعين هو غياب البلد المعني مباشرة بما يجرى عنده سوريا وإيران التي غيّرت موازين كفة النزاع والولايات المتحدة التي بقيت تراقب ما يحدث تارة عن قرب وتارة أخرى من بعيد.. تقدم الإمداد اللازم لقيادات المعارضة المسلحة في تنقلاتهم من مكان ما إلى آخر.
هكذا كان اللعب في الميدان، ألمانيا لم تكن طرفا فاعلا في الأزمة كل ما في الأمر أنها تستقبل أعدادا لا يحصى من النازحين ونقصد المهاجرين السوريين.. تريد التخلص من هذا الثقل في أقرب وقت وقد بعثت مركل المستشارة الألمانية رسالة واضحة المعالم إلى الآخرين عندما دعتهم إلى عدم متابعة كل من يرغب في العودة.
بالنسبة لفرنسا كان شغلها الشاغل هو مراقبة استعمال الكماوي في كل مرة تحذر من ذلك عبر منابر عديدة سواء من طرف ماكرون أو لودريان أو ممثلهم في مجلس الأمن، كما أبدت استعدادها لقصف الجهات التي تستعمل هذا السلاح الفتّاك.
هذا لا يعني بأن هناك بلدانا لم تعان من تداعيات هذا الوضع الخطير كلبنان الذي يأوي الآلاف المؤلفة من موطني ذلك البلد حتى الأردن والعراق.. ويقدر عدد الذين غادروا سوريا بحوالي ١٣ مليون شخص كيف يعودون يا ترى؟ وأين يقيمون.. مدن مدرمرة عن آخرها كان الأجدر بالقمة الأخيرة تناول ملف إعمار سوريا بدلا من الشقّين السياسي والإنساني.
لا يجب الاستخفاف بما حدث في هذا البلد في منشآته القاعدية، وبنياته التحتية بالرغم من محاولات الترميم.. هذا لا يكفي أبدا لأن استعادة الأرض تطلب سحق كل ما هو قائم لإخراج المعارضة المسلحة إلى نقاط بعيدة عن المدن الإستراتجية.
من كانوا يضعون التحوّلات في مجريات الحرب لم يستدعوا لهذا القمة ولم يشر لهم للأسف حتى شفويا أو شفاهيا منهم السوريون الإيرانيون، حزب الله هؤلاء هم الذين أرادوا هذا النزاع في الميدان حتى لا تنتصر المعارضة المسلحة المدعومة إقليميا من قبل قوى تخلت عنها فيما بعد عندما رأت بأن المبادرة لم تعد في يدها لإسقاط النظام.
تركيا طرف مباشر في الأحداث وعملت كل ما في وسعها لأن تكون اتجاهات الحرب وفق ما خططت لها لكن الروس شوشوا عليهم تشويشا محكما عندما تدخلوا بقوة نارية قضت على الأخضر واليابس ولم يعد هناك أي طرف يستطيع التحكم في الوقائع ما عدا روسيا خاصة عسكريا. لا ندري لماذا أقصي السوريون من هذا اللقاء؟ وهم المعنيون بشؤون بلادهم ولا يوجد من يحلّ محلهم قد نتفهم ذلك بالنسبة لإيران وقد وعد أردوغان باطلاعهم على ما جرى، لكن أن يتمّ الاجتماع بدون سوريا فهذا مقلق حقا ولا يبشر بتعاون مثمر مستقبلا، إذا طلب من هذا البلد السير في المخرجات السياسية خاصة.. قد نفهم ذلك من الموقف الصارم والثابت من اللجنة الدستورية التي يروّج لها دي مستورا حاليا.
هذا المؤشر الأولي السوري هو عبارة عن غضب غير معلن تجاه قمة اسطنبول كما هو رفض واضح لكل الإملاءات الصادرة عن هذه القمة، لا لشيء سوى لأن السوريين هم الذين انتصروا كيف تصنفهم في خانة المنهزمين كالمعارضة المسلحة، وينتظرون تطبيق الأوامر من فلان وعلاّن كانوا بالأمس من أنصار المناوئين لها. التنافس السياسي أو بالأحرى الصراع سيكون على أشده في غضون الأيام القادمة، ولن تنعقد اللجنة الدستورية إلى ما بعد رحيل دي مستورى الذي يريد إنجازا متسرعا قبل ذهابه وهذا غير معقول منطقيا يكون على حساب دولة بأكملها يريد منح انتصار معنوي للمعارضة من خلال الإصلاحات الدستورية.
وهذا ما يرفضه السوريون في الوقت الراهن حرصا منهم على عدم صياغة مشهد آخر لصالح المعارضة من خلال إعادة تأهيلها في اتجاه إعطاء الإنطباع بأنها لم تمت ولها الكلمة في خضم هذا الحراك الراهن.
القبضة الحديدية ستكون حول مصير اللجنة الدستورية، التي ما تزال محل جدل بين صانعيها، الكل يدعو إلى انعقادها دون معرفة رأي الدولة المركزية السورية الرافضة حتى المقاربة المطروحة من طرف أصحابها هذا ما أبلغه المعلم لدي ميستورا مؤخرا وهذا بإعادة النظر في القوائم المقترحة خاصة القائمة الـ٣ الصادرة عن المبعوث الأممي والمشكّلة من ٥٠ عضوا، لم ترتح لهم دمشق مطالبة بإدخال التوازن عليها، وعدم تركها تميل إلى الأغلبية الموالية للمعارضة على حساب الأقلية في حالة اللجوء إلى الانتخاب أو شيء من هذا القبيل لتمرير نقطة معينة لم يتفق ثم يلجأ أو يقترح البعض العمل بالتصويت.
وما نستشف من كل هذا، هو أن العدد المقترح لتشكيل اللجنة الدستورية غير معقول، يستحيل العمل به ماذا يعني ٥٠ عظوا عن كل جهة، ومن أجل ماذا؟ لصياغة الوثيقة الدستورية لهذا البلد وهل يستطيع ١٥ فردا فيما بعد أي الذين يختارون من ذلك «الجيش العرمرم» تفعيل الإصلاحات الدستورية.
دي مستورا على خطأ فادح.. الدستور من صلاحيات الخبراء في القانون الدستوري ذوي تجارب مشهود لها بالنجاح في عينات مرت عليهم في حياتهم العملية، أما دعوة كل من هبّ ودبّ إلى اللجنة، فهذا يضاف في خانة سوء التقدير، الحامل لنوايا مخيفة مستقبلا خاصة عندما ينسحب دي مستورا في نوفمبر القادم.
الدستور لا يبنيه «الكم» بل «الكيف» أي اختيار أناس أكفاء وليس المعارضة، التي انغمست في الفعل السياسي وضاعت في كل بلد وتحوّلت إلى فسيفساء يعود إلى إعادة تشكيل نفسه في مربع جديد.. لكن هذه المرة الأمر صعب جدّا يختلف عن المواجهة الميدانية.
مصير سوريا متعلق بالدستور وأي خطأ يكلّف هذا البلد ثمنا باهضا يصعب فيما بعد إصلاحه نظرا لما يتضمنه من مواد ثابتة لا تقبل التعديل إلا بآليات دستورية أخرى تدون في الملحق، وبالتأكيد فإن دي مستورا والمعارضة «الأمور» واضحة في ذهنهما لما ستكون عليه سوريا لاحقا، لذلك يعجلون بالانتقال إلى المرحلة العملية والشروع في وضع الأسس الأولية، عن طريق تقديم التصورات الأولية تبدأ بالموسسات الصانعة للقرار (الرئاسة، البرلمان، القضاء) أي السلطات الـ٣ (التنفيذية، التشريعية والفضائية) وهذا بالعودة إلى الانتخابات تحضرها أطراف أجنبية، كما سيكون الجيش العربي السوري محل مساومة وبعث المجتمع المدني والشخصيات المستقلة، والانفتاح على قطاعات يعتبرها مغلقة كالتعددية الحزبية والإعلامية على الطريقة الغربية، ناهيك عن مشاريع أكثر عمقا لهذه الإصلاحات الدستورية المرتقبة!؟.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024