لا يمكن لاثنين أن يختلفا حول قرب انفراج الأزمة السّورية التي نراها تكتب آخر فصول دمويتها، حيث أخذ صوت السّلاح يخفت، واختفت وجوه زبانية تأجيج القتال تدريجيا من على شاشات مختلف الفضائيات العالمية، ليتغيّر الخطاب الإعلامي المعالج للمعضلة السورية بدرجة 180°.
فبعد ما لم نكن نسمع غير أصوات الغربان الناعقة، المرافعة للتصعيد العسكري، ولم تكن مختلف قنوات العالم وفي مقدّمتها العربية، تفتح أبوابها إلاّ للذين يصبّون الزّيت على النار وينفثون سمومهم القاتلة لكل أشكال الحياة في سوريا، وتصدّها في وجه المهدّئين الذين ينادون بالحلّ السلمي، انمحت اليوم تماما صورة مرتزقة الحرب وشهود الزّور هؤلاء الذين ظلّوا لسنوات يقدّمون أخبارا زائفة عمّا يجري في الساحة السّورية، وهم على بعد آلاف الأميال من أرض الشام، يعيشون في نعيم داخل أفخم الفنادق، بأكبر العواصم العالمية، وحلّت محلّها خطابات خبراء ومحلّلين أكثر موضوعية وحيادا، تروّج للحلّ السياسي الذي نراه يفرض نفسه بعد أن غيّر التدخل الرّوسي المعادلة على الأرض، ومكّن النظام السوري من استعادة سلطته على معظم البلاد، وحرّرها من قبضة الإرهابيين وما يسمّى بالمعارضة المسلّحة، التي تأكّد مع الأيام أن جزءا كبيرا منها، إما تمّ تضليلهم، أو هم مجرد مرتزقة، كلّفوا بمهمة تدمير سوريا، مقابل مكاسب مالية لا أكثر ولا أقل، إذ لا يمكن لعقل أن يتصور، جرّ بلد آمن إلى حرب تأتي على الأخضر واليابس، لرغبة في تغيير النظام أو الاطاحة برئيس.
ومع إقرارنا بأن فعل المعارضة والرّغبة في تغيير النظام أمر مشروع، فهو عندما يصبح مصحوبا بالقوة، يتحوّل إلى فعل مرفوض لهذا وجب مواجهته حماية للبلاد والعباد.
من هذا المنطلق، خاضت سوريا الحرب ودعّمتها روسيا التي وجدت أن حجم المؤامرة التي تحاك ضد بلاد الشام رهيب ويجب التدخل لوقف هذا الظلم والعدوان الذي لم يسبق لدولة أن تعرّضت له.
وإذا كان التدخّل الروسي كما سبق وقلنا قد أعاد التوازن إلى الصّراع العسكري على الميدان السوري، فهذا العامل ليس الوحيد الذي رتّب لبداية مرحلة العدّ العكسي لنهاية الأزمة الدموية هناك، لأن أهم عامل غيّر موقف الغرب من المعضلة السورية، وجعله يدفع باتجاه الحلّ السلمي، دون أن يضع العقدة في المنشار كما دأب عليه منذ ثمانية أعوام باشتراطه رحيل الأسد أمام أي تسوية، هو رغبته الجامحة في التخلص من أمواج اللاجئين الذين نزحوا إلى دوله، وقد شهدنا كيف أن الصراع السوري خلق واحدة من أسوأ الأزمات الانسانية التي اخترقت تداعياتها حدود الشام وبلغت القارة العجوز، التي وجدت نفسها عاجزة عن احتواء أمواج الفارين من جحيم الحرب، كما وجدت من خلال ميزان الرّبح والخسارة، أن دعمها للمجموعات المناوئة للنظام السوري بمختلف أسمائها، سيكون ثمنه باهظا، فاستقبالها لملايين اللاجئين مكلّف جدّا ماديا وسياسيا إذ تصاعدت أصوات اليمين المتطرف الذي استغل الوضع ليعزف على وتر القومية، ويقفز من خلال ذلك إلى مراكز السلطة في عدة دول، داعيا إلى إعادة اللاجئين من حيث أتوا.
من هذا المنطلق، اتفق الجميع على حتمية إخماد النار التي تحرق سوريا، حتى يمكن إعادة أبنائها إليها، بل وبدأ الحديث عن إعادة الإعمار وطبعا سنشهد أن من رفعوا معاولهم ودمّروا سوريا، سيكونون في أول طابور المتطلعين لاشراكهم في هذه العملية.
الحرب دمّرت الكثير الكثير من سوريا، وكلفة إعادة الإعمار ستكون مرتفعة، لكن المهم أن بلاد الشام بقيت صامدة شعبا ونظاما، وستتمكن بمساعدة الأصدقاء من الوقوف على «قدميها» من جديد وستستعيد مكانها الطبيعي داخل المجموعة الدولية.
كما أنها ستعود حتما إلى ملء مكانها داخل الجامعة العربية التي كانت مواقفها من الأزمة السورية مخيّبة للآمال.
ونتمنّى في الأخير أن تقود انفراج المعضلة السورية، إلى حلحلة الأزمة الليبية فيتّعض الأشقاء في ليبيا بما حصل للجريحة سوريا ويسارعوا إلى الانخراط في حوار وطني واطلاق مصالحة تحقن الدّماء وتحفظ وحدة البلاد وتنجيها من حرب أهلية الرابح فيها خاسر لا محالة.