ذاكرة الجزائريّين لا تزال حيّة تحتفظ بمواقف لا يمكن للتاريخ أن يمسحها أو يقفز عليها، حتى الفرنسيّون أنفسهم، ويتعلق الأمر بموقف بطولي يعكس نفس الجرأة والتي يعبّر عنها أبناء الجزائر اليوم وهم يحتفلون في عاصمة الجن والملائكة بمناسبة انتصار فريقهم في «كان» القاهرة.
مراجعة سريعة للذّاكرة تكشف كيف قام الجزائريّون سنة 2006 لما احتضنت فرنسا بطولة أوروبا للأمم، بلعب دور حضاري مثير للإعجاب، أمام وقوع حوادث عنف بين أنصار إنجليز وروس بمدينة مرسيليا، حتى كادت أن تفقد معالمها، فلم يتحمّل الرجل الجزائري الحرّ موجة الهلع والرعب التي انتشرت في تلك المدينة الهادئة ليتدخّل مدافعا عن سكان المدينة وممتلكاتها في مواجهة الهوليغانز.
فرنسيّون أنفسهم انبهروا لشهامة ووضوح الإنسان الجزائري، الذي يصدم اليوم بتصريحات يطلقها متطرّفو حزب «لوبان» العنصري وبعض الأوساط الحاقدة، بعد أن خرج الجزائريّون للاحتفال بفوز فريقهم، وزاد غيضهم تزامن الحدث مع اليوم الوطني الفرنسي، لينزعج غلاة العنصرية من ارتفاع العلم الجزائري في سماء فرنسا بألوانه الجميلة والمعبّرة عن تاريخ عريق.
كيف لدعاة التّضييق على المهاجرين والمتطرّفين لمن قدّموا خدمات جليلة لبلدهم على مرّ الأزمنة، أن يقفزوا على حقائق التاريخ؟ وهل تتذكّر «لوبان» ومتطرّفيها العنصريين تلك البطولة التي قام بها الجزائريون بشكل عفوي دفاعا عن مدينة يعيشون فيها ويجبونها، فأنقذوا دون مقابل الشرف الفرنسي؟
المثير للتساؤل حتى قناة «فرانس 24» لم تف التفوق الجزائري حقّه في المتابعة وتعاملت مع الفوز كأنه أمر عادي، وهو غير عادي، مقارنة بما تمّ تخصيصه لفرق أخرى ومنها حتى من لم تتأهّل، بينما كان الأحرى بالشّريك التاريخي في الضفة الأخرى أن يعبّر عن تهانيه على الأقل لشريكه في الضفة الجنوبية، على الأقل من باب الروح الرياضية، علما أنّ العنف بكل أشكاله غير مقبول لكن لا يجب أن يكون مطيّة لأهداف تجد بصماتها في دفاتر «بابون» وأمثاله.