عاد الفريق الوطني لكرة القدم لتنشيط نهائي كأس أمم أفريقيا بعدما أطاح بنظيره النيجيري ضمن الدور نصف النهائي خلال الطبعة 32 التي تتواصل وقائعها بمصر من 2 جوان إلى 19 جويلية، جاء ذلك بعد غياب دام 29 سنة كاملة عن آخر تأهل لهذا الدور عندما توج بأول وآخر لقب سنة 1990.
تجدد العهد مع النهائي بالنسبة للحدث الأغلى على الساحة القارية المُتعلق بالساحرة المُستديرة رفقة مجموعة من اللاعبين الشباب الذين رفعوا التحدي وحملوا على عاتقهم مهمة إعادة صُنع أمجاد الكرة الجزائرية من جديد، بقيادة مدرب شاب ومُحنك وإبن الجزائر سبق له أن شرّف الألوان الوطنية عندما كان لاعبا وحاليا على رأس الطاقم الفني والأمر يتعلق بجمال بلماضي الذي تمكن من إعادة كتابة التاريخ على أرض الكنانة.
سجل الخضر مشوارا إيجابيا أدهشوا من خلاله كل المتتبعين لفعاليات «الكان» منذ البداية حيث تمكنوا من تجاوز الدور في المركز الأول بتحقيق ثلاث إنتصارات متتالية في الأداء والنتيجة بجلب أنظار المختصين والجمهور الرياضي من كل أنحاء العالم، واصل أشبال بلماضي المهمة من خلال تجاوز الدور الثاني بالإطاحة بغينيا وبعدها جاء الدور على الغريم التقليدي كوديفوار هذا الأخير أجبر الجزائريين على الإحتكام لركلات الجزاء والتي تألق خلالها الحارس مبلوحي مانحا الفرصة للجزائر بمواصلة المشوار.
@ وضع حد للسيطرة النيجيرية
ليأتي بعدها الدور على نيجيريا التي تُعد المنافس والغريم التقليدي بالعودة لتاريخ المواجهات بين الطرفين خاصة أن الطرفين سبق لهما أن تواجها في هذا الدور في نهائيات أمم أفريقيا التي جرت بالمغرب سنة 1988 والتي عادت فيها الكلمة الأخيرة للنسور بركلات الجزاء، لتتمكن الجزائر من الثأر والفوز على هذا المنافس على مرتين في «كان» 1990 في دور المجموعات وفي النهائي، ومنذ تلك الفترة لم يتمكن الفريق الوطني من الإطاحة بالنيجيريين حيث كان آخر لقاء بين الطرفين ضمن فعاليات هذه المنافسة سنة 2010 في اللقاء الترتيبي إلى غاية لقاء، أول أمس، بعدما أصبحت عقدة حقيقية زالت بعد مرور 29 سنة كاملة.
تمكن الرجل الأول على رأس العارضة الفنية للفريق الوطني من وضع الخطة المناسبة في ظرف قياسي بالنظر للإصابة التي تعرض لها عطال الذي كان يُعوّل عليه كثيرا من أجل إختراق دفاعات المنافسين بالنظر لسرعته في التحرك بالكرة، من خلال إقحام مهدي زفان هذا الأخير كان في الموعد وقدم الدور المطلوب منه من بداية اللقاء حتى نهايته بتفوقه في كل الصراعات الفردية وعدم تضييع الكرة عندما تكون بحوزته وساعده في الإندماج مع تشكيلة اللعب الجماعي الذي عوّدتنا عليه العناصر الوطنية.
روح جماعية وإرادة قوية
سجّلنا روح جماعية ناتجة عن حُب الوطن لدى كل اللاعبين والطاقم الفني الذي يُشرف على الفريق من خلال التناسق الكبير بين الجميع ما جعلنا نلاحظ أن الجميع يلعب بعزيمة رجل واحد من خلال التحرّكات من طرف لاعبي الدفاع وتمرير الكرات فيما بينهم والتي أكسبتهم الثقة، والعمل الذي قام به وسط الميدان بقيادة كل من قديورة، بن ناصر، بلايلي، فغولي، محرز وكذا الهجوم بقيادة بونجاح ما جعل بلماضي يُكمل المواجهة من دون إحداث تغييرات لتفادي زعزعة روح التشكيلة لأنهم كانوا بمثابة نجوم حقيقيين من خلال تبادل الأدوار لتغطية الثغرات.
تأكد من خلال الأدء الذي ظهر به الفريق خلال مواجهة دور نصف النهائي العمل الكبير الذي قام به بلماضي منذ توليه المهام على رأس العارضة الفنية رغم الوضعية الصعبة التي وجد عليها المجموعة بعد مرحلة الفراغ التي مرت بها، وبالرغم من أنه لم يكن يملك الكثير من الوقت إلاّ أنه تحمل المسؤولية ووضع الإنتقادات جانبا وركز على العمل الميداني فقط خاصة بعد إنتقاء التشكيلة لخوض غمار منافسة أمم أفريقيا والتي إعتبرها الأغلبية أنها غير جاهزة، ولا تستطيع أن تذهب بعيدا لكن الرد جاء فوق المستطيل الأخضر من خلال إعادة الجزائر للنهائي بعد طول إنتظار.
إنتهى الحديث عن لقاء نيجيريا لأنه أصبح من الماضي والآن على اللاعبين التفكير في النهائي لأنهم حققوا المطلوب منهم بإعادة أمجاد الكرة الجزائرية وكتبوا أسماءهم بأحرف من ذهب في سجل المنافسة بالنظر للمشوار الإيجابي بالفوز في 6 لقاءات متتالية ضد كل من كينيا، السنغال، تنزانيا، غينيا، كوديفوار، نيجيريا، وهم على بعد دقائق معدودة لإعتلاء عرش أفريقيا والتتويج بالنجمة الثانية في تاريخ كرة القدم الجزائرية بما أننا نتواجد في الرواق الأنسب لتحقيق هذا الإنجاز بثُلّة من اللاعبين يتقدمهم القائد والنجم العالمي رياض محرز الذي تألق بإمتياز فوق الأراضي المصرية.
العمل البسيكولوجي له دور في هذا الإنجاز
بالرغم من إنحياز التحكيم خلال المباراة نصف النهائية بالنظر للقرارات التي كانت مُجحفة في حق النخبة الوطنية في عدة مرات إلاّ أن اللاعبين حافظوا على تركيزهم ولم يخرجوا عن اللقاء، وهنا يظهر العمل البسيكولوجي الكبير الذي قام به المدرب الوطني والذي إنعكس بشكل إيجابي على معنويات المجموعة التي لم تتأثر وتواصل العمل الهجومي إلى غاية آخر لحظة والدليل واضح أنهم تحصلوا على مُخالفة قريبة من منطقة الجزاء عن طريق بن ناصر الذي كان نجما، ترجمها محرز لهدف الفوز بعد تنفيذ كرة مباشرة نحو الشباك مُعلنا بذلك تأهل الجزائر للنهائي بجدارة واستحقاق رغم الصعوبات.
الموعد سيتجدد يوم الجمعة القادم، بداية من الساعة الـ 20:00 ، بتوقيت الجزائر ضد المنتخب السنغالي الذي كان ضمن مجموعة الخضر في دور المجموعات وتمكنوا من الفوز عليه في لقاء الجولة الثانية، وبالرغم من أن المعطيات والظروف تختلف عندما يتعلق الأمر بالنهائي إلاّ أن العناصر الوطنية إكتسبت الثقة بالنفس زيادة على العزيمة والإرادة والإمكانيات الفردية وروح المجموعة والنصائح التي يُقدمها بلماضي لهم بصفة مستمرة، من دون شك ستصنع الفارق من أجل التتويج بالكأس والتربع على عرش أفريقيا وإسعاد ملايين الجزائريين الذي طال إنتظارهم.