بالرغم من تعدد المواقف ,المحطات التاريخية و بالرغم من الكم الهائل من الشهداء و المجاهدين والأحرار الذين يحفظ التاريخ أسماءهم وأعمالهم، تضحياتهم و بطولاتهم، تبقى الكتابة الأدبية عن ثورة نوفمبر المجيدة و عن الكثير من الحقب التاريخية الهامة، شحيحة نوعا ما أحداثها ورجالها، مسيراتهم و بطولاتهم، هذا لعدم الاهتمام الصحيح و المكثف بكتابة التاريخ والحفاظ على الذاكرة الجزائرية من أهوال النسيان.
يعتبر غياب الوثيقة التاريخية التي تأرشف للأحداث و الوقائع عائقا كبيرا في وجه كتابة التاريخ، رسمية كانت، أو أكاديمية، أو شعبية وابداعية، ففي غياب المعلومات الصحيحة و الشهادات الحية ، يتعذر على الباحث أو الكاتب وبالتالي على كاتب السيناريو المسرحي أو السينمائي أو الملحمي، أن يقدم أعمالا أدبية و فنية تاريخية توفي ثورة نوفمبر المجيدة و أبطالها حقهم.
تبين في أكثر من لقاء حول الذاكرة الوطنية و كتابة التاريخ، أن عدم الاهتمام أو عدم الحرص لسبب أو لآخر بجمع الشهادات الحية وحفظها مباشرة بعد الاستقلال، أدى إلى خلق هوة سحيقة في مجال حفظ حقب هامة و مفصلية من تاريخ الجزائر و على رأسها حقبة الثورة الجزائرية، التي تعتبر لحد اليوم ثورة فريدة من نوعها ألهمت العديد من الشعوب وتشجيع انتفاضتها من أجل حقها في تقرير المصير. إن انطلاق الجزائر في السنوات الأخيرة عبر إنتاج بعض الأفلام الخاصة بالسير الذاتية ومسيرة الثورة التاريخية لبعض أبطالها، يشكل بغض النظر من ايجابية القرار و محاولة تدارك التأخير ، شكلا من أشكال التحفيز و تشجيع المهتمين في الكتابة الأدبية التي تعتمد التاريخ و أحداثه صرحا لها، على أمل أن تعتمد أعمالهم كنصوص للأعمال السينمائية القادمة، لا سيما و الحديث اليوم جار عن المواصلة في إنتاج سلسلة من المشاريع ، التي تتطرق لكل حقب التاريخ الجزائري منذ العصر النوميدي إلى يومنا هذا.
يبقى أيضا مشروع جمع الشهادات الحية كتابة و تسجيلا الذي أطلقته منذ مدة قصيرة وزارة المجاهدين بمثابة سباق ضد الزمن، كون أعمار أصحاب هذه الشهادات، ممن بقي حيا تتعدى اليوم سبعة عقود، ليبقى الباب مفتوحا أمام الباحثين و الجامعيين و كذا المبدعين لخوض غمار التجربة في الكتابة المتعلقة بالتاريخ و ترجمة الأحداث سردا، نثرا، شعرا، أو سيناريو للعمل فني، كما على المؤرخين و الجامعيين البحث في طيات الأرشيف الثوري، إذا ما سنحت الفرصة لهم بذلك ووضع الضوابط الزمنية والجغرافية للمادة المتحصل عليها، وللجمعيات وكل فئات المجتمع ودورها في الحفاظ على الذاكرة الجماعية.