يقول الرّوائي الأزهر عطية عن مسيرة المبدع رشيد بوجدرة: «بعد خمسين سنة من العطاء الإبداعي الوفير مازال الرّوائي رشيد بوجدرة كما عرفناه منذ أن كنّا نقرأ له، وبتحفّظ، بل باحتشام وخجل حتى من أنفسنا لأنّه الوحيد الذي كان قد تجرّأ، حينها، وراح يمس الثالوث المحرم، على حد تعبير الراحل صادق جلال العظم (الدين، السياسة والجنس)».
أضاف الرّوائي: «خمسون سنة تمر الآن من عطاءات هذا الرجل، ومازال كما عرفناه؛ لا يكل، ولا يمل، ولا يهادن، ولا تتغير مواقفه، لأن مبادئه لم تتغير. مازال يتكئ على التاريخ، وعلى الثقافة العربية الإسلامية، بكل أبعادها، لمعالجة قضايا الراهن المرير. متعدّد اللغات؛ يبدع باللغتين العربية والفرنسية، ويتحيّز للغة العربية التي يعشقها، ويدافعا عنها بكل قواه؛ فهو الذي قال ذات مرة: «سأحارب كل من يقف ضد الكتابة باللغة العربية، لأن اللغة العربية هي تيار التاريخ».
من وجهة نظر عطية: «ظلت الرواية عند رشيد بوجدرة حاملة للثقافة، والحضارة، والتاريخ، والسياسة، وبالتالي فإن الروائي في نظره يجب أن يكون صادما بما يبدعه، وبما يثيره بإبداعه، وهو يمس القضايا الشائكة أو المسكوت عنها في المجتمع، لا لغرض التمظهر، كما يقول، وإنما لتحقيق هدف سام يخدم المجتمع. ذلك أنّ المجتمع لا يتطور إلا بتطور مثقّفيه وكتّابه الذين عليهم أن يتحمّلوا كل مسؤولياتهم في ذلك. إلا أنه لا يمكنهم أن يحقّقوا ذلك إلا إذا تطوروا هم أولا، وعملوا على تحرير أنفسهم من خوفهم، ومن عقدهم، قبل كل شيء، إذ هناك أشياء نمارسها وتعيشها في حياتنا، فلماذا نخشاها ونرفضها حين ترد في الرواية؟
فهو هكذا رشيد بوجدرة الروائي، يقول الأزهر كما عرفناه: «وهذا هو أدبه، الواقع وليس غيره، لذلك هو لا يحب أن يكون الأديب منافقا فيما يبدعه، يظهر شيئا، ويخفي شيئا آخر غيره، خوفا أو تملّقا».
خمسون سنة من العطاء والنّضال، يؤكّد الرّوائي الازهر: «مازال ثابتا على أفكاره ومبادئه التي يؤمن بها، لا يستعمل الرقابة الذاتية على نفسه في إبداعه لأنه يعتبرها من الأسباب التي تسم الرواية بالضعف، يسير مع تيار التاريخ في الحياة بما فيها، وبمن فيها، دون مجاملة أو مهادنة»، مؤكدا على «أنّه المبدع الذي ظل بعيدا عن السلطة التي كثيرا ما لوّثت الإبداع والمبدعين، ودجنتهم، وجعلتهم عبيدا لها ولمحترفيها، وتلك خصلة من الخصال التي لا نجدها إلا عند المبدعين الشرفاء الذين حتى وإن اختلفنا معهم في آرائهم وأفكارهم، فإنهم يفرضون علينا احترامهم. فهو الذي كثيرا ما تعّرض، ومازال يتعرّض، لمحاولات الاقصاء والتهميش، فإنه لم يتخل عن مبادئه المعلنة بكل شجاعة رغم ما تسبّبه له من ضغينة لدى الكثيرين. فأنا، وإلى الآن، ما زلت أتذكّر عندما بدأ السقوط المنظم مع بداية التسعينيات، حين وقف أحد مسؤولي المؤسسة الوطنية للكتاب (سابقا) أمام كاميرا التلفزة في صورة بئيسة وهو يشير الى الرفوف التي بدت عليها روايات رشيد بوجدرة وهو يقول، وبكل حقد وكراهية، وقد كان ذلك مؤلما، ما فائدة هذه التفاهات التي هي سبب إفلاس مؤسّستنا؟».
والآن، أضاف الأزهر عطية: «لقد ذهبت المؤسّسة تاركة وراءها ضحاياها ومنتفعوها، وذهب من قال ذلك، ولكن رشيد بوجدرة مازال على أفكاره ومبادئه، وستقرؤه الأجيال القادمة، وسيذكره التاريخ، نتمنى له طول العمر، وصحة البدن، والمزيد من الإبداع، فما فائدة فرس لا يترك من ورائه سحابة لا يشق غبارها؟ وما فائدة بحر لا يغتسل باستمرار، ولا تناطح أمواجه صخور الشواطئ بقوة وعناد؟ بل ما فائدة كاتب لا تثير كتاباته جدلا بين الناس، ولا يترك فيهم أثرا؟».