في هذا الحوار الذي خصّ به “الشعب”، يرى الإعلامي صالح كحول، مدير مجلة الإبداع العربي، بأنّ استراتيجيات الترويج والإشهار التي يلعبها الإعلام الثقافي، وتقف دور النشر العالمية وراءها، هي من أهمّ العوامل التي ترسم ملامح الأدب العالمي، ومع ذلك، يعتبر كحول بأنه لا وجود لمسار محدد يجب على أدب ما اتباعه حتى يبلغ العالمية. وفي حديثه عن الأدب الجزائري، يركّز محدّثنا على تنوعه الثقافي واللغوي، وتمكّن أسماء عديدة من مزاحمة خيرة الأسماء العالمية، وإن كان الأمر يقتصر على الرواية ولم يتعدّ إلى غيرها من الأجناس الأدبية.
❊ الشعب: بحديثنا عن مفهوم العالمية، هل تقاس عالمية العمل الأدبي بمدى انتشاره وتوزيعه وترجمته أو بمضمونه أو بديمومته في التاريخ أو بالجوائز التي حصل عليها؟
❊❊ الإعلامي صالح كحول: لازال مفهوم العالمية بالنسبة للأدب محاطا بشيء من الضبابية، وتختلف حوله آراء المتتبّعين، فيعزوه بعضهم إلى لغة النص ومضمونه، فيما يميل به الآخرون نحو مفاهيم أوسع ليصير بذلك كل أدبٍ له هامش حظّ ليصير عالميا من عدمه والتاريخ أثبت ذلك، ولا يمكننا القول إنّ بلوغ العالمية لأدب ما له مساره المحدد أو معاييره المتفق عليها، بل لكل أدب مقوماته وحظه ودافعه نحو العالمية، ومصطلح عالمية الأدب أو الأدب العالمي رغم ما بينهما من بعض الاختلاف ليس وليد اليوم، بل له تواجد منذ زمن بعيد، ويعتبر غوتة أول من أدرج هذا المصطلح في حواراته وأشار إليه في كتاباته، ملمحا لوجود حركية أدبية تدفع لمزيد من التقارب والتمازج بين الثقافات، قد تعلن ميلاد عصر عالمية الأدب وكان له ذلك، ففي عام 1827 قال غوتة: “أنا مقتنع بأن أدباً عالمياً أخذ يتشكل، وأن جميع الأمم تميل إلى هذا...إنّنا ندخل الآن عصر الأدب العالمي. وعلينا جميعاً الإسهام في تسريع ظهور هذا العصر”، ولم يكن حينها مفهوم الأدب العالمي بهذا الوضوح الذي نراه اليوم.
إنّ عالمية الأدب أو الأدب العالمي هو المشروع الذي بدأ العمل عليه منذ مدة من أطراف ومخابر سعت لخلق تمازج ومنصة عالمية تجمع على ركحها مزيجا متداخل من الثقافات والآداب، ووضعت لأجل هذا معايير متباينة، بعضها مرتبط باللغة، وقيم الإنسانية والتاريخ وحتى الحدود الجغرافية، فيما الأخرى مجحفة لترسم وجها قبيحا لهذا الترتيب والتمييز.
❊ اعتمادا على ما سبق، كيف ترى موقع الأدب الجزائري من العالمية؟ وهل تتساوى مختلف الأجيال الأدبية في ذلك؟
❊❊ الأدب الجزائري لم يحِد عن هذا المعنى، بل أثبته وأضاف إليه عوامل وخصوصيات عدة، جعلت الوصول بالنصّ إلى العالمية يمرّ بمحطّات اللغة والتاريخ والجغرافيا، وقد كان الروائي الجزائري أبوليوس الذي استوطن ولاية سوق أهراس أوّل من كتب الرواية في القرن الثاني الميلادي، رغم محاولة البعض نزع صفة الجزائرية عنه كونه يحمل اسما رومانيا، وكان الأديب الأمير مصطفى الجزائري أول من كتب رواية باللغة العربية سنة 1849.
تعد اللغة من أهم العوامل المساعدة للنص لبلوغه عالميته، ولأسباب تاريخية مرتبطة بالتواجد الاستعماري في الجزائر وارتباط القارئ والكاتب الجزائري في مرحلة ما باللغة الفرنسية، جعل ممّا يُكتب بها أقرب إلى العالمية والانتشار خارج الحدود الجغرافية من الأدب المكتوب باللغة العربية والأمازيغية، فنجد محمد ديب، وكاتب ياسين ومولود فرعون وآسيا جبار، في طليعة من حملوا لواء الأدب الجزائري نحو وجهته العالمية، فكان لبعضهم هذا فيما فشل البعض في ولوج باب العالمية لمعايير لا يمكن تصنيفها أو وضع ترتيب لها، بل لعب الحظ لعبته في ذلك.
الأدب الجزائري بلغاته المتعدّدة يعتبر ثريا، ضاربا بجذوره في تاريخ الأدب العالمي رغم قلة الأسماء التي مثلته، لكنه أثبت قدرته على مقارعة الكبار والوصول إلى حدود عجز الآخرون عن بلوغها.
إنّ المسار الذي اتخذه الأدب الجزائري نحو العالمية تميز بشيء من الاختلال وعدم الثبات على الخط، ففيما نجد شقه المكتوب باللغة الفرنسية لم يجد صعوبة في بلوغ مراده وتعدد أسمائه، كمحمد ديب، ومولود فرعون، وكاتب ياسين وآسيا جبار وغيرهم، واجه كتابه باللغة العربية مطبّات عدة في تحقيق هذا، رغم صمودهم أمام مغريات اللغة الفرنسية ودور النشر العالمية، التي في زمن ما كان لها كل الدور في تحقيق العالمية لأدب ما من غيره، غير أنه مؤخرا اختلف المفاهيم وتعددت وجهات النظر لهذا المصطلح فصرنا نجد في رحاب العالمية أسماءً بلسان عربي وأدب يؤرخ لثراء الموروث الجزائري، منهم الطاهر وطّار وأحلام مستغانمي وواسيني الأعرج وثلة من الأدباء الذين بلغوا بأدبهم العالمية.
إنّ عالمية العمل الأدبي نِتاجٌ ومحطة يبلغها بدافعٍ لا يمكن تحديد مداه وتأثيره، غير أنّنا واعتمادا على ما يُدرج في خانة الأدب العالمي يمكننها القول أنه تركيبة متكاملة تتداخل فيها لغة النص ومضمونه، وحركية الترجمة وحال المقروئية في الوسط الأدبي، لتأتي بعدها عوامل تبتعد عن صبغتها الأدبية، كالدور الذي تلعبه دور ووسائل الإعلام من خلال الاستراتيجيات المعتمدة لدفع أدب ما نحو عالميته مرغما، رغم افتقاره أحيانا لمقوماتها.
إنّ عاملي التاريخ والجغرافيا وما يرتبط بهما من قيم أساسها اللغة، لازالا أهم العوامل المتحكمة في بلوغ أدب ما محطة العالمية أو فشله، وعانى الأدب الجزائري في شقه العربي من تبعات هذا، ووجد طريق بلوغ العالمية ملغما، فكان التمييز والإقصاء الذي تمارسه دور النشر العالمية ومنابر الإعلام التي هيمنت بترسانتها في رسم خارطة التواجد العالمي لمختلف الأجناس الأدبية، العامل الأساسي في فشل بعضهم في تحقيق أهدافه.
إنّ الأدب الجزائري رغم ثرائه وتعدّد مشاربه، لم يكن لبعض أجناسه ما حظيت به الأخرى على منصات العالمية، فنجد الرواية وما لحقها من ترجمة، لحقبة من الزمن استمرت إلى يومنا هذا، الوجه الوحيد لتواجده عالميا، فيما يعجز غيرها كالشعر خاصة والقصة عن إيجاد مكانة له في المحافل العالمية لاعتبارات عدة تتحكّم فيها نسبة المقروئية ومضمون النص ومحتواه واللغة، فكما كان لكاتب ياسين ومحمد ديب ومولود فرعون وآسيا جبار وغيرهم ممّن أثروا المكتبة العالمية بمؤلفاتهم واحتلّت أسماؤهم مساحة معتبرة في منابر الإعلام الثقافي، الحظ في التواجد لفترة بين الأسماء العالمية وترجمة أعمالهم إلى عديد اللغات، بقي من يكتب باللغة العربية يجتهد ويواجه رياح الإقصاء المتعمد لفترة زمنية ليست بالهينة قبل تحقيق عالمية أدبهم.
تعدّدت الأسماء الجزائرية واستمر ظهورها تباعا في المحافل الدولية، فجاءت آسيا جبار كاسم أدبي فرض بقوة النص تواجده في المنصات الدولية، وتم ترشيحه عديد المرات لنيل جائزة نوبل دون تحقيق هذا المراد لعدة أسباب بعضها يبقى مجهولا، لنجد الطاهر وطار وأحلام مستغانمي ورشيد بوجدرة وغيرهم، يسيرون على دربهم لتحقيق عالمية الأدب الجزائري رغم اقتصاره على صنف الرواية، لكنه وجه مشرف لأدب له من الزخم والثراء ما يؤهله لحجز مكانة ومساحة أوسع على منصات التواجد العالمي.
❊ من موقعك كإعلامي متخصّص، ما هو دور الإعلام في الترويج للأعمال الأدبية وإيصال صوتها إلى الآخر؟ بالمقابل، هل يصنع الإعلام صورة لمّاعة من لا شيء؟
❊❊ حلم بلوغ أدب أو اسم ما عالميته تتحكم فيه عوامل لها ارتباط بماهيته مضمونا ولغة، ارتباطا بالتاريخ والإنسانية، وتأتي الترجمة لتحقق له مكاسب عدة وتسهل انتشاره وكسبه مزيدا من القراء والمتابعين، ليأتي الإعلام الثقافي كمتحكم رئيسي ومحرك لخيوط اللعبة، من خلال خطط دعمه وترويجه، فيزيد بريق هذا ويطمس متعمدا، مقصيا أدبا ما، مانعا أياه بغض النظر عن امتلاك مقومات التواجد العالمي من عدمه.
يلعب الإعلام الثقافي وخلفه دور النشر العالمية، والتي تملك خططا بعيدة المدى واستراتيجيات ترويج وإشهار متطورة، الدور الرئيسي في رسم ملامح الوجه العالمي للأدب، وتبقى الجزائر بأدبها، بسياستها الإعلامية وترسانتها وخططها الموجّهة لتحقيق حلم عالمية الأدب الجزائري واستمرار تواجده على هذا الركح، بعيدة عن هذا الحراك والتقدم، معتمدة على أساليب بالية، وخطط باهتة، تفتقر للتخطيط المحكم وامتلاك عامل المبادرة، للوصول بالأدب الجزائري والأسماء التي تمثله نحو العالمية.
صالح كحول مدير مجلة “الإبداع العربي” لـ “الشعـب”
الإعـلام يرسم ملامـح الأدب العالمـي ونحـن بعيــدون عـن هـذا
حاوره: أسامة إفراح
شوهد:799 مرة