52 ألف ساكن وأربعة بلديات تحتضن المعلم
حراسها أبناؤها والحفاظ عليها مهمة الجميع
استضافت «الشعب» السيد عبد الوهاب زكاغ، المدير العام للديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية، الحاضر في 32 ولاية بكادر بشري يتجاوز 1700 عامل. وحدّثنا السيد زكاغ عن المخطط الدائم لحماية القصبة، الذي تابعه منذ البداية، كما قدّم حوصلة عن سيرورة النصوص القانونية المنظمة لهذه العملية، التي تمتاز بأهميتها التاريخية، الثقافية، الاجتماعية والمعمارية. وخلص ضيفنا إلى أن التواصل والاستمرارية كانا الميزتين الأساسيتين المشتركتين بين مختلف مراحل هذا المشروع الطموح.
قدم عبد الوهاب زكاغ حوصلة للجانب التنظيمي المتعلق بحماية القصبة، حيث تحدث عن قانون التراث 98 04 الذي وصفه بالجديد نسبيا، باعتبار أن العمل قبل ذلك كان بتعليمة 67 المتعلقة بالمعالم التاريخية، والتي استمر العمل بها لعقود. وفي 2003 صدرت المراسيم التنفيذية بخصوص ترميم والمخططات الدائمة، ثم في 2005 صدرت نصوص أخرى متعلقة بمختلف مراحل تطبيق المخططات. وفي 2003 أيضا صدر المرسوم المحدد للقطاعات المحفوظة فيما شهدت سنة 2005 صدور المرسوم الخاص بالقصبة، الذي حدد إقليمها بـ105 هكتار، وهو المعمول به على المستوى الوطني، إذ أن التصنيف العالمي لم يشمل سوى 60 هكتار، ولكن الدولة الجزائرية قررت عدم الاكتفاء بهذه المساحة المتعلقة فقط بالمباني العثمانية، بل وسّعت المساحة لنحصل في النهاية على شريط حماية محيط بالقصبة.
ويضمّ هذا الإقليم 52 ألف ساكن حسب إحصاء 2008، موزعين على 4 بلديات (ما قد يعني أربع مجالس بلدية وأربع إرادات ورؤى للتسيير على المستوى المحلي)، وإلى جانب البلدية الرئيسية هي القصبة، ثم جزء من باب الواد، وجزء من الجزائر الوسطى، وواد قريش فيما يتعلق بالقلعة وما يحيط بها.
وانطلق العمل على المخطط الدائم سنة 2007، ولكنه محاولات وجهود الترميم كانت موجودة منذ 1999، إلا أنها امتازت بنوع من العشوائية نظرا لغياب الإطار القانوني المنظم الذي صدر بعد ذلك، ما دفع وزارة الثقافة آنذاك إلى الاحتكام إلى قانون 2003، وهو السبب في انطلاق المخطط سنة 2007، وذلك في ثلاث مراحل، ولعلّ أهمّ ما ميّز كل مرحلة هو التواصل مع جميع المعنيين وتسجيل التحفظات والآراء والاقتراحات، قبل أن يتبنى المجلس الشعبي الولائي المخطط ويصادق عليه في 2011، ثم تصادق عليه الحكومة في 2012. وشرح زكاغ سبب اشتراط مصادقة الحكومة حينما يفوق تعداد السكان داخل القطاع المحفوظ 50 ألف نسمة. وبمصادقة الحكومة، صار للمخطط قوة القانون.
تركيز على المستعجل
«أثناء إعداد المخطط، قمنا بأشغال استعجالية، ويتعلق الأمر بتدعيم 717 منزل من مجموع 1816 (أي ما يقارب الثلث) من بينها 900 عثمانية، والبقية منها عائدة إلى الفترة الاستعمارية»، يقول زكاغ، مشيرا إلى أن هذه الأشغال الاستعجالية تمّت دون ترحيل السكان، ولأجل تسهيل هذه العملية تمّ تشغيل عمال من القصبة بحيث كانت الطريقة الأمثل للتمكن من دخول المنازل في كلّ ثقة، بدليل أن أغلب المهندسين من النساء للتعامل مع العائلات.
وعن تكلفة المشروع، قال زكاغ إنه بمجرد المصادقة عليه سنة 2012 قدّم تصورا بما يعادل 92 مليار دينار على فترة ممتدة من 10 إلى 15 سنة، وعلى هذا الأساس سخرت الدولة 24 مليار دينار كحصة أولى سنة 2013، وقسم المبلغ إلى جزأين، عاد الأول بما يعادل 5.6 مليار دينار إلى الوكالة الوطنية للقطاعات المحفوظة، وهي التي تطبق المخطط في الميدان (المراقبة). أما الديوان فحصل على 18.4 مليار دينار مخصصة للجانب التقني والعمل المباشر.
وبحلول سنة 2014 وجب اختيار منهجية في تنفيذ المخطط، واعتمدت وزارة الثقافة حينذاك طريقة استعجالية ومباشرة باختيار مكاتب الدراسات على أساس الإمكانيات (نظرا لنقص مكاتب الدراسات). ولكن سياسة الوزارة تغيّرت إلى أن استقرّت على الرجوع إلى القانون واعتماد المناقصة، وعلى هذا الأساس تمّ إعداد دفتر شروط يتطرق إلى أدقّ التفاصيل، ويتعلق بـ49 جزءًا من القصبة، قبل أن يتخذ القرار السنة الماضية بتحويل المشروع إلى ولاية الجزائر (تمّ نقله نهائيا إلى الولاية في 31 ديسمبر 2016)، فهذه الأخيرة قريبة من الإقليم ولها قدرة الإسكان وغير ذلك من إيجابيات هذا القرار، فيما حافظت وزارة الثقافة على إشرافها على الجانب التقني، الموكل إلى المركز الوطني لعلم الآثار، والوكالة الوطنية للقطاعات المحفوظة، والديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية، و»كل يلعب دوره ويقدم المساعدة التقنية لصاحب المشروع وهو ولاية الجزائر»، يؤكد زكاغ.
وخلص عبد الوهاب زكاغ إلى أن أهم ميزة في هذه العملية هي تواصلها بغض النظر عن تغيّر الأشخاص، كما أكّد أن نجاح هذا المخطط الذي وقف وراءه منذ البداية هو
مسؤولية الجميع، مشبّها الأطراف المرتبطة به بحلقات السلسلة التي يكمّل بعضها بعضا.
وعلى الرغم من ذلك، تمنّى زكاغ من المجالس البلدية أن تشترك أكثر في المخطط، ولا تهتم بالمشاكل الآنية فقط على غرار إعادة الإسكان. وشدّد على تكوين المنتخبين المحليين وكلّ من له علاقة من قريب أو بعيد بالمخطط، مؤكدا استعداد ديوانه لتقديم هذا التكوين.
لا مكان للصدفة
وحينما نتحدث عن المخطط الدائم للحفاظ عن القصبة، فالأمر يتعلق بتقرير من 400 صفحة لتقديم القصبة، يتضمن كل شيء عنها حتى الجانب البشري، ثم القانون الذي يوضح ما يتعلق بالبناء إلى غاية الحديث عن لون الواجهة، كما يتضمن مخططا لتسيير المياه، خاصة وأن الجبّ الذي نجده في منازل القصبة بغرض جمع وتخزين مياه الأمطار قد تحول إلى حفرة ردم للفضلات المنزلية، ما أنذر بكارثة تمسّ الصحة العمومية نظرا لاتصالها بأبيار الماء الشروب، لذا تمّ إفراغ هذه الخزانات وربط دورات المياه حتى العشوائية منها بقنوات الصرف.
وإلى جانب ذلك، نجد المنع التام لاستعمال الإسمنت، وتحدث زكاغ عن إمكانية استعمال مواد حديثة لتدعيم الهيكل، مثل التيتان والألياف الكربونية التي يمكن استعمالها دون أن تظهر للعيان ولا تؤثر على المنظر الخارجي.
وقد تمّ إعداد مخطط لكل منزل على حدى، وتمّت دراسة كلّ منها: «لدينا 273 منزل بالأسمنت المسلح، وهي منازل للهدم وإعادة البناء بالطريقة القديمة»، يقول ضيفنا، مشيرا أيضا إلى وجود الفراغات في نسيج القصبة العمراني، والتي سببتها المنازل التي تهدمت، و»الفراغات التي ليس لها دور هيكلي في النسيج ستتحول إلى مساحات للأطفال»، يقول زكاغ. أما عن شبكات ما تحت الأرض، فأشار إلى ثلاثة قنوات رئيسية هي القناة (النفق) تحت وريدة مداد الذي يتم التعامل معه دون اللجوء إلى حفره، وقناة شارع أحمد بوزرينة (لالير)، وقناة جامع كتشاوة.. «لقد بدأنا بهذه القنوات لأنها الرئيسية، وبالانتهاء منها سنتحول إلى البقية التي تتبع الشوارع»، وهو ما يتوازى مع إعادة تهيئة شبكة توزيع الطاقة الكهربائية.
من هو عبد الوهاب زكاغ
مهندس معماري مختص في ترميم الآثار، خرّيج الجامعة الجزائرية سنة 1982، ثم في 1983 تخصص في ترميم المعالم التاريخية بجامعة روما، وأكمل دراسته هناك سنة 1989. اشتغل كأستاذ بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بالحراش إلى غاية 2009، ودرّس الهندسة وكوّن إطارات في الترميم، وأشرف على 31 مهندسا معماريا في هذا التخصص، كما شغل منصب مدير دراسات لمدة 6 سنوات، ثم سنتين كمدير للبحث العلمي. خاض غمار السياسة فشغل ما بين 1997 و 2002 منصب رئيس بلدية بن عكنون، وكان ذلك إضافة له كخبرة سياسية وتكوين في الميدان. اشتغل في مجال الترميم ابتداءً من 2006، وأشرف على ورشات ترميم على غرار دار عبد اللطيف ومركب سيدي احمد بن يوسف في مليانة، كما أنه يقف وراء المخطط الدائم للحفاظ على القصبة الذي بدأه سنة 2011.