في خامس إصدار أدبي لها «غسق فادح»

سمية مبارك تختزل مسافة القراءة بعيدا عن ظلمة الليل

نور الدين لعراجي

حداثة التجربة الشعرية تصنع التميز والاستثاء 

في طبعة أنيقة ونصوص متنوعة ومختلفة صدر لإبنة ألف قبة وقبة الشاعرة سمية مبارك، ديوان شعري حمل أربعة وسبعون نصا، حملت جميعها بصمة روح الكتابة عند المبدعة، التي اختارت لها سمية عنوان «غسق فادح «، فقد جرت العادة أن تكون الإصدارات  تحمل عنوان  إحدى النصوص المختارة في الديوان إلا أن الشاعرة غيرت المألوف واختارت عنوانا لم يكن ضمن النصوص المختارة وهو التميز التي رأت من خلاله المبدعة أن يكون حاملا لرسائل معينة، لها وحدها دون غيرها، ضف إلى أن العنوان المختار حمل مفارقة «الغسق الفادح» وشتان بين الغسق الذي نقصد به ظلمة الليل الحالك وهو أولى بدايات الليل بعد زوال الشفق.
إذا كان العنوان هو مفتاح الباكورة فإن سمية مبارك أرادت أن تمنح القارئ إطلالة، لا تشبه بدايات القصائد، مانحة القارئ وجوب التوقف عند هذا العنوان وحرية طرح الأسئلة بمختلفها لماذا ؟ وكيف ؟ولما ؟ و ماهي ؟.
«غسق فادح « هو خامس إصدار للشاعرة سمية مبارك بعد تلك التي أصدرتها «هديل على جسد»، «غواية الفزع»، «إليك وطني»، «أذرف حروفي»، «في صفوة الصمت» في مائة صفحة من الحجم المتوسط تجولت بنا الشاعرة في ربوع وثنايا نصوصها من حبها إلى عشق والدتها «في عشق أمي» أبدعت سمية وهي تجسد هذا الحنين الجارف نحو أعظم إنسانة في الوجود، فكتبتها مرة أخرى في نص  «أمي» وكأنها تقول لا شيء يقوى على ملكوت هذه المخلوقة على وجه الأرض.
نفس السفر حمل سمية إلى الاغتراب والنجوى «في أغرب المواجع» التي يمر بها الإنسان في حياته، خاصة نحو أنثى تحمل هم الكتابة والإبداع والاحتراق، ما بالنا بصاحبة «غواية الفزع «، وهي ترفع تحديها في أوجه الكتابة بذريعة المبتغى لتقول في أكثر من نص إبداعي «ابتعد عن قصيدتي» و»صوب رصاصك نحوي» عناوين باهرة وتحمل متعتها في فيافي سطورها تارة ساكنة وتارة  مناجية شبح الخلوة لتخرج عنا بـ»ضوء القمر» الذي تحت بصيصه تستلم «صك الغفران» لتختزل مسافات البعد بينها وبين «سيد المواقف».
«حاء وحب» هو الحب الذي ظل يستنزف عمرا إبداعيا من تراتيل المبدعة سمية مبارك إلى إن ينقشع ميلاد الأمل في حواس محتشدة من ذاكرتها حيث تقول في مقطع من هذا النص.
في حديقة الحب زرعت حرفين
حاء وباء ميلاد قلبين
أمس وحاضر وغد لعينيك
ورد الهوى
عبير أسكبه في كفيك
الكتابة عند سمية مبارك، توهج للحرف بكل معانيه فتارة تجدها تنسج خيوط العنكبوت حول نصوصها وتارة  تفكك حبال المودة والحب بينها وبين ماضيها القريب، لتخرج في نورها العاشق كأنها هي لم يمسسها شك ولا وصب، أحيانا تقدم سمية أعذارا واهية، للقارئ قبل أن يأتي الغروب، والغروب هنا في نصوصها هو الاغتراب في جسد العاشق الذي تحاوره الشاعرة ومنه تستلهم كينونة الوجود، وبلسم الروح، الرجل، الزوج، الأخ، الحبيب، الابن، شخصيات متفرقة لشفرة قلب مفجوع واحد هو قلب سمية الكاتبة .
وكأنها تريد أن تطرح تساؤلا في العنوان الذي اختارته «أضاع الطريق إليا»، مالذي حملك إلى قلاعي يا ابن دمي، لماذا اختارتك الصدفة دون غيرك من الرجال إلى هنا، وتشير إليه في الشق الأخير من مجموعتها وتصفه بـ «سارق الحلم» لأنه استطاع أن ينفذ إلى قلبها عنوة واستقر به المقام هناك، فلا جدوى من زعزعته ولا من رده، إلى أن تعترف في أخر نص  لها ما قبل الأخير، والذي عنونته بـ «سذاجة» وهي الحقيقة التي وقفت عليها ولم تجد غيرها بمعنى استسلامها نهائيا للواقع.
وحسب التقديم الذي سجلته أستاذة الأدب واللغات بجامعة سكيكدة  فاطمة نويصر، ذكرت هذه الأخيرة بأن النصوص كانت وليدة حالة وعي وهي لم تتجاوز مقام البوح، واصفة إياها بتباريح الذات التي آمنت أن رائحة الحبر أبقى وبياض الورق أنقى على حداثة التجربة الإبداعية للأديبة سمية مبارك .
تضيف الأستاذة نويصر على أن التدفق الشعوري والحالة النفسية هي لحظة كتابة تتجاوز فيها المناسبة أحداث النصوص قبل أن تولد هذه الأخيرة وهي سمة نجدها عند روح مبدعة حقا، تحاول أن تصنع تميزها واستثناءها.
«غسق فادح « هو إضافة إلى المكتبة الوطنية وفصل من فصول الإبداع الجزائري الشبابي، الذي تحاول من خلاله الشاعرة صناعة اسمها من خلاله، للتذكير سمية مبارك من جيل الأدباء الشباب الذين يحاولون دوما صناعة المشهد الثقافي والأدبي منه بإصدارات متتالية، حرصا على الحضور وحفاظا على قيمة الإبداع، وهي تشتغل حاليا كمستشار ثقافي بمديرية الثقافة لولاية الوادي، إضافة إلى أنها رئيسة نادي آلاء الثقافي للإبداع النسوي.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024