الدكتور جلال خشاب :فقر أخلاقي للأديب

قتل للمواهب وروح الإبداع

سوق أهراس: العيفة سمير

 

 

 

 

يشكّل الإنتاج الأدبي الفكري خلاصة انسانية تمثل شخصية كاتبه ومؤلفه وواضعه، تقرأ بين ثنايا هذا المنتوج الأدبي افكار وأخلاق مؤلفه، ينطلق من قضايا مجردة وفق حركة فكرية يترجمها على أرض الواقع لما وصل إليه من استنتاجات واستقراءات للمواضيع التي تناولها هذا الأديب أو المفكر أو المؤلف.
هذا المنتوج الفكري عادة يسبقه قلق علمي تتولّد عنه حاجة ماسة إلى البحث والتوسع والتحليل والمقارنة، وفق نماذج يقترحها الفكر الباطني للانسان الأديب، ما يعكس خلاصة ذات قيمة عالية لما تمّ إنتاجه، إذا تمّ تناوله من طرف القاريء المهتم، وهذه الحركة القيّمة هي الحافز الكبير الذي يعطي إضافة كبيرة للمنتوج الفكري الأدبي، لأن المعارف تراكمية قد لا يبدأ الفرد من فراغ، فيكون عمله تتمة لأعمال سابقيه.
والبحث عن جودة الأعمال والبصمة الشخصية هما المعياران الأساسيان اللذان يتم وضعهما على المحك في تناول أي منتوج أدبي أو فكري سواء بالرؤية الفاحصة أو الناقدة.
وأكبر مأزق اخلاقي يقع فيه الأديب أو المتقمص للشخصيات الأدبية السرقات العلمية للمواضيع والأطروحات وإسنادها إلى شخصه دون أي وازع فكري ولا أخلاقي.
لإثارة هذا الموضوع كان لنا هذا الحوار مع الدكتور جلال خشاب أستاذ الأدب العربي  جامعة محمد الشريف مساعدية بسوق اهراس  فكان لنا معه هذا الحوار:
-  «الشعب”: ماذا يعني لك موضوع السرقة الأدبية؟ وماهي حدود هذه السرقة في الأوساط الفكرية الجزائرية؟
 الدكتور خشاب :  أولا أحيي جريدة “الشعب” على هذه الفرصة القيّمة، كما أشيد بتناول هذه الموضوعات القيمة التي ترتبط بترقية الانتاج الأدبي وتثمينه.
السرقة الأدبية موضوع شائك جدا، له سياقات متشعّبة، ترتبط بالعديد من الأبعاد المعيارية التي يتخذها الأديب أو المفكر أو المؤلف عادة كمنطلقات لإنتاجه الفكري الأدبي، ليجد نفسه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة متورطا في فعل لطالما كان هو شخصيا ينبذه.
تعلمون أن المنتوج الفكري أو البحث الفكري سواء كان أدبيا أو علميا، في الحالتين هو حركة فكرية تنم عن إنتاج معرفي، هذا الإنتاج المعرفي هو عملية تراكمية تبدأ من منطلقات سبق وأن تم تناولها من قبل أدباء ومفكرين وباحثين سابقين، لأن الأديب لا يمكن أن يبدأ من فراغ وهذا أمر متعارف عليه، ووفق هذا البحث والإنتاج نجد أغلب الأدباء والمؤلفين يعجبون بأطروحات معينة، فيعملون على تتبع هاته الأطروحات بطريقة إبداعية ما يصب كله في إطار تطوير و تنويع المنتوج الأدبي، لكن الفارق أين يمكن؟ يكمن في مدى إستعاب الباحث أو الأديب للاشكاليات الأدبية أو العلمية التي انطلق منها وأسّس لها، ما يساعده في خلق إطار خاص به يحدّد حركته الفكرية دون المساس بمنتوج وأبحاث الآخرين.
لهذا يمكن القول إن المنتوج الفكري الأدبي والسرقات الأدبية التي عادة ما نسمع صداها على مستوى المحاكم ودور حقوق الملكية الفكرية، مبدأها الأساسي مدى فهم الأديب لمنطلقاته الفكرية والسعي الجاد إلى خلق شخصية أدبية خاصة بمنتوجه الفكرية دون المساس بإنتاج سابقيه.
النقطة الثانية في هذا الموضوع هو الفقر الأخلاقي الذي بات يميّز العديد من الأدباء والمفكرين وعدم التورع في المساس بالمنتجات الفكرية التي سبقهم إليها غيرهم، وهذا أمر إرادي، فالأديب مخيّر بين فعله أو تركه إذا كان فعلا له شخصية أدبية وسمعة فكرية يحافظ عليها ويعمل على تنميتها، لأن فعل السرقة جرم أخلاقي تأباه النفوس السوية، فمابالك إذا اقترن هذا الفعل بأسمى الأعمال الفكرية التي تصدر عن الذات البشرية، وهذا الأمر يضع فاعله أمام طائلة القانون وبالتالي لا يمكن نفيه في وقتنا الحالي، خاصة مع تطور وسائل النشر والتوزيع ووسائل الإتصال، والإتاحة للمنتوج الفكري في أي وقت كان أو زمان.
- كيف ساهمت التكنولوجية الحديثة في السرقات الأدبية؟
 من الزاوية التكنولوجية للإعلام والإتصال ساهمت التكنولوجية الحديثة في كسر احتكار المنتوج الفكري ووضعه بين يدي القاريء رغم اختلاف المسافات والثقافات والأزمنة، وهذا أمر ايجابي كان من المفروض أن يساهم هذا العامل في تنويع الانتاج الفكري وتطويره وحافزا كبيرا على ترقية المنتوج الفكري، عكس ما كان في العصور الوسطى أين كان الإنتاج الفكري محتكرا ومقتصرا على فئات اجتماعية معينة وهي فئة النبلاء.
لكن رغم ما لهذه التكنولوجيا من مزايا تتمثل جلها في عناصر الإتاحة وتقريب الأطروحات والأفكار، رغم ما لها من سلبيات تتمثل في قتل الخصوصيات وتفتح الباب على مصراعيه في النقل والسرقة والتقمص بعيدا عن عيون الرقابة القانونية والمتابعة.
أمام تكنولوجيات الاتصال الاديب بات أمام رقابة ضميره في تناول أعمال الآخرين والإنطلاق من مقارباتهم الأدبية، دون المساس بخصوصياتها أو تقمصها أو سرقتها، لأن العمل الأدبي هو إبداع جمالي ينم عن أنفس راقية منتجة، لا خلاقة له بالأنانيات الأخلاقية وما يرتبط بها من إستحواذ و سرقة لجهد الآخرين.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024