قررت الجزائر، رسميا، نقض اتفاقية 2013 التي تنص على الإعفاء المتبادل لحاملي الجوازات الدبلوماسية والجوازات لمهمة بينها وبين فرنسا، وذلك على إعلان ماكرون «تعليق» الاتفاق في رسالة وجهها لوزيره الأول، كما قررت إنهاء الإجراءات التفضيلية لصالح السفارة الفرنسية لديها.
رسّم الإليزيه دخوله على خط الأزمة مع الجزائر، باتخاذ نهج تصعيدي يدعم كل الإجراءات الاستفزازية والأحادية الجانب التي قام بها وزير الداخلية برونو روتايو، منذ أشهر، ولقيت ردا فوريا من الجانب الجزائري.
على صعيد المضمون، لم تحمل رسالة الرئيس الفرنسي لوزيره الأول، فرانسوا بايرو، أي إجراء جديد، بل قدمت جردا لخطوات تم تجريبها منذ أشهر وأسابيع، وتفاعلت معها الجزائر في حينها، وفقا لمبدإ المعاملة بالمثل ووفقا لمقتضيات القانون الدولي والاتفاقيات الثنائية والأعراف الدبلوماسية.
المستجد الوحيد في الرسالة، هو تبني الرئاسة الفرنسية، لما تتصوّر أنه «قبضة حديدية» مع الجزائر، مزيحة بذلك وزير الداخلية برونو روتايو الذي احتكر واجهة الأزمة عن الجانب الفرنسي، واستغل الأمر كاستثمار سياسي شخصي له، تحسبا للاستحقاقات المقبلة.
الجزائر التي طالبت في أكثر من مناسبة، بإبعادها عن الاستقطاب السياسي الداخلي لفرنسا، لا تكترث لكواليس الرسالة أو لتكتيكات ماكرون، في استعادة توازنه السياسي أمام التهديدات التي يمثلها له اليمين واليمين المتطرف، وما يهمّها هو الدفاع عن مصالحها ومصالح أبناء جاليتها المتواجدة على التراب الفرنسي، مهما كلف الأمر. وقد جددت التأكيد على أنها «لا ترضخ لأي شكل من أشكال الضغوط والإكراهات والابتزازات، أيا كان مصدرها وأيا كانت طبيعتها».
لم تتراجع الجزائر، ولم تهادن أبدا مع لغة التهديد والابتزاز التي انتهجها الجانب الفرنسي، منذ اليوم الأول للأزمة، إلى درجة اقتناع جزء واسع من الطبقة السياسية هناك وخاصة داخل الكيدروسي، أن «القبضة الحديدية» الموهومة، لم ولن تنفع، إذ لم تحقق أي نتيجة طيلة سنة كاملة.
ومع ذلك، وفي خطوة مفاجئة، دخل الإليزيه على خط الأزمة، بنفس الأسلوب العقيم الذي لم تلتفت إليه الجزائر أبدا، وعلى العكس، حصل الجانب الجزائري على كل المسوغات القانونية لإصلاح وضع مختل وغير متوازن في طبيعة العلاقات الثنائية بين البلدين. وبينما تحدثت رسالة رئيس فرنسا، عن «تعليق» إعفاء الجزائريين الحاملين لجواز السفر الدبلوماسي وجواز السفر لمهمة، من التأشيرة لدخول التراب الفرنسي، قررت الجزائر نقض اتفاق 2013 برمته.
هذا الاتفاق، الذي ظل طلبا ملحا للجانب الفرنسي منذ 1986، تاريخ فرض التأشيرة، لأول مرة، على تنقل الجزائريين، وهو أول انقلاب على اتفاقية الهجرة لسنة 1968، لطالما اعتبرته باريس مكسبا استراتيجيا في علاقتها مع الجزائر، بدليل أنها أعادت طلب إبرام الاتفاق منتصف التسعينيات من القرن الماضي، ولم تحصل على موافقة الجزائر، إلا سنة 2007، ثم حُيّـن سنة 2013، حيث أضيف حاملو جوازات السفر لمهمة إلى قائمة المعفيين من شرط الحصول على التأشيرة من كلا الجانبين.
إصرار فرنسا على هذا الاتفاق تحديدا، له ما يبرره على الصعيد الأمني والاستخباراتي، إذ يمكنها من مضاعفة أعوانها النشطين على الأرض بغطاء دبلوماسي أو بغطاء جواز السفر لمهمة، ولهذه الغاية، تحدث ماكرون عن «تعليق الاتفاق»، وليس إلغائه كلية.
و»التعليق» من منظور القانون الدولي يعد «إيقافا مؤقتا لتطبيق الاتفاق دون إلغائه»؛ بمعنى أنه خطوة قابلة للمراجعة؛ لأنه يبقي الاتفاق حيّا من الناحية القانونية رغم تجميده.
أما الجزائر، وفي البيان الثاني الصادر، الخميس، عن وزارة الشؤون الخارجية، فقد قررت «نقض» الاتفاق برمته، والنقض «مصطلح قانوني يشير إلى إنهاء الاتفاق من طرف واحد، أي «الخروج الكامل من الالتزامات التي ينص عليها».
الإجراء الجزائري يعد أكثر من مبدإ المعاملة بالمثل في هذه النقطة، كونه يعبر عن «قطيعة نهائية» تنفذ وفق الأطر المنصوص عليها في الاتفاق وتحديدا المادة الثامنة منه التي تنص على أنه «يجوز لكل من الطرفين، إنهاء هذا الاتفاق عبر إشعار خطي، يصبح هذا الإنهاء نافذا بعد مضي 90 يوميا على تاريخ الإشعار الخطي المسبق المرسل عبر القناة الدبلوماسية».
ومنذ الخميس، أشعرت الجزائر الجانب الفرنسي عبر القائم بأعمال السفارة، رسميا، بقرارها نقض الاتفاق. وأشار بيان الخارجية إلى أنه ودون «المساس بالآجال المنصوص عليها في الاتفاق، قررت الحكومة الجزائرية إخضاع المواطنين الفرنسيين الحاملين لجوازات السفر الدبلوماسية وجوازات السفر لمهمة بشكل فوري لشرط الحصول على التأشيرة».
وإدراكا منها لـ «الورطة» التي صنعتها رسالة ماكرون، حاولت بعض وسائل الإعلام الفرنسية النافذة التعتيم على حقيقة القرار الجزائري وتصويره على أنه معاملة بالمثل، رغم أن «النقض» يختلف تماما عن «التعليق».
بيانات وزارة الخارجية الجزائرية، أظهرت في كل مرة، أن فرنسا هي المستفيد الأكبر من الجزائر، وأنها هي من تحتاج الجزائر، غير أن الغطرسة الاستعمارية المقيتة والذهنية القديمة المتهالكة، تدفع دائما إلى المكابرة ومحاولة قلب الحقائق أمام الرأي العام الفرنسي، معتمدة على وسائل إعلام صاخبة ومؤدلجة.
ودائما ما كانت الجزائر واضحة في تحميل الجانب الفرنسي وحده مسؤولية تدهور العلاقات الثنائية، وما عليه إلا أن يتحمل قراراته القاضية بتجريد السفارة الفرنسية من عديد الامتيازات التفضيلية.