تحدثت مع الوزير عز الدين ميهوبي بخصوص إنشاء محافظة ترجمة الأدب الجزائري
رغم الإمكانيات الكبيرة التي رصدتها الدولة الجزائرية خلال الـ15 سنة الأخيرة لترقية وتطوير صناعة الكتاب، إلا أننا نجد اقتصار دور النشر الجزائرية الخاصة منها على الاستمرار في تكريس “عقيدة” ما هو “مترجم”الأكثر جودة وعمق وفائدة فى ذهن القارئ الجزائري ، في حين لا نجدها “تجتهد” في ترجمة المؤلفات الجزائرية خاصة الفكرية والثقافية إلى اللغات الأخرى و«تصدير” هذه المؤلفات الفكرية إلى الدول الغربية للترويج على الأقل للثقافة الجزائرية وتعريف المتلقي الأجنبي بمكنونات ثقافتنا.
ولتحليل هاته الإشكالية، سألت “الشعب” الأستاذ الجامعي والكاتب والمترجم عبد الرحمان مزيان، فكان لنا معه الحوار التالي.
الشعب: ما هو واقع الترجمة الخاصة بالرواية الجزائرية إلى اللغات الأخرى؟
د كتور مزيان : بداية أتقدم بجزيل الشكر إلى جريدة الشعب الغراء وعلى هذه المواضيع الجادة التي تثير بين الفينة والأخرى. واقع الترجمة الخاص بالرواية الجزائرية لا يحسد عليه. لدرجة أنه بالإمكان عدها على أصابع اليد الواحدة. بحيث لا تترجم إلا الرواية التي حصلت على جائزة ما. أو أنها حظيت باهتمام إعلامي. أما باقي الروايات الأخرى فهي لم تترجم للأسف؛ كما لو أننا ننتظر الشعوب الأخرى لتترجم رواياتنا إلى لغاتها. لهذا على المجتمع بكل مكوناته إدراك هذه الحقيقة. لأننا لا نفرض نفسنا بكرة القدم فقط، لأن فيها الربح والخسارة؛ لكن الرواية فيها الربح فقط: ربح القارئ، الناقد الشهرة الجوائز....
- ما هي أهم معوقات ترجمة المؤلفات الوطنية وترويجها دوليا؟
المعوقات كثيرة كقلة المترجمين من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى. لا أحد يريد دفع مستحقات المترجم؛ وإن دفعت فهي زهيدة مقارنة بالمعمول به في الدول المتقدمة. لا تطبق المعايير العالمية للترجمة، الناشرون الجزائريون ليس لديهم القدرة على ترويج المنتوج خارج الجزائر؛ بمعنى أن الناشر الجزائري لا يترجم الأعمال الجزائرية إلى لغات أخرى لأن ليس لديه الوسائل لترويجها وإيصالها إلى القارئ في لغة الوصول. لا توجد عندا ولو شركة توزيع بالجزائر أقول داخل الجزائر ناهيك عن الخارج. كان بالإمكان أن يقوم المعهد العالي للترجمة بعدة مهام التي هو في حقيقة الأمر منوطا بها إلا أنه في سبات طويل.
- صحيح أنّ هنالك أعمال أدبية جزائرية مكتوبة باللغة العربية استطاعت أن تفرض نفسها بقوة في العالم، على غرار أحلام مستغانمي، إلى أي مدى حققت هذه الأسماء وجودها في العالم الغربي ؟
أكيد، أحلام مستغانمي فرضت نفسها في الوطن العربي ثم في العالم نوعا ما. لأن وجودها بلبنان مركز الطباعة النشر بامتياز قد ساعدها في ذلك. لكن هناك من قاوم من الجزائر حيث لا توجد محفزات وفرض نفسه على الوطن العربي والعالم مثلا واسيني الأعرج وأمين الزاوي وعز الدين ميهوبي اللذين ترجمت أعمالهما إلى عدة لغات وبالفعل قد فرضا نفسيهما بطريقة كبيرة جدا. وأعمالهما مختلفة ومهمة في الوقت نفسه. بدليل دعوتهما إلى أهم المنتديات الدولي والعالمية. ومن هنا أمكن القول أن المبدع الجزائري يصارع بمفرده الواقع الترجمي المر وأيضا في الوقت ذاته يصارع الرداءة التي صارت اليوم عنوانا كبيرا في الطباعة.
- الجميع يعترف بنجاح الرواية الجزائرية عربيا وحتى إقليميا، لكن هناك تراجع كبير في التسويق لهاته المؤلفات و نشرها، ما الحل في رأيكم لدفع عجلة الترجمة خارجيا ؟
الحل بسيط إذا كانت هناك إرادة حقيقية. على وزارة الثقافة ووزارة النقل وبنك الجزائر المركزي التفكير بإنشاء شركات صغيرة ومتوسطة خاصة بالتوزيع. أن تعطى قروض للشباب من أجل هذا الهدف. لماذا وزارة الثقافة لأن على رأسها روائيا وشاعرا متميزا عز الدين ميهوبي. المطابع موجودة وفيها احترافية كبيرة .
- هل تتحمل الدولة ممثلة في وزارة الثقافة مسؤولية ترجمة المؤلفات الوطنية إلى اللغات الاجنبية؟
ليست وزارة الثقافة لوحدها بل هناك شركاء آخرون. الناشرون عليهم مسؤولية كبيرة وأكبر مسؤولية في الترجمة تتحملها الجامعة. الجامعة هي مربط الفرس. إذا قمنا بإحصاء المعاهد الخاصة بالترجمة نعتقد أننا رائدون في هذا المجال. لكننا عكس ذلك. لا أدري لماذا وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قد أغلقت أقسام الترجمة من الجامعات كما لو أن الأمر مدبر بليل. علما بأن هناك نقص كبير جدا في المترجمين إن على المستوى المهني مثلا: مدريات الأمن في حاجة ماسة إلى مترجمين العدالة كذلك والوزارات وقس على ذلك،. إذن الرواية عالم خاص يشترك فيه المبدع والمترجم الناشر والموزع والسيناريست والمخرج وقاعات السينما والجمهور إما قارئا أو مشاهدا واخيرا النقاد. إذاَ هناك سلسلة طويلة من الفاعلين
- كيف ترون مستقبل ترجمة الإنتاج الوطني؟
مستقبل ترجمة الإنتاج الوطني إذا لم تكن هناك محفزات وتضافر الجهود من الدولة ممثلة في وزاراتها والناشرين والمترجمين –هذا بعيد المنال- سيكون قاتما جدا. علينا أن نعي بدون الترجمة سنبقى أمة في السرداب. لن يعرفنا أحد. ولن يعترف بنا الآخر. الجميع يتمنى حصول الإنتاج الجزائري على جائزة نوبل في حين أعمالنا حبيسة لغتنا علما بأنها جيدة وجادة وممتعة، لكن علينا تقديمها إلى الآخر بلغته، بهذا الخصوص تحدثت مع عز الدين ميهوبي قبل أن يصير وزيرا عن إنشاء محافظة ترجمة الأدب الجزائري من وإلى العربية واقترحها آنذاك على وزيرة الثقافة السابقة واستحسنت الأمر إننا في الانتظار.
- يتساءل الروائي الجزائري أمين الزاوي دائما لماذا لم يُتوّج الأدب الفرانكفوني المغاربي بنوبل، هل معنى ذلك أنّ الرواية الجزائرية بالتحديد المكتوبة بالعربية ما تزال بعيدة عن الأضواء العالمية؟
^^ علينا في البداية ألا ننسى أن جائزة نوبل محشوة سياسيا. هذا شيء معروف. ينبغي أن يكون العمل كبيرا ولا يعادي بعض الأطراف. تعرف قضية كمال داوود كيف تحصل على الجائزة الفرنسية، الشيء نفسه ربما في جائزة نوبل. إذاَ علينا ألا نضع جائزة نوبل هدفا للعالمية هناك طريق سليم، هو ترجمة أعمال روائيينا ثم وأؤكد على ثم ترجمتها سينمائيا. أعطيك حادثة رائعة جدا في الوصول إلى العالمية. روائية مغربية تعيش في فرنسا تسمى فاطمة الأيوبي كانت تعمل خادمة في البيوت،كتبت رواية هي سيرة ذاتية اعتنى بها ناشر جزائري هو مفدي باشاري صاحب دار نشر باشاري ، صحح الرواية وطبعها بعد ذلك ترجمة إلى فيلم ورشحت إلى كان ثم تحصلت على أحسن فيم فرنسي لسنة 2015. وهي الآن روائية عالمية. انظر كيف أن العالمية يمكن أن تكون خارج جائزة نوبل. السينما تلعب دورا كبيرا كما يلعبه المسرح أيضا والقراءة بلغة الوصول.
- هل هناك مواضيع محددة تفرض على دور النشر مثلا ترجمة تلك الروايات أم أن نجاح الرواية بغض النظر عن مضمونها هو السبب الرئيس في ترجمتها أم شهرة الكاتب ومدى “جرأته” في تناول المواضيع هو الفيصل؟
أصحاب دور النشر لا يتعاملون ألا بمنطق الربح والخسارة. لا تنشر إلا الأعمال التي تلقى رواجا تجاريا. لأن صاحب دار النشر لا يراهن على عمل لا يباع سيسبب له إفلاسا وهذا شيء منطقي. قلت سابقا أن مشكل تسويق المنتوج إلى القارئ في لغة الوصول أما لغة الانطلاق ليس فيه مشكل لحد الآن. صحيح كما قلت هناك جراة الكاتب مثل أمين الزاوي في تناوله للمحرم؛ أما بخصوص المضمون فهو لا يطرح مشكلا بل الكاتب بعد أن يؤسس قراء ومقرؤية هذا ما يجعل دور النشر تفضل عملا دون آخر.
- الشعب:هل هناك تقصير من المسؤولين الثقافيين الجزائريين في تقديم الأدب الجزائري للمشهد العالمي؟
أكيد كل الفاعلين الثقافيين سواء مؤسسات الدولة المعنية أو الكتاب أو المترجمين أو دور النشر. علينا أن نفكر جميعا بطريقة جدية كيف نقدم أنفسنا إلى الآخر ماديا ومعنويا بطريقة إيجابية. حين اقول أنا أي كل المترجمين والكتاب؛ العديد من الكتاب والمترجمين يزورون أوروبا ماذا يقدمون للأدب الجزائري. صدقني دائما أجد صورة قاتمة عن الإبداع الجزائري عند الفرنسيين وهذا الانطباع يتركه الجزائريون أنفسهم. كل واحد يلغي الآخر وما هذا الإلغاء في حقيقة الأمر سوى إلغاء للذات الجزائرية. من وجب تثمين ما هو جيد وهذا لا يتم دون صحافة ثقافية من خلال المنابر الإعلامية المختصة كجريدتكم الغراء والمجلات المختصة وبالمناسبة كم عندنا من مجلة؟ دون تلك التي تخرج من الجامعة الهادفة إلى الترقية المهنية للذين يشرفون عليها.