الأستاذة دليلة بورحلة، أستاذة الترجمة واللغة الإنكليزية بقسم اللغة بكلية الآداب واللغات جامعة قاصدي مرباح بورقلة، باحثة ومهتمة بالترجمة، خريجة معهد الترجمة، جامعة الجزائر إلتقتها «االشعب» فكان لها حوار حول واقع الترجمة في الجزائر ننقله لقرائنا في يلي...
- الشعب: ماهو تقييمكِ لواقع الترجمة بالجزائر؟
بورحلة دليلة: أولا دعني أضع مفهوما للترجمة من خلاله يمكننا حصر الموضوع وإرساء قاعدة بيانات لحديثنا الذي يعد من أكثر المواضيع التي تشغلني على مدار سنوات.
الترجمة في رأيي، هي ثقافة وحضارة ونمط حياة، من يتحكم في اللغات يسيّر العالم، وهي أيضا العلم الذي يتيح لك أن تكونا فنانا، فهي علم وفن ونحن أحوج ما نكون إليه اليوم من الأمس، ليس فقط في التكنولوجيا والأدب والفن بل في كل مناحي الحياة.
لو جئتني قبل سنتين لحدثتك بكثير من اليأس والقنوط بسبب الواقع المر الذي كان يصدمني من واقع الترجمة والمترجمين في الجزائر، درسنا وتعلمنا وتلقينا كثيرا من النظريات التي بقيت نظريات أكاديمية لم نجد لها أثرا في الواقع ولم نفلح ولم نستطع ترجمتها إلى أعمال، كانت هناك ضبابية كبيرة تسود الموضوع، في ظل انعدام هيئة تنظيم أو هيكل ينظم أصحاب المهنة، وانعدام قانون أساسي لمهنة المترجمين تحدد أولويات وآليات العمل في الترجمة.
إضافة إلى غلق عديد معاهد الترجمة بكثير من الجامعات، والتضييق في منح مناصب تكوين في ما بعد التدرج لطلبة الترجمة، بل الأكثر من ذلك أن يدرج طلبة الترجمة في المراتب الثانوية في مسابقات التربية والتعليم ويصنّفون في خانة الأقل كفاءة.
ثم يجد الحامل لشهادة مترجم يشتغل أي شيء، إلا الترجمة...! كلها معطيات قضت على الترجمة وقزّمتها بشكل كبير.
الموضوع برأيي، لم يحظ بالاهتمام اللازم خلال السنوات الماضية من المسؤولين في أعلى هرم السلطة، ولا زال في ظل انعدام إرادة سياسية تعطي موضوع الترجمة المكانة التي يستحقها، كما هو الحال في كثير من دول المشرق العربي وبعض دول المغرب.
- ماذا تغيير الآن، أليس الواقع نفسه؟
الآن أشعر أن التغيير يفرض نفسه. من خلال تجربتي المتواضعة مع الطلبة هنا في جامعة ورقلة، رأيت إقبالا كبيرا في السنوات الأخيرة على تعلم اللغات والترجمة من وإلى كثير من اللغات، خصوصا الفرنسية، الإنكليزية ولغات أخرى لاتينية كالإيطالية والإسبانية والألمانية.
هناك مجموعة من الطلبة في معهد اللغة الإنكليزية سعوا إلى تنظيم هيئة أو هيكل يجمع المهتمين بالترجمة واتصلوا بكثير من الشخصيات والأكاديميين في العالم وجمعيات متخصصة مثل الدكتور أبو ريشة، لتأسيس هذا الهيكل وهم الأمل الذي يجعلني أستشعر نوعا من الارتياح لمستقبل أفضل وهذا الأمل مفروض يحتمه واقع وتحول يعيشه المجتمع الجزائري اليوم، فهذا الانفتاح الإعلامي والثورة التكنولوجية وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي ألقى بالجزائريين عموما والطلبة خصوصا في داومة البحث عن الترجمة من وإلى لغات أخرى وبالتالي ففي الحقيقة لا فضل لنا في ذلك، فهو إفراز طبيعي مجبورون نحن على حماية أنفسنا من الاندثار في عالم يعجّ بالحركة والإبداع.
- لكن الجامعات الجزائرية يتوفر أغلبها على معاهد للترجمة وهناك معهد عربي عال للترجمة، ألم يشفع ذلك في إزالة هذه الضبابية عن القطاع؟
واقع الترجمة، على مرارته، لا ينفي أبدا إبداع الجزائريين في هذا المجال، بل هم أكثر شعوب العالم تحكّما في اللغات، خصوصا اللغة الأم، فهم أكثر فصاحة وأكثر إتقانا لها من غيرهم من العرب، الدليل تألق كثير منهم في الفضائيات العربية، بالإضافة إلى إتقانهم للفرنسية أحسن – أحيانا – حتى من الفرنسيين أنفسهم وكذلك الإنكليزية التي يتحدثونها دون لكنة، صورة جميلة متألقة يصنعها الدكتور أمين الزاوي والأستاذ صالح بالعيد... ليس لدينا ضعف، لكن لدينا نقص، هؤلاء الذين ذكرتهم أبدعوا في إثبات الذات.
أما مسألة المعهد العربي للترجمة، فرغم الإمكانيات المادية والبشرية المسخرة له إلا أنه لم يتمكن من تجسيد هذه الترسانة في أرض الواقع. وبالمناسبة، دعني ا
أزف تحية إكبار وتقدير للأستاذة بيوض التي كنت طالبة عندها وذلك شرف كبير.
أما معاهد الترجمة فخرج أعدادا من الطلبة، لكنهم في واقع الحال - كما قلت لك - يشتغلون أي شيء إلا الترجمة، فضعف المنتوج الثقافي الجزائري هو أصلا من أسباب تراجع الترجمة في بلادنا. وكم كنت أتمنى أن تترجم أعمال أحلام مستغاني إلى الإلمانية في الجزائر أو النّتاج الفكري للمفكر مالك بن نبي وأن يحمل اللمسة الجزائرية... لكن هيهات.
- ألا تعتقدين أن ارتباط النّتاج الفكري والأدبي في الجزائر باللغة الفرنسية يحول دون عولمته؟
لا أبدا، أرى أن الارتباط التاريخي بفرنسا حفز الترجمة ودفع المترجمين. فنحن كثيرا ما نعود إلى التشريعات الفرنسية للبحث عن القوانين ومراجعها وبعض الأعمال الاستعمارية المكتوبة بالفرنسية عن الجزائر، خصوصا في التاريخ والجغرافيا والدراسات السوسيوثقافية، فهي تشكل لنا مراجع بالفرنسية، لكن المرحلة الآن تتطلب الانفتاح على لغات عالمية وعدم الاكتفاء بالفرنسية إذا أردنا الترويج لنتاجنا الفكري والإنساني والأدبي والعلمي وهذا هو الواقع الذي نسير إليه ونتحسسه يوما بعد آخر.
حتى الكتب المترجمة في المشرق في الحقيقة لا تفي بالغرض، بالنظر إلى خصوصيات المجتمع الجزائري، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالإنتاج الثقافي والفكري الذي يحتاج إلى بيئته.
- برأيك ماهي أوليات الترجمة اليوم ومن أين نبدأها؟
البداية تكون بالإنتاج العلمي والتكنولوجي، بلادنا بحاجة في هذه المرحلة إلى نقل المعرفة لمواجهة متطلبات المرحلة والانعكاسات الاقتصادية والتكنولوجية ثم الترويج لثقافتنا وسياحتنا في البلدن الأخرى وتمكين الإنسانية من الاطلاع على من تزخر به بلادنا من فكر وثقافة وفن وإبداع في كل المجالات. وأتصور أننا نملك القدرة إذا توفرت الإرادة السياسية وصدقت النوايا.