الأستاذ الباحث في الثقافة الأمازيغية محمد مرداسي وباحثون في التراث الأمازيغي يؤكدون :

فرصة لترسيخ الموروث الحضاري والحفاظ على التراث المادي واللامادي

باتنة:لموشي حمزة

يؤكد، الباحثون والمؤرخون والمهتمون بالتراث الأمازيغي، أن الاحتفال بيناير برأس السنة الأمازيغية الجديدة، يعود إلى تاريخ 950 سنة قبل الميلاد، حيث كان لتواجد الأمازيغ دور كبير في الحضارة الإنسانية، فرغم مرور2966 سنة من انتصار الزعيم الأمازيغي شيشناق على رمسيس الثاني، فرعون مصر، إلا أن سكان منطقة القبائل، والأوراس بالجزائر تحديدا لا زالوا يفتخرون بهذه الملحمة التي صنعت أمجاد الأمازيغ ورسخت في أذهانهم قيم التضامن والتسامح، وحتى احترام ثقافة ودين الآخر، فعاشت الأقليات بسلام تؤكده مراجع وكتب التاريخ في هذا الشأن.
ومعنى كلمة يناير “الفاتح من الشهر” فهي تنقسم إلى شقين، الأول “ينا” ويعني الفاتح، والثاني “ير” ويعني الشهر، ونشير أن الجزائر على غرار بعض البلدان بالمغرب العربي تحتفل بالسنة الأمازيغية وتقيم لأجل ذلك طقوسا واحتفالات للتعبير عن الفرحة بالدخول العام الجديد، حيث تسعى المحافظة السامية للأمازيغية إلى تصنيف عيد رأس السنة الأمازيغية “يناير” ضمن التراث العالمي اللامادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونيسكو”.
تستقبل، قرى ومدن منطقة الأوراس الأشم وباقي مدن الجزائر، السنة الأمازيغية الجديدة، بتنظيم العديد من الأنشطة الثقافية والتظاهرات الفنية والفلكلورية المتنوعة، لتأكيد هوية سكان المنطقة وثراء تراثهم، الثقافي خاصة، فهم يرفضون تصنيف هذه الاحتفالات في خانة  الظرفية والمناسباتية، كما أكد الأستاذ مرادسي الباحث في الثقافة الأمازيغية، والذي عمل لمدة 6 سنوات كمدقق لغوي بجريدة”الشعب”، فكل التحفظات على فكرة وجود ثقافة أمازيغية موحدة لا تتعارض مع فكرة وجود قواسم ثقافية مشتركة بين المجموعات البشرية الناطقة بالأمازيغية ، في ميادين عدة كالموسيقى والرقص والحكايات الشعبية وفن الزخرفة والصناعات الحرفية، وبحكم كون الثقافة الأمازيغية ظلت لقرون طويلة ثقافة شفهية في المقام الأول فإن الحكايات والأمثال والحكم الشعبية هي التي تمثلها اليوم أبلغ تمثيل على المستوى اللغوي، وهو الأمر الذي يدافع عنه بشدة الباحث مرداسي، كما تعبر رقصة “الترحاب”  التي ما زالت تمارس في الاحتفالات العائلية أو القروية في الأوراس والمناطق المحاذية له، مثلها مثل الرقصة التقليدية النسائية القبائلية وهي تعكس تراث إنساني ضارب في أعماق التاريخ البشري.

الأدب الشفهي الأمازيغي مهم في تطوير البنية التعليمة

يلعب الأدب الشفهي الأمازيغي دورا مهما في تطوير البنية التعليمية، حيث يؤكد الباحث محمد مرداسي أن 90 ٪ من الأمثال الشعبية الدارجة في كل دول الغرب العربي مترجمة ومستوحاة من اللغة والثقافة الأمازيغية، ويستدل بمؤلفات الكاتب الجزائر بن هدوقة ودور البارز في ترجمة تلك الأمثال الشعبية الأمازيغية، ويمكن تطوير البنية التعليمية من خلال إلزامية التعليم بهاته اللغة أو من خلال الترجمة، حيث يشير الباحث إلى قدم الأدب الشفهي الأمازيغي  في الجزائر وتجليات ذلك في المسرح في منطقة الاوراس ممثلة في “شايب عشورا”  ويسمى في منطقة تلمسان وما جوارها بـ«أيرادو” بمعنى الأسد، وهو مسرح شعبي في الهواء الطلق من عهد الملك يوبا.
ويستدل محدثنا بقصة “أسوو”، وهي أسطورة أمازيغية تروي أن هناك شخصا يدعى أسوو لم يحمد نعمة الله الكثيرة عليه، وفي مرة من المرات توضأ بالحليب وجلب غضب الله عليه فحوله إلى “بلارج”، وهنا دلالة اقتصادية تتمثل في الحفاظ على الحليب وعدم تبذيره، ودلالة دينية تتمثل في الخوف من الله، إضافة إلى تمجيد الثقافة الأمازيغية للمرأة ودورها الكبير في مشاركة الرجل في كل شؤون الحياة  ويظهر ذلك في أسطورة “فحلولة” وهي إمراة أمازيغية خلدتها قصص التاريخ، حتى أننا نحن الأمازيغ يضيف المتحدث جعلنا منها ملكة عكس باقي شعوب العالم التي كانت تنظر إلى المرأة على انه “شيطان جميل”، و«عار”...وغيرها من أوصاف لا تليق بالمرأة.
ويلح الباحث مرداسي على أهمية الإعلام والإشهار في الترويج والتعريف بالثقافة الأمازيغية، وهو الدور الذي ينتظر من السلطات الوصية أن تلعبه في “إعادة الاعتبار” لهذا الموروث الثقافي الذي يجب أن نفتخر به ونعمل سويا على ترقيته .
إضافة إلى تكوين الإطارات والكوادر في هاته اللغة، مع تثمين الموجود، وقبول كل المبادرات الخيرة والراغبة في تحسين وتطوير والحفاظ على الثقافة الأمازيغية.

عيد يناير فرصة للحفاظ على التراث الثقافي المادي

وتشهد دواوير وقرى إشمول، أريس،تاكسلانت، منعة ...احتفالات تعكس عادات وتقاليد موروثة عن الأجداد تتزامن مع موسم الزرع، الحصد، والجني، حيث يقوم السكان بذبح  ديك لحماية العائلة من الأمراض والعين، وتقوم المرأة الأوراسية بباتنة، خنشلة، ام البواقي، قالمة،... بتحضير مأكولات تقليدية مختلفة ومتنوعة يطلق عليها إسم “امنسي نيناير” أي عشاء يناير، وذلك لما له من تأثير بالغ على العائلة ورزقها طوال أيام السنة الأمازيغية الجديدة، ويكون طبق “البربوشة” او “الطعام” أو “الشخشوخة”، سيد مائدة مائدة يناير يزينه اللحم والخضر الجافة بجانبه، طبق لغرايف والشرشم  لما لهما من معان التمسك بتراث الأجداد.
ومن العادات  الثقافية المادية الأخرى، حلق شعر المولود الذي يبلغ سنة من عمره عند حلول هذه المناسبة، حيث يرتدي أجمل الثياب ويوضع داخل “قصعة” كبيرة لترمى فوقه سيدة متقدمة في السن معروفة بورعها وتقواها الكثير من الحلويات والمكسرات والسكر والبيض للتفاؤل بعام جيد ومستقبل زاهر للطفل كما أشارت لذلك الحاجة يمينة.ج التي إلتقيناها بالسوق الشعبي لباتنة المعروف بإسم “الرحبة” تحضر للمناسبة.
ويعتبر طبق “الشرشم” أو “ايرشمن” المتكون من قمح ينقع في الماء والملح ثم يطبخ حتى يتضاعف حجمه ويصبح طريا لتضاف إليه كمية من الزبدة والعسل وأحيانا حمصا مطبوخا وقليلا من الدقيق المحمص ويقدم لأفراد العائلة والأحباب والأصدقاء لاسيما الأطفال منهم، أهم الميزات الثقافية المادية لهذا العيد الأمازيغي.
ومن العادات التراثية التي مازالت تلقى رواجا في هذا العيد ب هو التقاء نسوة العائلة الواحدة في منزل إحداهن ثم يعمدن إلى تزيين فتاة صغيرة بأجمل الملابس وأبهى الحلي ويرافقنها بعد ذلك في زيارة خاطفة إلى الآهل والأقارب في إيحاء إلى أهمية صلة الرحم في المجتمع الأمازيغي والإنساني ككل يقول الأستاذ محمد مرداسي وهو باحث في التراث الأمازيغي.
ولأن هذه الاحتفال بالمناسبة يعني العودة للحديث عن بعض الأساطير، حيث أن الاحتفال بيانير حسب الفنان  والباحث في التراث الأمازيغي،سليم سوهالي  وكذا محافظ المهرجان الأمازيغي بباتنة،  اقترن أساسا بالأسطورة الشهيرة التي تقول أن شهر ‘’يناير’’ قد طلب من شهر فبراير التخلي له عن أحد أيامه بعد أن تحدته إحدى العجائز بالخروج مع عنزاتها الصغيرات لطهو الطعام خارج البيت، في عز البرد، فما كان منه إلا أن قال لعمه فبراير ‘’يا عم فبراير أعرني ليلة ونهارا، كي أقتل العجوز التي أرادت أن تتحداني’’، وكان له ذلك بتخلى فبراير عن يومين من عمره لصالح يناير الذي جمد العجوز وعنزاتها، وإلى الآن يقول أجدادنا أنه توجد بمنطقة جرجرة صخرة تدعى ‘’صخرة العجوز والعنزات’’ حيث بالنظر إلى تلك الصخرة الضخمة يمكن ملاحظة عجوزا تحلب معزاتها، وبقربها بعض صغار الماعز.

يناير رمز للهوية وتراث مدفون تناسته العيون

يتفق الجميع بالأوراس والجزائر، أن الاحتفال بعيد يناير، يرمز إلى الحافظ على الهوية، والتراث الإنساني الثري للأمازيغ، كما يؤكد ذلك السيد عمار محمدي رئيس جمعية بانوراما للسينما والثقافة بولاية باتنة،  فمهما كانت الإحتفالات بسيطة فهي ترمز إلى غنى هذه العادات الاجتماعية ودلالاتها الثقافية، مؤكدا في لقاء مع جريدة “الشعب” أن “يناير هو رمزٌ راسخ من رموز الهوية الأمازيغية، ومع أن تقاليد الاحتفال به تختلف من منطقة إلى أخرى فهو مناسبة للتصالح مع الذات والتعبير عن تمسك الأجيال الحالية بتقاليد وعادات الأجداد”.
 
 

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024