رافع الفنّان منوبي كثيرا حول هموم الفن التشكيلي قائلا بأنّه ورغم النّشاط الدّؤوب لوزير الثقافة الأديب عز الدين ميهوبي، إلاّ أنه ما يزال مطلبهم ببذل المزيد من المجهودات لترقية ودعم الحركة الثقافية بالجزائر وإخراجها من النمطية التي ميّزتها لسنوات طويلة، حسب منوبي، الذي خاض مع “الشعب” في واقع الفن التشكيلي بالجزائر، ومدى تأثير الجانب التجاري والمالي على الإبداع والقيمة الفنية للوحة التشكيلية، حيث سلّط محدثنا الضوء على إحدى أهم الزوايا في الفنون التشكيلية، وهي اللوحة الفنية.
تأثير الجانب التّجاري على الإبداع الفنّي سلبي
لم نجد أفضل من الفنّان المخضرم صاحب الـ 4 عقود من الإبداع في الفن التشكيلي الأستاذ الشريف منوبي، لإثراء الحديث عن الفن التشكيلي ببلادنا ومدى تأثير لغة المال على لغة الفن في اللوحات التشكيلية والأعمال الفنية التي يقوم بها، فهو أحد أهم الفنانين التشكيليين بالجزائر وأحد مؤسّسي المدرسة الجهوية للفنون التشكيلية بعاصمة الأوراس باتنة، والذي كان “مرسمه” بدار الثقافة محمد العيد آل خليفة بوسط مدينة باتنة يوحي بغزارة تجربته الفنية التي أثرى بها الملف الثقافي لهذا الأسبوع.
يعترف المتحدث أنّ اللوحة التشكيلية بالنسبة إليه لا تقدر بأي ثمن فهي “جزء من الذات”، ويواصل وصفها بالقول: “كلّما فارقت إحدى لوحاتي الفنية سواء أهديتها لشخص أو بعتها إلا وأترك جزءا من حياتي معها، هي كأحد أبنائي”، هكذا يصف محدثنا لوحاته التشكيلية، وهو رد كاف لنتأكد مدى صعوبة تقديرها بثمن.
غير أنه يستدرك، فيقول أن الجانب التجاري مهم لأي فنان مبدع خاصة في مرحلة النضوج الفني، فلابد له من أن ينتشر أكثر ويترك بصماته، ولا يتأتّى ذلك إلا من خلال المعارض الفنية التي تكون بهدف بيع اللوحات التشكيلية سواء إلى الجمهور أو إلى المؤسسات المهتمة، ويرجع آخر سعر للوحة باعها الفنان منوبي إلى 15 مليون سنتيم، وهي لوحة أهديت للفنانة المغتربة حورية عايشي خلال إحدى زيارتها لباتنة.
ويرفض الفنان منوبي بيع لوحاته الفنية لمن لا يدخل معه في نقاش جاد حول السعر، “لأن المهتم بشراء اللوحة لقيمتها الفنية يلح على الفنان تخفيض السعر، في حين تجد من لا يهتم بالقيمة الفنية للوحة يقبل بأي سعر يقترحه صاحبها، فهو غالبا ما يشك في الراغبين في شراء لوحاته، ويستدل على ذلك بالقول مثلا أنا اقترحت مبلغ 12 مليون سنتيم للوحة والمهتم بشرائها قابل مباشرة السعر بالقبول، ففي هاته الحالة أتأكد أن المشتري غير مهتم باللوحة، ولن تكون في مأمن لديه وعليه فلن أبيعها له”.
إحياء الفن التّشكيلي بالجزائر يحتاج إلى استراتيجية صادقة ومشروع وطني حقيقي
عرج الفنان منوبي الشريف، وهو يتفحص “أرشيفه الفني” على واقع الفن التشكيلي الجزائري الذي يحتاج ـ حسبه ـ إلى التشخيص والفحص الدقيق أكثر من حاجته إلى شيء آخر، فلا بد من مخططات حقيقية ومشاريع واضحة تركز على التكوين والرفع من مستوى الفنانين وتأهيل التقنيين، وتغيير عقليات التسيير والدعم المادي، واستحداث جوائز لتشجيع المبدعين وتحسيسهم بقيمة ما يبدعون.
وعن الحل للخروج من هاته الوضعية، يقول الفنان منوبي إنّه يكمن في وضع استراتيجية صادقة ومشروع وطني حقيقي يستثمر في الطاقات والمبدعين، فعلى الرغم من وجود أعلام كبار في الفن التشكيلي ببلادنا إلاّ أننا نجد دور الشباب خاوية على عروشها وصالونات العرض قليلة جدا، كما لا نملك سوقا للفن التشكيلي وإن كنا نحن الفنانين المخضرمين نملك “المناعة” ضد ذلك بحكم “عشقنا وولعنا” بالفن التشكيلي، فإن المبدعين الشباب سرعان ما يملون ويفشلون أمام الضغوط الرهيبة المتمثلة في نقص الدعم وقلة الاهتمام.
السّلطات الولائية والوطنية
مطالبة بدعم وإنقاذ الفن التّشكيلي من التّمييع
يحمل الفنان التشكيلي منوبي الشريف الجهات الرسمية ولائيا ووطنيا، مسؤولية تمييع الفن التّشكيلي، فالسّلطات في إطار تجميل المحيط تقوم بشراء لوحات تشكيلية لتزين ساحات المدن ا واهم الطرق الرئيسية بها، وبدل أن تعتمد على الفنانين التشكيلين، تجدها ربما عن حسن نية تهرول إلى بعض “المقاولين”، الذين لا علاقة لهم بالفن التّشكيلي لا من قريب ولا من بعيد لدرجة أنهم لا يعرفون حتى كيفية وضع الألوان أو يتركون أسماءهم على اللوحات، أصبحوا يلجئون إلى استخدام مختلف التكنولوجيات وإدخالها بشكل “مؤسف” على بعض اللوحات النحتية آو التشكيلية. وأصدق مثال على ذلك مجموعة اللوحات الموجودة بحي ممرات بن بولعيد على جدار ثانوية العمراني التاريخية، حيث قامت المصالح المعنية بتكليف مقاول قام بدوره باستعمال تقنية نسخ الصور على الرخام وبعدها يتم تعليقها، وهي إساءة كبيرة للفن التشكيلي الذي ميّع بشكل أصبح من الذنب السكوت عنه.
وحجّة السّلطات في ذلك حسب الفنان منوبي هو غلاء اللوحات الفنية التي يرسمها وينحتها الفنان التشكيلي، غير أنه يرفض هذا الطرح بشدة ويؤكّد عكسه تماما، فقيام الفنان التشكيلي بتجسيد بعض المشاريع الفنية لتعليقها في الساحات العمومية مثلا هو دعم للحركة الفنية التشكيلية، بالإضافة إلى تخليد إسم الفنان على لوحته، وأخيرا تحريك سوق الفن وخلق حركة اقتصادية وتجارية من خلال جعل الفنان في تواصل دائم مع الفن التّشكيلي.