صدر للكاتب الإعلامي محمد غرناوط في حلة أنيقة فاخرة مولود يؤرخ لذاكرة مسرح قسنطينة، يسلط الضوء على أجيال ألهبوا خشبة مسرح منطقة الشرق إبداعا ونشطوا ركحها بأعمال كبيرة خالدة كونت أكبر الممثلين وأشهر المخرجين الجزائريين، ويمكن أن نعتبر كتاب “قسنطينة ذاكرة مسرح” مرجعا فريدا من نوعه جاء ليعزز المكتبة الجزائرية بالمراجع الجامعة للذاكرة المسرحية القسنطينية بجميع تفاصيلها وصورها النادرة من الفترة الممتدة من1974 و2014.
يعد العنوان الأدبي الجديد لفتة عرفان وتقدير لمن احترق تارة لينقل انشغالات المواطن والمجتمع في قالب فكاهي كوميدي مفعم بالوعي يمرر رسائل هادفة، المجتمع في حاجة إليها فضلا عن إدخال الفرحة والمتعة إلى قلوب الكبار والصغار وينشط الحراك الثقافي الذي يشجع على تفجير الإبداعات الكامنة. إذا دون الكاتب محمد غرناوط بأمانة ودقة بعد بحث عميق عبر 300صفحة لما لا يقل عن51 عملا مسرحيا تم إنجازه خلال أربعة عقود كاملة، وتوخى فيها تقنية عرض للبطاقات الفنية وسرد ملخصات عن الأعمال المسرحية وكذا الوقوف على السيرة الذاتية لمعظم الفنانين الذين عبروا محطة مسرح قسنطينة الجهوي، مستشهدا بمقتطفات مما كتبته عدة جرائد، وكما عكف على إثرائه بشهادة قوية تتمثل في الصورة الفتوغرافية الحية والناصعة التي تحفظ مسار من مر على ركح الفن الرابع. يعود المؤلف إلى مسيرة أربعين سنة من الإبداع المسرحي والإنتاج المشترك والكتابة الجماعية التي اشتهرت واصطلح عليها بـ«المسرح الجماعي” لمسرح قسنطينة التي انفتحت حتى على كتاب من خارج الولاية، وحرص غرناوط على الوقوف حتى على مكونات العرض أو المشهد المسرحي المتمثل في النصوص والسينوغرافيا والأفلام والصور والمعلقات والمجسمات الصغيرة والألبسة واتخذ شكل بنك حقيقي للمعلومات يمكن للباحث والطالب الاستفادة الكبيرة من هذه المادة التاريخية النادرة.
وانطلق الكاتب غرناوط في البداية من الحديث على فترة تأسيس المسرح أو “أبرا قسنطينة” إبان فترة الاحتلال الفرنسي ثم ترميمه مدعما المعلومات بصور ملونة جميلة، وتصدرت بداية العرض مسرحية “الطمع يفسد الطبع” التي أنتجت بالشراكة بين مسرحي قسنطينة وعنابة، بينما بخصوص الشخصيات فقدم المؤلف بطاقة فنية عن الممثل القدير سيد أحمد أقومي، ومن بين المسرحيات التي نالت حصتها في الكتاب نذكر “حسناء وحسان” و«هذا يجب هذا” و«اللي يموت ما يفوت” و«بدر البدور” و«القانون والناس” و«ريح سمسار” وما إلى غير ذلك.
خصوصية عمل غرناوط تنبع من منطلق أنه تفرغ بل تخصص في مجال واسع وكبير أمام سمعة وأهمية مسار المسرح الجزائري الذي عاش عصرا ذهبيا، وانكب في بحثه على منطقة دون أخرى حتى يعطي لكل عمل حقه وفنان مكانته، على اعتبار أن المسارح الجزائرية لكل واحد ميزته الإبداعية التي تمنحه الهوية التي تعاقبت.
يمكن القول أنه عمل أول يؤرخ بشكل جلي وموروث كان مهددا بالاندثار ومبادرة تستحق التعميم حتى تسري على مسارح أخرى تنتظر أن يماط اللثام عن تاريخها ورجالاتها الذين عانقوا الخشبة بشكل جعلهم يخطفون القلوب وينتزعون الإعجاب.