من الصّعب جدا أن نلقي القبض على خيوط أشعة الذكرى، ومن الصعب أيضا أن نتلّمس خطواتها في زمن الرّحيل الأبدي، رحيل من أحببنا، من الأهل والأبناء والأصدقاء، ولكنها مشيئة الله، أرادها أن تكون في خلقه.
جرس يرنّ في أسماعنا فنحيا على وقعها في زمن الحزن، وفي رجفة الألم وتلك هي بداية امتحاننا، امتحان الصابر المؤمن بقضاء الله.
تعود بي الذّاكرة إلى ذلك التاريخ شهر أفريل من عام ١٩٧٨ بمدينة وهران، وقد كنت ساعتها أؤدّي واجبا كان عليّ في حق الوطن، وقد قرأت مقالا لصديقنا الدكتور عبد المالك مرتاض بعنوان “ كل فتاة بأبيها معجبة”، مفادها الحديث عن أدباء الوطن العربي، ولم يعجبني ذلك القدح لأولئك الأدباء، فحاولت أن أردّ على المقال بمقال آخر تحت عنوان “إذا كان بيتك من زجاج..)، ونشر المقال بجريدة “المساء”، وساعتها لم يرد هذه المرة أستاذنا الكريم مرتاض، بل أناب عنه في الرد صديقنا القاص عبد القادر بن سالم، وقد أدركت بعد ذلك أنّ عبد القادر كان طالبا عند الأستاذ مرتاض ومعه الأستاذ حسين فيلالي. ومضت الأيام وأنا أنتظر لقاء الرجلين، حتى حان الموعد الجميل بتأسيس “رابطة إبداع الوطنية” التي تم تأسيسها في ١٠ من ماي عام ١٩٩٠، وهنا سررت كثيرا بانضمام العديد من فئة الشباب المبدع، الذي كان على هامش مسيرة الابداع في الجزائر، ولقد انضم كلا من أخي الراحل حسين فيلالي وصديقي عبد القادر بن سالم.
لقد كان حسين فيلالي واحد من سرب طيور، وكنّا على تواصل دائم من خلال تلك اللّقاءات التي يفرضها علينا لقاء أعضاء مكاتب ابدع في مختلف ولايات الوطن أو من خلال تلك النّشاطات التي كنّا نقيمها في شكل أمسيات وملتقيات، وكان دائما الرّجل الهادئ الذي لا يعرف المواربة والمشاكسة، وقد كان المشاغب الكبير بيننا هو صديقنا الأديب الطاهر يحياوي، وكنت كلّما التقيت بالصّديق الرّاحل حسين كان يحدّثني عن همومه الثقافية، وطموحه بأن يخرج اسمه من دائرة الظل إلى عوامل النور، وذلك بنشر مؤلفاته. وكانت تلك هي غايتنا جميعا، كما كانت “إبداع” قلعة من قلاع الثقافة والابداع الجزائري، الذي يحاول أن يتجاوز عقدة الكبار، ولقد برزت كوكبة من المبدعين في مجال القصة والرواية والشعر والنقد والفكر
أمثال حسين فيلالي، بورديم، نور الدين درويش، نور الدين لعراجي يوسف وغليشي، محمد شايطة، خليفة قرطي، حسن خليفة، الطاهر يحياوي، باديس فوغالي، محمد تومي والقائمة تطول فليعذرني إخواني وأخواتي من المبدعين.
لازلت أذكر تلك الفرحة التي طفرت إلى وجه صديقي حسين فيلالي وهو يتصفّح مجموعته القصصية الأولى “السّكاكين الصدئة”، قال لي: هذه البداية يا أخي، أملي أن أحقّق كل أحلامي من أجل أن أترك ما يدل على أثري، لقد نشر جميع أعماله الأخرى بعد فراقنا، ولما التقيته بعد مدة طويلة أهداني نسخة من كتابه
«شيء من الوهم” وهو مجموعة قصصية.
لقد ظلّت صلة الودّ بيننا قائمة رغم تفرّق الجميع في رابطة إبداع، وكنّا نتواصل هاتفيا أو نلتقي كلّما زار العاصمة في إطار نشاط ثقافي.
وأذكر أنّ السنة الماضية أي ١٠١٤ اتّصل بي وحدّثني عن حكاية نصب وقعت عليه من بعض المتطفّلين يدّعي أنّه أستاذ جامعي قدّم رسالة جامعية وهي في الأصل للأديب حسين فيلالي على ما أعتقد، وقال لي: أريد طرحها أمام الرأي العام في وسائل الاعلام، فرحبّت بالفكرة، وتحمّست لطرح الفكرة وكشف خبايا الموضوع، ولكن في النهاية تراجع عن ذلك وقال لي: لنترك الأيام وحدها هي التي تكتب أخبار المتطفّلين، يكفي أنّه فضح في الحرم الجامعي، وهنا أدركت رحابة صدره وطيبة قلبه الكبير الذي أحسبه أنه يعدل طيبة أهلنا في الجنوب.
فله الرّحمة والغفران، وله نكنّ ولأسرته الكريمة كل معاني المحبّة والوفاء.
بقلم الكاتب والشّاعر حسين عبروس
“رجل من أطيب أهل الجنوب”
شوهد:1161 مرة