للأديب محمد رفيق طيبي
يسأل المُقيم في ظلال الوطن العربي عن جدوى الحياة هنا ومعناها الدنيوي البائس جدا، ويبحث صاحب الأسئلة الكبرى عن ملخص ينهي الاستفسارات التي لا تنتهي في جغرافيا للفقدان والهشاشة والخوف فبين معذب اجتماعيا وآخر سياسيا وصديق له يقبع في أسوأ زاوية إقتصاديا تطرح مجموعة من الإشكاليات أولها السببية وآخرها الحلول الضائعة في جمهوريات لا تسأل إلاّ عن نفسها عادة وقد تتكرم بالبحث عن راحة أفراد لم يجدوا فرصة للتعب فقد أنهكوا تماما بسبب الوقت والمتاهات في بلدان لها ارتباط وثيق مع البيروقراطية واللامبالاة والضبابية في الاستشراف وعدم وجود أي معلومات عن الغد القريب.
كل ما ذكرته من أوجاع لا يلخص ما ذهب إليه الروائي عبد العزيز غرمول في روايته زعيم الأقلية الساحقة فهذا النص المتوغل في تفاصيل حياة خفية يقدم للقارئ صورة إستثنائية عن حقائق ليس سهلا الحديث عنها علنا أو إثبات وجودها في ظل غبار كثيف يلف العالم الثالث عموما وبعض الأنظمة على وجه الخصوص حيث يطلب الروائي يد القارئ القلق، المحرج من واقعه ليدخله في لعبة الخيال المسيّطر على واقع هش ومبتذل لا تعرف آليات التخلص منه. في النص نجد مظاهر الفساد والعبث، مظاهر الإنتماء إلى السلطة وتقديس المال، مظاهر الإنكار والإعتراف حيث لا مجال للتراجع عن الإقرار بأن الرواية إقتحمت باطن الشر وعالجت نفسيته وفتحت أسئلة الدوافع والمبررات وقادت القارئ إلى التعرف على الوجه الأكثر قبحا للحاكم الممثل في الملك أو الزعيم والذي تم تجسيده في صورة الخزان الكبير صاحب المساحة غير المحدودة التي لا تنفذ أمام حب المال وتحصيله بمكيافيلية صارمة لا حواجز لها مادامت السلطة توزع الرتب والمهام فيصف السارد واقع الفاسدين الذين فصّلوا الجمهورية الواحدة إلى جمهورية الليل والنهار حيث الضوء للبسطاء والكادحين الذين يقنعهم الرغيف والماء ويعملون لخدمة أهل الليل الذين يملكون رغبة لا تأفل في إمتصاص كل ما يملك قيمة.
لا يتوقف النص الذي أمتلك سلاسة لغوية وتركيبة صارمة أمام المظاهر بل يتجاوزها إلى التحليل فيستند إلى آراء ومواقف تعزز من أطروحة تلاشى جزء منها وبقيّ جزء آخر حيث يفقتد العربي للملك ويحضر في عالمه ملك خفي في ثوب آخر يجمع حرياته البسيطة والمعقدة، في الرواية يوجد تقاطع مع كتاب هربرت شيللر المتلاعبون بالعقول والذي صدر خلال سبعينيات القرن الماضي وجاء صريحا مباشرا عكس الرؤية التي جاءت في رواية عبد العزيز غرمول حيث أوجد السارد مصباحا خافتا لإضاءة مساحة مخيفة ومزعجة للكثير من الناس، مساحة لها واقعها بما فيه من لصوص وقتلة وسلطة أبدية هدّامة لكل مبادرة أو إرادة مضادة تجهر بالبحث عن التغيير فتلك الأصوات عند الأقلية الساحقة تُقتلع من جذورها وترمى بعيدا وكل قلب يحيا فيه الضمير البشري أو تتوفر فيه إمكانية الحياة يجتث من جسد صاحبه.
إنّها أجواء العبث والتصفية التي تصنف عند القائمين عليها ضمن الأعمال الخيّرة تهدف إلى تنقية الحياة من المعارضين لفكرة المساواة كما تعزز من مواقف رواد جمهورية الليل التي خصصت لما يرتبط بالآلات الحاسبة التي خلقت لترتيب الأرقام ووضع جدول الضرائب والحكم بالموت على العصاة ومن هنا يجب القول بأنّ النص الموسوم بزعيم الأقلية الساحقة هو نص يصافح الواقع عن طريق التخييل الحر بحثا عن قول ماخفي عن أعين البسطاء الذين يراهم الآخر المستبد همجا ورعاعا ولذلك قراءة الرواية تشكل صدمة وعي شديدة فرغم التشظي والأوجاع الكثيرة للمجتمعات المملوكة بطريقة ما إلاّ أن توثيق الأحداث وإستشراف ماسيكون عن طريق نص روائي بين يدي قارئ عميق يؤدي فورا إلى صدمة قد تكون أخطر من ضربة فأس..