23 مليار دولار محفظة الشركات الجزائرية.. عطّاف:

«إياتياف الجزائر» أثبت أن التكامل الاقتصادي طريق السيادة

علي مجالدي

 تجاوز سقف التوقعات والمنصة الجزائرية نجحت في تجميع عناصر اللقاء التجاري الحقيقي

قال، أمس، وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية أحمد عطّاف، إن استضافة الجزائر للطبعة الرابعة من معرض التجارة البينية الإفريقية بين 4 و10 سبتمبر، كان قرارًا سياسيًا محسوبًا لا مجاملة فيه، هدفه تحويل التكامل الاقتصادي إلى أداة أمنٍ واستقرارٍ وسيادة قرار إفريقي. وأوضح، أن الجزائر تعاملت مع الحدث باعتباره منصة تنفيذ لا عرض، وأن ما جرى خلال أسبوع المعرض يظهر انتقالًا عمليًا من منطق «الترويج» إلى منطق «الصفقات المبرمة» التي تقيس النجاح بالأرقام لا بالشعارات.

أكد وزير الدولة أحمد عطاف، في لقاء إعلامي نشطه بمقر الوزارة، أن نتائج الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية، تبرز استعادة إفريقيا لزمام المبادرة الاقتصادية. موضحا، أن إفريقيا لم تعد تقبل بالأمر الواقع ولا بالأدوار الثانوية داخل المنظمات الاقتصادية الدولية، بل تبنت استراتيجية متكاملة للنهضة تعتمد على الشراكات المتوازنة والندية وتقاسم المنافع، مضيفا أن القارة أخذت على عاتقها الاعتماد على ذاتها الجماعية لتأمين نهضتها.
أبرز عطّاف أن الرؤية الجزائرية قامت على ثلاثة مرتكزات متكاملة: أولها، جعل الاقتصاد قاعدة الاستقرار القاري عبر سوق داخلية أوسع وكلفة أقل وزمن عبور أقصر. ثانيها، الانتقال من موقع المتلقي إلى شراكات ندّية تحترم المصالح المتبادلة وتوزيع المنافع بوضوح. وثالثها، تعميق أدوات منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية وتفعيل أذرعها المالية والتشغيلية، بما يتيح تمويلًا وتسوية ومدفوعات وضمانات تخدم حركة السلع والخدمات والاستثمار، بدل الاكتفاء بإعلانات النوايا.
وبهذه الخلفية، جاءت الحصيلة الرقمية للطبعة الرابعة لتؤكد أن المنظور السياسي تحوّل إلى نتاج اقتصادي قابل للقياس.
كذلك، قدم عطاف أرقاما مهمة في هذا الصدد، حيث بلغت قيمة الصفقات والاستثمارات الموقعة خلال المعرض 48.3 مليار دولار، وهو رقم قياسي في تاريخ التظاهرة منذ إطلاقها، وشارك في فعالياتها أكثر من 112 ألف زائر حضوري وافتراضي من 132 دولة، مع وجود 2.148 عارضًا، إلى جانب مشاركة 958 مشتريًا مهنيًا تم استقطابهم خصيصًا لتيسير التعاقد المباشر بين المنتج والمشتري.
وهذه المؤشرات تعني أن سقف التوقعات الأولية قد جرى تجاوزه، وأن منصة الجزائر نجحت في تجميع عناصر اللقاء التجاري الحقيقي: عرض، وتمويل، وتوريد، وتذليل إجرائي، وربط مؤسسي بين القطاعات والبلدان.
بالنسبة للمحصلة الجزائرية، أكد الوزير أن محفظة الشركات والمؤسسات الوطنية المرتبطة بالمعرض بلغت 23 مليار دولار؛ بينها 11.4 مليار دولار صفقات موقعة نهائيًا جرى استكمال إجراءاتها التعاقدية، إلى جانب 11.6 مليار دولار إضافية قيد التفاوض أو في طور الإنجاز. وهذا التطور يثبت أن الحضور الجزائري لم يكن حضورًا تنظيميا أو بروتوكوليًا فحسب، بل حضورًا تجاريًا نشطًا دخل عمق السوق الإفريقية في مجالات الطاقة والصناعة والخدمات والزراعة والتقنيات، مع اعتماد متزايد على أدوات تمويل وضمان وتسوية توفرها مؤسسات قارية.
وربط عطّاف هذه النتائج بمسعى أوسع لتثبيت التكامل الاقتصادي كطريق عملي لبناء السيادة الاقتصادية الإفريقية. فالمطلوب، وفق طرحه، ليس الاكتفاء بمكانٍ رمزي داخل المؤسسات الدولية، بل ترسيخ قدرة إفريقية على التفاوض والتخطيط والتنفيذ، انطلاقًا من بنية تحتية للتجارة والتمويل في القارة نفسها.
 في هذا السياق، يكتسب توسيع استخدام منصات رقمية قارية، مثل «بوابة التجارة الإفريقية»، أهميته كأداة لخفض تكاليف التبادل ورفع الشفافية. كما تكتسب آليات كـ«أفريكسِم بنك» و«البنك الإفريقي للتنمية» وزنها في تمويل الصفقات وحماية المخاطر. وتتقدم مبادرات كالقمم القطاعية الموازية داخل المعرض، على غرار قمة الصناعات الإبداعية، باعتبارها فضاءات توليد مشاريع قابلة للتنفيذ لا مجرد ندوات تعريفية.
وعلى مستوى البيئة العامة للتكامل، تشير البيانات الحديثة إلى أن التجارة البينية الإفريقية سجلت في 2024، ارتفاعًا لافتًا تجاوز 220 مليار دولار، بزيادة سنوية تفوق 12٪، مع تغير تدريجي في تركيبة السلع المتبادلة لصالح منتوجات صناعية وآليات نقل ومعدات غذائية وكيميائية وإلكترونيات، ما يدل على بداية انتقال من هيمنة المواد الأولية إلى سلاسل قيمة أعلى. ونجاح طبعة الجزائر، يتقاطع مع هذا المنحى، لأنه وفّر، في أسبوع واحد، حجمًا معتبرًا من العقود والالتزامات يعادل ما تحققه برامج ترويجية متعددة على مدار شهور، ولأنه نقل جزءًا من الطلب الإفريقي إلى أرضية قارية بدل الارتهان الدائم لأسواق خارجية.
ويقرأ عطّاف هذه الحصيلة في إطار نافذة تاريخية لا ينبغي تفويتها مع الثورات التكنولوجية الجارية في الرقمنة والروبوتيات والطاقات المتجددة والذكاء الاصطناعي. فبقدر ما قد تبدو هذه التحولات ضاغطة على الاقتصادات، فإنها تمنح إفريقيا فرصة لالتقاط موقع داخل سلاسل القيمة الجديدة إذا توفر شرط التنفيذ: مشاريع محددة بزمن ومؤشرات قياس، توسعة متواصلة للأطر القانونية والتنظيمية وتراكم سريع للشراكات القارية– القارية، مع انفتاح انتقائي على الشراكات مع الاقتصادات الكبرى، شريطة الندية واحترام المصالح.
بهذا المعنى، لا تختزل الجزائر رهانها في نجاح تنظيم حدث، بل في تكريس نمط عمل جديد قوامه التتبع الدوري لما بعد المعارض: مراقبة أثر العقود على حركة التبادل الفعلي، قياس أثرها على اللوجستيات وسلاسل الإمداد ورفع حصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من العقود المبرمة.
والنتيجة المطلوبة، ليست خطابًا سياسيًا جديدًا، بل حياة يومية أقل كلفة للمستهلك الإفريقي، وفرص عمل إضافية، وشبكة ربط مؤسسي تُقصِّر المسافات الإدارية قبل أن تُقصر المسافات الجغرافية.
وحصيلة الطبعة الرابعة وما رافقها من أرقام وتفاعلات، تُظهر أن الجزائر دفعت في اتجاه ترجمة التكامل إلى فعلٍ قابلٍ للقياس، وأن القارة تمتلك اليوم، إذا ما واصلت هذا النسق، عناصر قوة واقعية: سوق متنامية، منصات تمويل وضمان، قاعدة صناعية تتوسع تدريجيًا وبيئة تنظيمية تتبلور خطوة خطوة.
وفي خلفية ذلك كله، تبقى القاعدة الحاكمة التي صاغها عطّاف في لقائه الإعلامي: معيار النجاح هو ما يُنجَز ويُوقَّع ويُنفَّذ، لا ما يُقال.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19874

العدد 19874

السبت 13 سبتمبر 2025
العدد 19872

العدد 19872

الأربعاء 10 سبتمبر 2025
العدد 19871

العدد 19871

الثلاثاء 09 سبتمبر 2025
العدد 19870

العدد 19870

الإثنين 08 سبتمبر 2025