كثيرة هي المسابقات الأدبية المنتشرة داخل الجزائر وخارجها، وقليلة تلك المسابقات التي حافظت على وجودها واستمراريتها، وأصعب من ذلك على مصداقيتها.. وإذا كانت إشكالية المفاضلة بين النصوص الأدبية، وجواز الحكم على أن هذا العمل الإبداعي أحسن من ذاك، تبقى نقطة سوداء في هذه المسابقات يركز عليها حماة مبدأ النسبية والحرية الإبداعية، فإن العمل على التواجد الدائم والإبقاء على حد أدنى من المصداقية من شأنه التغطية على هذه الإشكالية، لأن “أحسن الأعمال أدومها وإن قلّ”..
من بين هذه المسابقات، نذكر مسابقة “الكلمة المعبّرة” لأحسن قصيدة شعرية، التي تشرف عليها مؤسسة فنون وثقافة لولاية الجزائر، حيث وللمرة الثالثة عشر على التوالي، عملت على إلى إطلاق مسابقتها السنوية، التي ما تزال مفتوحة إلى غاية 25 مارس الجاري.
وتقدم مؤسسة فنون وثقافة الهدف من هذه مسابقتها على أنه السعي لأن تكون “منبرا رحبا أمام الإبداعات الفكرية والمواهب الناشئة، وكذا الأقلام المسترسلة ذات الحس الأدبي، مع العلم أنها بمثابة فرصة تضعها المؤسسة ذاتها لجميع شرائح المجتمع وفئاته، باللغة التي يختارها المتسابق المتداولة اللغة الأمازيغية، العربية، الشعبية والفرنسية، ووفق الموضوع المتطرق إليه”.
هذا ما تؤكده لنا الملحقة الثقافية بالمؤسسة، الشاعرة فوزية لارادي، التي تضيف بأن هذا التنوع في الاختيارات المقترحة على الراغبين في المشاركة، قد انعكس بالفعل على المشاركات وحتى على الأعمال الفائزة، حيث تحدثت لارادي عن أعمال ترد المؤسسة من مختلف ولايات الوطن، وفي كل اللغات، وهذا ما يخدم الهدف الأول من المسابقة وهو تشجيع المواهب واكتشافها في أحيان كثيرة.. “هناك أسماء موجودة ومعروفة في الساحة الأدبية ولكنها مع ذلك تشارك وتؤكد مستواها، وهذا أمر مشجع، كما نجد ناشطين في مجالات أخرى، من أطباء ومهندسين مثلا، ولكنهم اكتشفوا موهبتهم من خلال المشاركة في هذه المسابقة التي تهدف إلى نشر الثقافة الأدبية”، تقول لارادي.
وقد حدّد نص المشاركة في المسابقة الشروط الواجب اتباعها، والتي تؤكد على أن “المسابقة مفتوحة لكل الأقلام والأعمار وبكل اللغات المنطوقة في الجزائر، الأمازيغية، العربية الفصحى والعامية وكذا الفرنسية”، على “أن لا تكون القصائد المشارك بها قد نشرت من قبل”، و«أن لا يتعدى عدد القصائد المشارك لها ثلاث (3) قصائد”، ويتوجب “تقديم خمسة (05) نسخ ورقية عن كل قصيدة إلى جانب قرص مضغوط يضم القصيدة أو القصائد”.
كما تشير الشروط إلى كون قرارات لجنة التحكيم غير قابلة للطعن، وعمّا إذا كانت الجهة المنظمة للمسابقة قد تلقت طعونا أو شكاوى سابقا حول لجنة التحكيم، خاصة وأن نقطة التحكيم هي ما يثير الجدل ويشكك في المصداقية في كثير من الأحيان، قالت لارادي إن هذا الأمر لم يحدث في كلّ الطبعات السابقة من المسابقة، وقد يعود ذلك إلى مجموعة من العوامل، أهمها اختيار أعضاء اللجنة على أساس كفاءتهم الأكاديمية، فهم من الأساتذة الجامعيين المتخصصين، كما أن المؤسسة تدفع لهم مقابل مجهودهم لأنه عمل يقومون به، أما العامل الآخر الذي ساعد على تدعيم مصداقية المسابقة، فهو الاعتماد على اختيار الأعمال دون قرنها باسم صاحبها، تماما كما هو معمول به في تصحيح شهادة البكالوريا، حيث تستبدل الأسماء بأرقام، وتحفظ المطابقة بينهما في سجل يودع بسكريتاريا المؤسسة، “حتى أنا لا يحق لي الاطلاع عليه قبل صدور قرارات لجنة التحكيم”، تؤكد لارادي، التي تضيف بأن المطابقة بين الأرقام الفائزة والأسماء المقابلة لها تكون بحضور محضر قضائي وفي شفافية تامة.
«الذي لا يفوز ليس معناه أنه لا يملك نصا جيدا، فآراء أعضاء اللجنة قد تكون مختلفة، وقد يحدّد الخيار النهائي بفارق صوت واحد”، تقول فوزية لارادي مؤكدة أن النصوص “السيئة” تفرز وتستبعد من السباق على الجوائز منذ البداية.
وعن فرض بعض المسابقات لمواضيع محددة على المشاركين، تقول محدثتنا إن المسابقتين الأدبيتين لمؤسسة فنون وثقافة، وهما مسابقة الكلمة المعبّرة، وكذا مسابقة القصة القصيرة (وهي في عامها الثاني عشر)، لم تعمدا إلى فرض مواضيع محددة إلا في مناسبات معينة، مثل خمسينية الاستقلال أو ستينية الثورة، أو التضامن مع الشعب الفلسطيني، ولكن الأصل في المسابقتين هو عدم تحديد الموضوع، الذي يسير في سياق عدم تحديد الفئة العمرية أو المنطقة أو اللغة، “هناك نصوص ممتازة قد تضطر لعدم المشاركة لأنها لا تدخل ضمن الموضوع المحدد”، وهو ما لا يتماشى مع هدف المسابقتين الساعي وراء ترقية الأدب الجزائري.