أجمعت عدّة أوجه ثقافية متميزة من الجنس اللطيف، التقينا بها على هامش الملتقى الوطني الثالث للشعر النسوي بالقليعة، على كون كل ربوع الجزائر تزدهر بأقلام وحناجر نسوية باهرة، تمكّنت بفعل قدراتها الإبداعية الراقية من ترك بصماتها واضحة وبارزة على بساط الفعل الثقافي بالجزائر.. إلا أنّ معظم الأعمال الإبداعية تبقى، ولو إلى حين، مغيّبة خلف ستار يفتقد إلى الكثير من الشفافية والبراءة.
أجمعت المثقفات الشاعرات اللواتي شاركن بالملتقى الثالث للشعر النسوي، على أن المرأة الجزائرية تبقى منذ الأزمنة الغابرة مشهودا لها بنضالها وجهادها جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل، ولم تبق يوما مكتوفة الأيدي تتفرج على المشهد دون أن تتدخل بصفة مباشرة لرسم بصمتها على الأحداث، وحينما يتعلق الأمر بالفعل الثقافي على اختلاف أنماطه وطبوعه، فإنّ مساهمة المرأة فيه تبقى جدّ مميّزة من حيث نوعية الأعمال المنجزة وطبيعتها أولا، قبل أيّ حديث عن الكم والعدد.
د. سعيدة درويش: يحرم على المرأة أن تقدم مؤنثا جريحا كسيرا
أعربت الدكتورة سعيدة درويش، أستاذة بجامعة الحاج لخضر بباتنة، عن أسفها لمسعى تغييب المرأة المبدعة المثقفة التي تعبّر عن أملها وألمها، وغضبها وفرحها، وكل أحاسيسها، مشيرة إلى أنّ واقع الجزائر اليوم يشهد بروز المرأة المثقفة الحاضرة، التي تعبّر عن أنوثتها باحترام، إلا أنّه وللأسف الشديد هناك ما يقابل ذلك من النساء ممن يقبلن بغير ذلك ليصلن إلى حدّ من الانتشار والشهرة، في حين أن الشهرة التي تبقى خالية من المحتوى والمضمون المشرّف فلا حاجة لنا بها، مضيفة بأنها تفضّل المرأة الماكثة بالبيت والتي تسعى لتربية النشء على الفضيلة، على تلك التي تصعد للمنصة لتقدم مؤنثا جريحا كسيرا مغلوبا على أمره ومهينا ومستخدما.
وإذ يبقى الشعر النسوي كوجه من أوجه أدب المرأة إشكالية ثقافية كبيرة، فإنّ توخي الحذر من الولوج إلى تلافيف هذا الإشكال يحملنا إلى القناعة بسماع أصوات نسوية واعدة ومعبّرة عن الأنوثة الحق، وتضيف الأستاذة معلّقة “ربّما ما يعوزنا هو نقد العملة النقدية الجادة التي لا تحابي شكل المرأة ولا تخاطب لغة الجسد، ولا تركع للجمال ولا تتعاطى مع الجسد الذي أثقلته الثقافة وحملته ما لا يطيق منذ حضارات قديمة، بل نريد حضورا قويا لعقل المرأة وفكرها ولغتها الراقية الرقيقة وأنوثتها الرفيعة الناعمة لتحقيق التوازن مع الرجولة القوية، فالجمال هو قوة أيضا، ولكننا لا نريد بأن نزايد على هذه الفكرة ونستثمر هذا الجمال فيما لا يخدم المجتمع ولا يخدم المرأة”.
د.صباح الأخضري: المثقفة الجزائرية تطوّرت تطورا سريعا
ترى الدكتورة صباح الأخضري، الأستاذة المتخصصة في البلاغة والنقد بالمركز الجامعي للنعامة، بأنّ المرأة الجزائرية أتيحت لها فرص البروز والظهور، لاسيما في مختلف مجالات الإبداع الفني والثقافي كالفن والشعر والأدب والرقص والغناء، بحيث تطورت المرأة تطورا سريعا في هذا المجال على الصعيدين العالمي والوطني، كما أشارت الأخضري إلى أنّ اللواتي يتربعن حاليا على عرش الثقافة بالجزائر كثيرات، إلا أنّه لابد من إجراء عملية غربلة وتصفية دقيقة بمساهمة مباشرة من السلطات المعنية، بحيث تمكّن النساء المغمورات والمبدعات، وهنّ كثر، من تبوّء مكانتهن المرموقة، وكثيرات منهن يتواجدن حاليا بالجزائر العميقة، منهن من لا تزال في مقتبل العمر، ومنهن من سارت على الدرب طويلا، والقاسم المشترك بينهن كونهن يشكّلن مستقبل البلاد، ومن ثمّ فلابد من أن تقدم الجهات الوصية على الثقافة بالأخذ بأيديهن نحو السمو والعلو وبرّ الأمان.
الشاعرة نزيهة شلخي: االجزائرية مطالبة بالثقة في قدراتها
أعربت الشاعرة نزيهة شلخي من العاصمة عن تفاؤلها العميق بشأن واقع الشعر النسوي بالجزائر، بالنظر إلى وجود أقلام وحناجر رائعة، لطالما شرّفت الساحة الثقافية بالجزائر. ولعلّ أهمّ ما يميّز الأقلام الجزائرية النسوية ـ تضيف الشاعرة ـ كونها تترك بصمتها على فعلها، وتحدث تلك الهالة التي يصبو إليها الجميع، ومن ثمّ فلابد من أن يلحق بهذه الفئة المزيد من المبدعات مستقبلا، على أمل إثراء الساحة الثقافية النسوية.
كما أوصت الشاعرة المرأة الجزائرية المثقفة بأن تثق في قدراتها وتفرض نفسها على الواقع، ولا تتعثر عند أول كبوة، لأنّ الساحة الثقافية مليئة بالعقبات، ولا تترك الفرصة سانحة أمام أولئك الذين يسعون لهدم الموهبة بداخلها، بدءً من أسرتها وانتهاءً بالمحيط الخارجي مرورا بمحيطها المهني، ولابد على المرأة أن تؤكّد لغيرها قائلة لهم “أنا هنا حاضرة ومؤثرة ولدي الموهبة والقدرة على المضي قدما”.
الشاعرة كريمة وزان: “أسست دار نشر متخصصة في أدب المرأة”
استفادت الشاعرة كريمة وزان مؤخرا من محل خاص بتشغيل العاطلين عن العمل، لتجسيد مشروعها الذي حلمت به منذ ما يزيد عن 8 سنوات، حينما وجهت طلبها للجهات المعنية على أمل تمكينها من دعم أدب المرأة الجزائرية في مختلف أوجه الإبداع، وقالت الشاعرة بهذا الخصوص إنها قطعت عهدا على نفسها بدعم نشر مختلف أجناس الأدب النسوي، ولاسيما الشعر، لكل الجزائريات الراغبات في ذلك.
وفي ذات السياق، قالت وزان بأنّ المرأة الجزائرية المبدعة لا تطالب بمال ولا جاه ولا مناصب مرموقة، وإنّما تبقى متمسكة بتمكينها من تفجير قدراتها، وتقديم إبداعاتها للأجيال الحالية والقادمة، ولا يخفى على أحد كون كثير من النساء يمارسن الفعل الثقافي باحترافية كبيرة، وما تحمله المواهب الشابة التي لا تزال في مقتبل العمر أعظم وأجدر، ومن ثمّ فلابد من الوقوف بجانبهن والمسك بأيديهن لتمكينهن من التألق.
وعن سرّ تركيزها على أدب المرأة فيما يتعلق بالنشر، قالت الشاعرة إن عطاء المرأة الثقافي يبقى في الوقت الراهن أقوى من ذلك الذي يقدمه الرجل، بالنظر إلى كون أحاسيسها أقوى من أحاسيسه، لاسيما وأنّ الفعل الثقافي يعتبر في الواقع امتدادا طبيعيا لجملة من الأحاسيس المعبّر عنها.
الشاعرة رشا دريش: اعتماد الجزائريات على انفسهن ساهم في التألق
ترى الشاعرة رشا دريش من ولاية سيدي بلعباس بأنّ الوضع الحالي الذي تعيشه الجزائر يشهد تحسنا ملحوظا للثقافة النسوية، بحيث تغيّرت أمور كثيرة منذ قدوم رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة إلى سدّة الحكم، عقب عشرية سوداء قاحلة شهدت تدهورا فظيعا لأوضاع المثقفين والفنانين والرياضيين، وحتى قطاع الثقافة عندنا تسيره امرأة منذ أمد بعيد، وهي تحسّ بالمرأة الفنانة والشاعرة والمبدعة.
وتضيف رشا بأنها كلها أمل لأن ترتقي المرأة الجزائرية المثقفة إلى ما تصبو إليه، لاسيما قدرتها على تربية النشء كما ينبغي، أما فيما يرتبط بما هو مطلوب من المرأة لبلوغ هذا الهدف النبيل، فقد أشارت الشاعرة إلى أنّ المرأة الجزائرية عرفت منذ الكاهنة إلى حسيبة بن بوعلي وحسيبة بولمرقة وغيرهن، بنضالها وجهادها، لإثبات مكانتها وافتكاك حقوقها بجدارة واستحقاق، حتى تصل إلى ما تصبو إليه، والمرأة ليست وحدها في الواقع وإنما يقترن كفاحها مع أخيها الرجل، الذي يتمنى لها دوما مزيدا من الترقية والتميّز.
واستدلّت الشاعرة في تصورها بتمكّن المرأة من إثبات وجودها من خلال شغلها لمناصب تنفيذية بالولايات والوزارات، ناهيك عن كونها أول امرأة عربية تترشح لمنصب الرئاسة، وهي دلالة قاطعة على أن الجزائرية ليست نائمة غافلة، بل هي واعية بالمسؤولية.