أجمع معظم المهتمّين في السّاحة الثقافية بولاية تيبازة، التي اقتربت منهم “الشعب”، على أنّ ملف مسرح الطفل لم يرق بعد إلى درجة ممارسة الفعل التربوي التثقيفي لصالح هذه الفئة، بالنظر إلى تراكم عدّة معطيات ميدانية، أفرزها الواقع المعيش، يأتي في مقدمتها تقلّص قيمة المساعدات المالية الممنوحة للجمعيات النشطة وتدني المستوى التعليمي للقائمين على ذات الجمعيات.
ومن الإفرازات المباشرة التي لفظها هذا الواقع إنتاج عروض مسرحية موجهة للأطفال، خالية من مجمل المعايير الدرامية والتربوية الهادفة بالنظر إلى كون العديد من الجمعيات لم يعد بوسعها اقتناء وسائل الإضاءة والديكور والألبسة وغيرها من المستلزمات المسرحية، والأدهى من ذلك هو أن معظمها لم يعد بمقدورها اقتناء نصوص مسرحية هادفة ومفيدة.
كما أن محدودية المستوى الثقافي للبعض من عناصرها يحول دون تمكنهم من إنتاج نصوص مسرحية قادرة على تلبية الحاجة المعبّر عنها، من أجل ممارسة مسرحية وفق المعايير المتعارف عليها، بحيث لا يزال عائق التكوين يلقي بظلاله الواسعة على إنتاج مختلف الجمعيات المعنية بالمسرح عموما، ومسرح الطفل خصوصا.
ولا يزال الدعم المالي المتدني المقدم لذات الجمعيات يحول دون تمكن هذه الأخيرة من المرور إلى عالم الاحترافية، وحينما يتعلق الأمر بمسرح الطفل الذي يقدمه الطفل ذاته لغيره من الأطفال، فإنّ الأمور تصبح أكثر سوءًا على مستوى خريطة النشاط المسرحي المحلية، بحيث تعتمد معظم الجمعيات على تقديم عروض ترفيهية من طرف الكبار لفائدة الأطفال، ولا أثر لنشاط الصغار في هذا المجال تقريبا، باستثناء الجهد المتواضع الذي يقوم به حاليا مسرح مدينة بوسماعيل، الذي فتح ورشة خاصة للأطفال بخلفية الممارسة المسرحية، مع توفير قدر كبير من المستلزمات التقنية الضرورية.
هذا ما يؤكّده رئيس الجمعية السيد قاصدي مهدي، الذي اعتبر بأنّه لابد من مرافقة الطفل الهاوي لممارسة المسرح على الخشبة، بحيث تمّ فتح ورشة كبيرة لصالح الطفل في هذا المجال، مشيرا إلى أنّ جمعيته تفضّل على الدوام اقتناء نص مسرحي هادف موجّه للأطفال يحوي على قدر كبير من الدراما والكوميديا والتراجيديا، ورسائل كثيرة تهم الطفل، مع عدم الاكتفاء بالترفيه فقط بالنظر إلى تعدّد وسائل الترفيه الأخرى.
وقال رئيس جمعية “مسرح بوسماعيل” أيضا بأنّه يبذل جهودا كبيرة لكتابة نصوص راقية تليق بالطفل، إضافة إلى الاستعانة ببعض الأساتذة والأصدقاء لتوفير النصوص الراقية لتجنب ظاهرة البريكولاج، كما أكّد رئيس الجمعية أيضا بأنّه لا يجد حرجا في التعاون مع جمعيات أخرى لتوفير مستلزمات العرض المسرحي من ديكور، وألبسة لغرض تلبية الحاجة لاسيما حينما تجاوزت قيمة النص المسرحي الواحد عتبة 10 ملايين سنتيم في ظلّ شحّ المساعدات المالية المقدّمة من لدن الوصاية والسلطات المحلية، ليردف محدثنا قائلا بأنّ ملف مسرح الطفل لم يحظ باهتمام ورعاية الجهات الوصية على الثقافة عندنا، بحيث لا تمانع مختلف المؤسسات الداعمة تقديم الدعم المالي لعرض مسرحيات للكبار لكنها لا تقدم على ذلك حينما يتعلق الأمر بالطفل .
وفي سياق ذي صلة، قال رئيس جمعية “حركة المسرح” بالقليعة، السيناريست يوسف تعوينت، إنّ عدّة جمعيات بالولاية أضحت تقدّم عروضها للأطفال لغرض قبض المقابل المالي لا غير، ومن ثمّ فهي تعتمد في نشاطها على الترفيه وممارسة الطقوس المسلية والمضحكة بعيدا عن معايير المسرح المتعارف عليها، ولاسيما ما تعلق منها بتوفير نصوص تحوي على رسائل تربوية مع إرفاقها بقدر واف من الدراما والتراجيديا والديكور المناسب لهذه الشريحة من المجتمع.
كما قال يوسف تعوينت إنّ عدّة جمعيات ينشط بها عدد محدود جدّا من الممثلين، ما يترجم عدم قدرتهم على التحكم في العرض المسرحي وفق ما تمليه التقنيات المطلوبة، مشيرا إلى أن الأمر لا يتعلق فقط بمسرح الطفل، وإنّما أضحت مسألة الرداءة تحوم حول كلّ جوانب ممارسة الفعل الثقافي.
أما رئيس جمعية “تاج الفنون” من فوكة، السيّد بوشتة عبد الحكيم، فقد أكّد من جهته على أنّ الجمهور الواسع من فئة الأطفال تفضّل عموما التهريج والترفيه ولا تحبّذ العروض الصعبة التي تحمل في طياتها رسائل موجهة. وقال بوشتة أيضا بأنّ العروض النموذجية التي طرحتها جمعيته لم تستقطب جمهورا عريضا ومقنعا، في حين أنّ العروض الترفيهية تبقى مصنفة حاليا ضمن الدرجة الأولى، وفيما يتعلق بتوفير مستلزمات العرض المسرحي أشار محدثنا إلى أن مواقع العرض نفسها والتي تكون عادة داخل دور الشباب لا تحوي على وسائل تقنية تساعد العارضين على التقيّد بالتقنيات، مما يلزم الجمعية على توفير الحد الأدنى منها دون التقيّد بالمعايير المطلوبة بالنظر إلى محدودية الموارد المالية الموجهة لهذا الغرض.
وفي ظلّ هذه المعطيات الواقعية التي تمخّضت عن سياسة الوصاية التي ترغم الجمعيات على الاعتماد على نفسها في تمويل مشاريعها وأعمالها الفنية، فإنّ ملف مسرح الطفل يبقى يراوح مكانه ويطرح على الجهات المعنية أكثر من علامة استفهام، لاسيما وأنّ ولاية صغيرة بحجم ولاية تيبازة تنتشر بها حاليا أكثر من 10 جمعيات متخصصة في هذا النمط الفني، إلا أنّ الواقع يشهد تراجعا رهيبا للعروض المسرحية الهادفة، وطغيان العروض الترفيهية على التربوية منها.