القوّة النّاعمة

بقلم: أسامة إفراح

إنّ الحديث عن إسهام الثقافة في التنمية الاقتصادية، هو أيضا حديث عن طبيعة رؤيتنا للثقافة: هل هي مجرّد أداة للتّرويح عن النّفس، أو طريقة لخلق قنوات تسيير للطّاقات الإيجابية الزّائدة لدى الإنسان، أم أنّها أيضا ذات جدوى اقتصادية، مبنية على الربحية والتنافسية، وعلى معايير الجودة، مثلها مثل أي سلعة استهلاكية أخرى؟
ولكن النّظر إلى الثّقافة كـ “سلعة”، يجب أن لا يجعلنا نغفل عن ميزتها الأساسية عن أي منتوج اقتصادي آخر، وهو كونها تمتاز بقيمتين مضافتين: الأولى مادية تتمثل في الربح الاقتصادي من وراء بيع هذا المنتوج الثقافي، والثانية معنوية من حيث التغذية الروحية والعقلية التي تتوفر في المنتوج الثقافي دون غيره من المنتوجات.
وإذا تحدّثنا عن العلاقة بين الثقافة والاقتصاد، فإنّنا نقترب من الصّناعة الثقافية من مداخل التشغيل والتكوين والاستثمار والتنمية. وفي قراءة بالأرقام لواقع الاستثمار الثقافي في أحد بلدان الضفة المقابلة للمتوسط، نجد أنّ القطاع الثقافي يمثل رقم أعمال يفوق 40 مليار أورو سنويا، ويوظّف ما يعادل 600 ألف عامل في القطاع الثقافي والقطاعات المجاورة، وهي أرقام تفوق مداخيل شركات صناعة السيارات بذات البلد.
وبالذهاب بعيدا في هذه العلاقة، نجد ثنائية الثقافة /الاقتصاد أضيف لها بعد ثالث هو “القوة”، ويظهر هذا جليا في التوظيف الأمريكي للصناعية السينمائية، حيث صارت هوليوود سلاحا يضاهي أكثر الأسلحة العسكرية قوة، لما له من قدرة على التغلغل والتأثير. هذه القوة، التي تختصّ بها الثقافة دون غيرها، يطلق عليها مستشار الأمن القومي الأمريكي الأكاديمي جوزيف ناي “القوّة النّاعمة”، وهي القوّة التي يعتبرها ناي أكثر نفعا للولايات المتحدة الأمريكية من القوة الصلبة.
بالنظر إلى كل هذه المعطيات، نخلص إلى أنّ المهمة ليست البحث في الفوائد الاقتصادية للثقافة، ولا مساهمة الاقتصاد في تفعيل المشهد الثقافي، وإنما الأولوية هي في رسم استراتيجية محدّدة، طموحة وواعية في نفس الوقت، لتجسيد هذه العلاقة على أرض الواقع..ببساطة أكبر، إن كنا نريد خلق الثروة المادية والمعنوية، فلا بديل عن الاستثمار في ثقافة مُربِحة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024