الدكتور عبد الكريم جيدور لـ«الشعب»:

نشهد تفاوتا خطيرا بين مستوى التخاطب العلمي والثقافي

ورقلة: إيمان كافي

اعتبر الدكتور عبد الكريم جيدور وهو باحث دائم في مركز البحث العلمي والتقني لتطوير اللغة العربية - الجزائر - :«أن كل اللغات الحية على وجه الخصوص تواجه يوميا التأثيرات الكاسحة للذكاء الصناعي ومُخرجات التكنولوجيا، غير أن تأثير الشّابِكة (الإنترنت) لم يسبق له نظير في تاريخ البشرية؛ يجب أن نتذكّر بأننا قبل أول ظهور رسمي للويب سنة 1991م كنا نتعامل مع نظام وحيد للكتابة يشتمل على عُدّة من الرموز المتجانسة تتراوح مابين 21 إلى 33 رمزا (29 رمزا بالنسبة للعربية)، فجأة ظهر الفيسبوك سنة 2004، تلاه على الفور اليوتوب 2005 وبسرعة البرق ظهر التويتر 2006، ونحن نعلم أن كل واحد من هذه المِنصّات الرقمية يتيح للمستخدم توظيف مصفوفة من الرموز الخطية والأيقونية لا تقل عن 140 رمزا.

أوضح ذات المتحدث أن «المعرفة البشرية برمتها تضاعفت 200 مرة خلال العقدين الأخيرين، بل إن مؤسسة ويلسون الشهيرة للدراسات المستقبلية تخبرنا بأن المعارف الكونية تتجدّد بالكامل كل 18 ساعة».
وفيما يخصّ المصطلح ذكر جيدور أنه يجب أن نتفق بأن توليد المصطلحات التي تعبّر عن الأشياء الجديدة في حياتنا هو عملية روتينية ومظهر يتميز به التواصل عند كل البشر، أما حاجتنا لاختيار مصطلحات محدّدة لكي نستعملها في المجالات الحيوية والمتخصّصة، فهي قضية حساسة جدا لها ارتباط عضويّ بتأسيس العقول العلمية ورقي المجتمعات، ولذلك لا توجد أمة في الدنيا تُظهر تساهلا أواستخفافا في هذه العملية».
وأضاف جيدور قائلا: «إن الذي ينبغي توضيحه في هذا الصدد، هو أن المصطلحات موجودة كونها ظاهرة عامة منتشرة في جميع مستويات التخاطب، لا فرق في ذلك بين من يسمَّوْن بالنخبة وغيرهم من المواطنين، أما السبب الذي يجعل هذا المظهر طاغيا في اللغة العربية، ولا سيما في بلدان المغرب العربي فمرده إلى التفاوت الملحوظ بين مستوى التخاطب العلمي والثقافي من جهة ومستوى التخاطب في المرافق العامة والحياة اليومية من جهة أخرى، وهو تفاوت في الدرجة لا في النوع». ورغم ذلك، يعلل «فإن الفجوة بينهما كبيرة خاصة إذا قارناها بنظائرها في اللغات الحية القريبة كالأسبانية والفرنسية والألمانية. أما الإنجليزية فباعتراف خبرائها تشهد أوسع فجوة على الإطلاق عرفها تاريخ اللغات بين اللغة القياسية واللغات العِلْجية ومشكل العربية في هذا المظهر باعتبارها نظاما تواصليا يعد أهون وأخف بكثير».

الهجين اللغوي يخلق حالة فوضى منطقية وشللا إدراكيا

أما ما يطلق عليه الهجين اللغوي، وهو عندنا التلوث اللغوي فهو ظاهرة سلبية، ففي الحضارة المعاصرة يعد تداخل الأنظمة وتعاقبها المُبعثَر على سياق تخاطبي واحد مشكلة خطيرة للغاية، ذلك لأنه يؤثر لا على عملية التفاهم فقط، بل إنه يخلق حالة من الفوضى المنطقية والشلل الإدراكي ذي الصفة المرضية عند من يُدمن استخدامه، ومع الأسف فإن قطاعات واسعة من المواطنين الجزائريين، وطلاب المدارس بالذات يستهلكون هذا «التلوث اللغوي» بشكل يومي، ونتيجة لذلك أصبحنا في وضع مضطرب من الناحية التواصلية.
وأنا شخصيا - يقول محدثنا - «لم أجد في تاريخ الجزائر اللغوي الموغِل في القدم فترة تزامن فيها تدني المستويين الحضاري والاتصالي سوى مرحلة أواخر الفترة العثمانية حين أصبحت المالطية لغة وظيفية في سواحل البحر الأبيض المتوسط، وأعتقد بأن حلقات الانسداد التواصلي توالت على مجتمعنا منذ تلك الحِقبة»، فمحصول القول أن قضية النقاش تحتاج إلى رَويّة وتأمل في جذور المشكلات، فمن الواضح أن الأمر لا يرجع إلى اللغة العربية في ذاتها كونها نظاما وضعيا واستعمالا لهذا النظام، إن الأمر يرجع على الأرجح إلى متغيرات قوية لها تأثيرات حتمية على نمط الحياة ونظرتنا للكون، وهي تحديات تواجه كل الأمم الصاعدة في عالمنا الذي يجنح إلى التنافس، ولكي نظفر بمكانة تليق بوضعنا الجيوستراتيجي لا بد من مضاعفة الجهود وكسر قيود الجمود».
خاصة، يشر في ذات السياق، «وأن المعجم هو القلب النابض لأية لغة بشرية، ومفرداته هي الجزء الأكثر عرضة للتحوّل سواء من جهة طريقة النطق أو من جهة المعنى، لذلك ندرك جميعا بصورة أكيدة وواضحة أن أفكارا من قبيل تجانس المفردات وثبات الكلمات ونقاء اللغات ما هي إلا أمنيات أو تصورات مُفارقة لم تتحقق من قبل، وليست مرشحة للتحقق في أجل قريب. 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024