الكاتب والممثل المسرحي «أحسن سراج»:

الاهتمام بمواهب الطفل وميوله، حتمية لبعث نشاطه المسرحي من جديد؟

قسنطينة حاوره أحمد دبيلي

ما هي الأسباب التي أدت إلى تراجع النشاط المسرحي في السنوات الأخيرة في المؤسسات التعليمية وحتى في دور الثقافة البلدية المختلفة؟ جملة الاستفسارات وعلامات الاستفهام هذه، حملناها من خلال هذا الحوار القصير الى الكاتب، المخرج والممثل المسرحي «أحسن سراج»، كاتب حوار مسرحية «ثورة الألوان» ومؤلف العمل الفني المميز«أنزار وبوغنجة» الذي فرض نفسه هذه السنة كعمل يؤسس لثقافة مسرح الشارع التي بادر إليه مسرح قسنطينة الجهوي».

«الشعب»: في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كان للنشاط المسرحي  في المدارس حضورا مميزا، وما يلاحظ اليوم شبه غياب تام لهذا النشاط داخل هذه المنشآت وخارجها أيضا.. كالمسارح البلدية ودور الثقافة وغيرها؟ في رأيكم لماذا هذا التراجع؟ وأين مكامن الخلل؟
الكاتب والممثل «أحسن سراج»: «.. بداية لا بد أن أشير إلى أن هناك خلط في بعض المصطلحات المتداولة بيننا اليوم، فالكثير منا لا يفرق بين مسرح الطفل والمسرح الموجه للطفل. أما الأول فهو الذي يمارس من طرف الأطفال أنفسهم بتوجيه من منشط، أو مدرس، أو مؤطر... وأما الثاني فهو الذي يمارس من طرف ممثلين جلهم كبار، لكنهم ذهبوا في هذا الاتجاه مؤمنين بأن هذا المجال يستحق الاهتمام كما هو الحال اليوم لبعض المختصين سآتي على ذكر بعض أسمائهم بعد حين، غير أن الإشادة بحقبة سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي والقول بأنه كان لنشاط مسرح الطفل حضورا مميزا، فأنا شخصيا لا أعتقد في صحته، بل أعتبره نسبيا إلى حد ما بالمقارنة مع ما نعيشه اليوم؟
الواقع أنه كانت هناك بعض النشاطات المحتشمة على مستوى المؤسسات المدرسية تتمثل في وجود مادة تسمى حينها «بالنشاط الثقافي»، لكن لا أعتقد بتاتا أنها كانت بالقوة التي نتخيلها وأنها أعطت الكثير، وساهمت في بروز مواهب، وكانت وراء حضور بارز لحركة مسرحية تجاه الطفل؟.
فالمحاولات البسيطة التي يتذكرها كل واحد منا والتي كانت تنظم في مسابقات «ما بين الثانويات» لم تكن حسب اعتقادي ذلك الإطار الذي نحن بصدد الحديث عنه، (أي الطفل)، كما لم تكن مستمرة، وبالمحتوى «البيداغوجي» الموجّه خصيصا للطفل، وأيضا لم تمارس من طرف أطفال، بل كانت تمارس في إطارها المحدود من طرف شباب بين 17 و19 من العمر، وهذا ليس عمر الطفل. إذا، فما عدا، المحاولات المحدودة على مستوى المؤسسات التعليمية لم يكن هناك حضورا لمسرح الطفل بتاتا والحركة المسرحية بمجملها آنذاك كانت في إطار حركة شبابية مؤطرة من طرف «الإتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية»، هذه المنظمة التي حملت على عاتقها التكفل بفئة الشباب من خلال تأطيرها له وتوجيهه، فأين مكان الطفل هنا؟... إذا، فلا غياب النصوص المسرحية، ولا غياب المؤطرين كانا السبب في تراجع مسرح الطفل، الغياب كان بسبب عدم الاهتمام بمواهب الطفل وميوله، وهو ما نشهده وبكل أسف اليوم؟!.
فمسرح الطفل ما يزال غائبا على المستوى الرسمي، فهو غير موجود في البرامج التدريس الرسمية، غير موجود على مستوى المنشآت الحالية كدور الشباب مثلا والتي يبلغ عددها حسب علمي 47 أو 48 دار شباب في مدينة قسنطينة لوحدها ؟؟ مع وجود البعض منها كـ»بناية» فقط دون أي نشاط يذكر؟ إذ الخلل ليس المنشآت أو غياب النصوص المسرحية، غياب أو نقص المؤطرين... أو عدم اهتمام الطفل بالمسرح.. بل الخلل يكمن في غياب سياسة أو لنقل إرادة تحمل على عاتقها التكفل برجل المستقبل وتشجيعه على الاهتمام بكل أنواع الفنون لا المسرح فقط؟؟».
 هل تعتقدون أن إعادة مسرح الطفل للواجهة من خلال هذه المنشآت هو ما يؤسس إلى متفرج الغد، وينشط حركة النقد المسرحي؟.
 إعادة مسرح الطفل أو المسرح الموجه للطفل للواجهة ضرورة إذا كنا نرغب في تربية أبنائنا وجعلهم يندفعون إلى اكتشاف الجمال، وقبول الاختلاف، ومعرفة الآخرين، واكتشاف حضاراتهم، وحب الاطلاع والمعرفة والقراءة وتبادل المعارف، و... و.. هذا يؤسس حسب رأيي لمتفرج الغد، ولما لا لعدد كبير من فنانات وفناني الغد، لكن رغم كل هذه السلبيات أبقى متفائلا وأقول أن المستقبل يبشّر بالخير.
فالإرادة موجودة وهناك منذ سنوات محاولات لإحياء المسرح «الموجه» للطفل يمارس من طرف فنانين حملوا على عاتقهم التكفل بهذه الفئة من المجتمع، أذكر على سبيل المثال لا الحصرالمخرج «ياسين تونسي «، الذي اختص تقريبا في هذا المجال وقدم أعمالا رائعة موجهة خصيصا للطفل، وآخرها مسرحية «ثورة الألوان»، ومعه الكثير أمثال: «ميـسوم مجهري» (وهران)، «نور الدين دويلة» (سيدي بلعباس)، «تعاونية الطاسيلي» (قسنطينة) و»جمعية الشهاب» (عنابة) الخ...
.. في الواقع أن هذه التوجهات قديمة نوعا ما، ولكن لم تبدأ تعطي ثمارها حتى الآن، فأول من بدأ هذه الأعمال هما الفنانان العملاقان رحمهما الله «عبد الحق بن علجية» و»عبد الحق مخوخ « من مدينة «عنابة»، وما يبعث على التفاؤل كذلك هو انخراط المسارح الجهوية وحتى المسرح الوطني في هذه التوجهات، وذلك بالتكفل بالمسرحيات الموجهة للطفل وتبنيها مباشرة أو المساهمة فيها على شكل أعمال مشتركة مع جمعيات أو تعاونيات أو فنانين مستقلين.
الملاحظ اليوم، هو وجود أعمال مسرحية موجهة للأطفال على مستوى كل المسارح وكل سنة تقريبا، وكل ما نتمناه هو أن تستمر هذه العملية وتكثف.
ففي مسرح قسنطينة لوحده يوجد حاليا ما لا يقل على خمسة أو ستة أعمال موجهة للطفل، ومسرح بسكرة مثلا دشن أول عمل له بمناسبة افتتاحه بعمل مسرحي للأطفال، وهذا شيء مشجع، لكن ما يبقى غائب هو المسرح الذي يمارس من طرف الطفل نفسه، بمعنى غياب الطفل الممارس للمسرح، فالطفل المتفرج للمسرح موجود نوعا ما ولو نسبيا؟.
 ما هو تصوركم لبرامج جديدة لمسرح الطفل مستقبلا في الجزائر
والنهوض بهذا النشاط حتى لا تبقى حبيسة المناسبات والعطل المدرسية؟.
 فيما يتعلق ببرامج مسرح الطفل، فهذا لن يكون حسب اعتقادي مجديا إلا بإدماج الطفل نفسه في الفعل المسرحي من خلال إشراكه مباشرة في أعمال مسرحية في المؤسسات التربوية بإعادة تفعيل مادة النشاط الثقافي على مستوى هذه المؤسسات أو المنشآت الثقافية «دور الثقافة مثلا أو غيرها» ليكون للطفل فضاء خاصا به ويجعله يؤمن به، وبهذا فقط يخرج الطفل من المناسبتية والحضور لعرض مسرحي بالصدفة أو خلال العطلة المدرسية.. فحاليا، يحضر الأطفال للعروض المسرحية الموجودة كضيوف، وهذا يترك الطفل بعيدا عن الممارسة وغريبا عن المسرح ومتفرجا عابرا، لا متفرجا متعودا، وذلك لأن الفضاء الذي يأتي إليه لا يملكه، فالمسرح مثلا فضاء رسميا لا يسمح له بتفجير قدراته، بل هو يتابع عرضا ثم يعود إلى بيته، ودار الثقافة حاليا لم تجتهد بالقدر الكافي لتحتضنه وتوفر له الفضاء الخاص به.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024