كشف الدكتور عادل بلقاسم أستاذ في قسم علم الاجتماعي بجامعة يحي فارس بالمدية، أن العلاقة بين الثقافة والإعلام في حاجة إلى تصويب، كي يتسنى للأولى أن ترتقي بقيم المجتمع وتعزز من قدراته الفكرية والإبداعية، وللثاني أن يقوم بدور الوسيط وحامل الرسالة التثقيفية والتوعوية بكل أمانة ونزاهة.
أكد د. بلقاسم في تصريح لـ«الشعب» أن المتتبع للشأن الثقافي الوطني يعرف أن من مهام الإعلام الثقافي هو تشريح أهم الظواهر الاجتماعية التي طفت على سطح المجتمع من خلال الفاعلين في الافتراض الفايسبوكي نموذجا». ولنأخذ يقول على سبيل المثال فيلم بوبقرة بعنوان «رحلة شويطر» الذي ناقش إشكالية النزوح الريفي بمناقشته ومساهمته في سياسة تثيبت السكان من خلال مشروع «ألف قرية وقرية»، وكذلك فيلم «الدايم؛ الذي ناقش فيه أيضا اختلال تركيبة نظام الزواج وكذا فيلمه و»عائلة كي الناس» في الثمانينات، حيث أراد من خلاله خلق توازن بين البنية الاجتماعية، إلى جانب عايش بـ 12 الذي ساهم فيه في تنظيم النسل عبر لوحات فينة توعوية، عن طريق السينما، حيث كانت هذه الوسيلة من خلال أعمالها تتوافق مع تتطلبه المرحلة آنذاك لمنافشة بعض الظواهر وإظهار سلبياتها وايجابياتها عبر أعمال فكاهية نابعة من الواقع المعاش بغية نشر الوعي والثقافة الذي كانت تتميز به الأسرة التقليدية الجزائرية في بلادنا.
نبّه محدثنا بأنه في إطار المجتمعات الحديثة بات من الضروري أن يلعب الإعلام الثقافي دورا فعالا في خضم هذه الفوضى في البحث عن آليات تتحكم في هذه الظواهر التي أضحت تعمل على تشتيت المجتمع في كل فئاته السكانية. وفي هذا الصدد وجب التذكير بأنه في ظل تعدد المداخل الإبداعية لكشف وكسر الكثير من الطابوهات التي أدرجت في خانة الممنوعات والمسكوت عنها وفي ظل حرية الإعلام يجب على الإعلام الثقافي أن يرافق متطلبات وسلوكيات المجتمع مهما اختلفت الأعمال الإبداعية سواء كانت أعمال أدبية أو فنية، إذ يمكن أن نشير في هذه السانحة بأن التلفزة الوطنية في السبعينيات إلى التسعينيات كان الإعلام وقتها يشكل مرجعا لتقافة المواطن الجزائري ويصنع أيضا المشهد الثقافي بإيجابياته وسلبياته، وكانت وقتها الأعمال المختلفة تتميز بالبراءة و الهادفة والتربوية والمؤطرة لسلوكيات المجتمع، سواء كانت أعمال مسرحية، أو أدبية أو موسيقية أو أشرطة وثائقية.
اختتم د.عادل بلقاسم إضافته بالقول: «أنه حان الوقت للمختصين في مجال الإعلام الثقافي البحث في الأسباب الحقيقية التي جعلت من المشاهد الجزائري يبحث عن البديل من خلال الفضائيات الخارجية بالرغم من أن هناك فليما بعنوان «عاشور العاشر» الذي أثبت جدارته لكونه مرتبط بالواقع المعيش وبأسلوب ثقافي بإسقاط أحداث تاريخية لخصت المشهد الاجتماعي والسياسي والثقافي للمجتمع الجزائري..»
كما أنه يضيف قائلا: «يجب أن نعطي الفرص لبعض الشباب وتأطيرهم ضمن الأعمال الجماعية. وبالنسبة لي ما أشاهده اليوم هو غياب العمل الجماعي في إطار بقاء ما يسمى بأحادية العمل الإعلامي، باعتبار أن المشهد الثقافي عبر القنوات الخاصة يتميز بأنه خارج عن المألوف بسبب الأنانية في الطرح والمعالجة والتي عطلت صناعة المادة الإعلامية التي تتناسب مع مشروع بناء مجتمع يستمد ثقافته من خلال هذه الأعمال ولا يتنافى مع منظومته القيمية، وبالتالي صناعة قيم تتوافق مع مجتمعاتنا الحديثة التي تتناسب أفكارها مع خصوصيات المجتمعات المحلية الصغيرة .
وفي سياق متصل كشف د. بلقاسم أنه في إطار الفوضى التي تطغى على المشهد الإعلامي اليوم، أسئلة كثيرة تطرح نفسها، أهمها يقول هل بقي التأثير الذي يصنعه الإعلام الذي ينتظر منه أن يساهم في بناء مشروع المجتمعات قائما؟ وهل لا يزال رجل الإعلام يحمل تلك الفكرة القيمية التي تساهم بدور حاسم في تأطير المجتمع لخدمة الدولة؟.. ولماذا صار الإعلامي يساهم في التفكيك بدلا من البناء؟ وهل يضيف قائلا المدرسة الإعلامية «التكوين» قادرة اليوم على تنشئة إعلاميين في مستوى المشهد الثقافي بتنوع مكوناته الإبداعية، حيث يساير التحولات والتغيرات التي يعرفها العالم اليوم، بالإضافة إلى شبكة التواصل الإعلامي التي باتت مصدر المعلومة غير الموثوق فيها وفق هندسة معلوماتية نجهل الفاعلين فيها أو مصدرها ؟ أسئلة تنتظر الوقوف عندها والإجابة عليها في القريب العاجل.