كشفت دراسات اقتصادية حديثة عن وجود 1200 بلدية في الجزائر تتمتع بموارد منتجة للثروة، ويمكن من خلق تنمية شاملة لتحقيق نتائج إيجابية، بشرط أن تحُظى موارد تلك البلديات المعنية بالاستغلال الأمثل. ويجمع خبراء على أنّ توخي استراتيجية شاملة تهتم باستغلال موارد الـ 1541 بلدية، لاسيما تلك الغنية بالطاقات البديلة كفيل بحصد نتائج في المستوى المأمول، ويستدل هؤلاء ببلديتي القل وسكيكدة، اللّتين تختصان في تحويل مادة الفلين إلى مواد التزيين الجداري والعزل الحراري ومواد البناء، بالإضافة إلى سدادات القاروات.
يعود سبب تراجع إنتاج الفلين في الجزائر، حسب الخبراء، إلى الوضعية العامة المتدهورة التي تشهدها الغابات الجزائرية، حيث تقدّر مساحات غابات الفلين بأنواعه حوالي 440 ألف هكتار منتشرة عبر ولايات سكيكدة، جيجل، بجاية، تلمسان ووهران، وقد عرفت السنوات الأخيرة تدهورا لمحصول الفلين بسبب الحرائق الطبيعية والمفتعلة التي أتلفت مساحات كبيرة من الثروة الغابية بالجزائر، سيما وأنه لم يتم اعتماد سياسة إعادة الغرس المكثف لاستبدال وتجديد هذه الثروة، التي بلغت مرحلة الشيخوخة، على اعتبار أن شجرة البلوط الفليني تعيش ما بين 120 و150سنة.
وحسب تقرير عن نشاطات مصالح الدولة بولاية سكيكدة، فإنّه سجّل ارتفاع المساحة المخصصة لأشجار الفلين من 1630 هكتار سنة 2011 إلى 2603 هكتار سنة 2012، وتسجيل إنجاز 76 كلم من المسالك الغابية السنة الماضية، وتشجير الفلين على مساحة 2483 هكتار خلال السنة الماضية، إضافة إلى إعادة التشجير بالفلين على مساحة 710 هكتار، وقد استفاد قطاع الغابات في اطار البرامج الغير ممركزة من غلاف مالي يقدر بـ 2 مليون دينار جزائري، لدراسة ومتابعة لإنجاز فرقة للغابات.
وتمّ إطلاق خلال السنة الماضية 278 عقد نجاعة تخص مشاريع التنمية الريفية المندمجة، تستفيد منه 33039 أسرة ريفية تقيم بجوار المناطق الغابية الكبرى بالولاية يقدر عددها الإجمالي بـ 198203 فردا، وتسمح هذه العقود باستحداث 55 ألف منصب عمل، حسبما أكدته المصالح المعنية بالولاية.
وتحصلت الولاية على 50 مشروعا خلال نفس السنة، ودلك في إطار البرامج القطاعية الوطنية موجهة لتحسين قدرات تخزين المياه في المناطق الغابية وتطوير النشاطات الفلاحية داخل الحيز الغابي، وتشتمل هذه المشاريع في إدماج 3932 أسرة متواجدة في 50 منطقة عبر 36 بلدية.
وتعدّ ولاية سكيكدة ثالث كبرى المناطق الغابية على الصعيد الوطني، وتزخر بثروات غابية بارزة خاصة الفلين والصنوبر البري والصنوبر الحلبي والنباتات الغابية التي تستخدم في صناعة الزيوت والتجميل والأدوية التقليدية والعصرية، إلاّ أنّ الاستثمار في هذا الميدان من خلال الوحدات الإنتاجية الخفيفة والمتوسطة جد ضعيف، وقد تعرّضت إلى الزوال خلال السبعينيات والثمانينيات تلك الوحدات الإنتاجية والمؤسسات الاقتصادية التي كانت تستغل ثروة الفلين في الجهة الغربية للولاية، وبقي الفلين يصارع شبكات التخريب والتهريب من خلال عصابات تخصصت في نهب الثروة الغابية.
فقد شهدت ولاية سكيكدة خلال السنوات الأخيرة، وبالأخص في العشرية الدموية، تكالب شبكات ولوبيات متمرسة في استنزاف ونهب الثروات الطبيعية والغابية وتكوين ثروات ضخمة، بتحالف قوى الشر والتخريب، وكان الوضع الأمني عاملا مساعدا لممارسة النهب المنظم.
فالثروة الغابية باتت مهددة بسبب الاستهداف المتواصل لها من قبل جماعات المصالح، الذين يعملون ليلا ونهارا دون هوادة، وثروة الفلين التي ميزت ولاية سكيكدة، وبالأخص الجهة الغربية منها لعقود من الزمن، هي اليوم تحتضر وتسير إلى الانقراض بسبب جملة من المشاكل التي تحيط بها من كل جانب.
وتعرف الجهة الغربية من الولاية وفرة في أشجار الفلين، إلاّ أنّ هذه المساحة بدأت تتضاءل من سنة إلى أخرى بسبب عدة عوائق تقف حجر عثرة أمام استغلال هذه الثروة. ومن أهم هذه المشاكل، الحرائق المتكررة والمتتالية، كما تتعرض شجرة الفلين إلى جملة من الأمراض التي تسببها حشرة “بوتيكس” التي تهاجم أشجار البلوط وكذلك قارضة الصنوبر، بالإضافة إلى بعض الأمراض الطفيلية النباتية التي تلحق أضرارا بغابة البلوط، إلا أن أثرها يعد محدودا، لأنّ من حكمة الخالق أن الغابة تنمي قدراتها المناعية لتحدث التوازن الطبيعي اللازم لاستمرار الحياة، وعمليات السرقة والنهب التي تستهدف منتوج الفلين لما له من قيمة تجارية، فهذه السلوكيات تطورت خلال السنوات الأخيرة موازاة مع التصعيد الإرهابي وأدت إلى تكوين شبكات مختصة في هذه السرقات، عجزت مصالح الدولة عن التصدي لها، حيث تتعرض أشجار الفلين للقطع، وخاصة أشجار الصنوبر البحري، التي تستغل في البناء، وهذه الأشجار صغيرة وغير قابلة للتجديد بعد القطع، مما ينذر بكارثة بيئية مستقبلا.
كما أنّ الاستصلاح الفوضوي من المشاكل الخطيرة التي يواجهها الفلين في ولاية سكيكدة، خصوصا بأقصى الجهة الغربية، حيث تقوم بعض العائلات بعملية الإتلاف بحجة الاستصلاح الزراعي، التي تكون نتائجها وخيمة على الغابة واستقرار تربتها. فقد أحكمت مافيا المتاجرة بالفلين قبضتها على السوق وأصبحت تتحكم في بيع هذه المادة، التي تعرف ندرة قياسية في جميع القطاعات، وهذه الشبكة المنظمة تنتشر عبر مختلف قرى ومداشر البلديات المعزولة التي تمتاز بثرواتها الغابية وكثرة أشجار الفلين، على غرار أولاد أعطية، الولجة بوالبلوط، وعين قشرة، بأقصى غرب الولاية، حيث يتم نزع قشرة البلوط بطريقة فوضوية مخالفة للقواعد الطبيعية المعمول بها، مما جعل هذه الأشجار مهددة بالانقراض.
وعمليات النهب هذه، وجدت بوجود الأزمة الأمنية وترعرعت بتصاعد أيادي الإجرام، وذلك لقيام هذه الشبكات بتجاراتها الملتوية وتعاملاتها المشبوهة مع الكثيرين، حتى أنّ العديد من المصادر تؤكد أنهم كانوا يتعاملون مباشرة مع الجماعات الإرهابية.
فقد تكالبت قوى النهب على هذه المنطقة واستغلت خلال الوضع الأمني المتأزم، لتمتد أياديها إلى أشجار البلوط، ومن قبل تجار الفحم بالخصوص، والمناطق المعزولة والبعيدة عن الأنظار، ليقطعوا أشجار البلوط اليانعة على محاور كبيرة ووضع هذه الغنيمة في مواضع مخصصة لحرقها حتى تتحوّل إلى فحم ويتم تسويق المنتوج بأثمان زهيدة. وعملية استغلال اللاشرعي لأشجار البلوط والغطاء النباتي، يتكرر كل موسم ولم تتمكن المصالح الغابية من القضاء عليه لقلة وسائل المراقبة والتدخل.
كما يعرف إنتاج الفلين تراجعا بكميات ضخمة، وجعلت من وحدة تلزة لتحويل وتسويق الفلين، إلى إحالة العشرات من العمال على البطالة بسبب انخفاض الإنتاج بشكل كبير لمادة الفلين، التي تعتبر أساس وجود تلك الوحدة، وبافتقادها تضطر هذه الأخيرة آجلا أو عاجلا إلى الغلق والزوال تماما من خارطة المنطقة.
وتعمل مؤسسة تلزة بالقل لصناعة الفلين على توفير مواد تخص قطاع البناء والصيد البحري والأحذية ومواد عازلة للطاقة والبرد، ويعدّ الفلين بالنسبة لمنطقة القل في ولاية سكيكدة ثقافة قائمة بذاتها بحكم أن القطاع بات ميزة خاصة بالمنطقة المعروفة بالعزلة وتعتمد على الفلين لتشغيل اليد العاملة.
وقد عرف مصنع الفلين بالقل غربي ولاية سكيكدة، خلال السنوات الاخيرة العديد من الاضرابات، وتوقف العمال البالغ عددهم زهاء 114 عامل عن العمل مطالبة بأجورهم المتأخرة، ودلك استجابة لنداء الفرع النقابي المنضوي تحت لواء الاتحاد العام للعمال الجزائريين، الذي دعا إلى الإضراب لعدة مطالب منها تسوية أجور العمال المتأخرة منذ 7 أشهر ورفع الأجور والبحث عن الحل الكفيل بإنقاذ المؤسسة وتحسين إنتاجها مستقبلا، إضافة إلى مطلب رحيل العمال المتعاقدين والذين وصلوا سن التقاعد وتم توظيفهم بعقود عمل جديدة مع المؤسسة.
وكان المصنع المذكور يعاني من تفاقم أزمة الديون التي وصلت إلى أكثر من 20 مليار سنتيم، وقد علمنا أنّ تلك الديون قد تم مسحها من قبل السلطات المختصة، بتقديم دعما ماليا هاما لمباشرة المؤسسة في العمل من جديد.
زيادة على تكبّد العديد من منتجي الفلين خسائر معتبرة جراء الحرائق، التي شهدتها 31 بلدية عبر ولاية سكيكدة، خاصة ببلديتي أولاد أعطية وعين قشرة، التي فقدتا مساحة معتبرة من أشجار الفلين، ومداخيل المواطنين الذين يعيشون في الأرياف والجبال ويعتمدون على هذا المنتوج في حياتهم اليومية تأثرت كثيرا.
وحسب العديد من هؤلاء المالكين لشجرة الفلين التي تعد مصدر عيشهم، فإنّ وضعيتهم الاجتماعية والمادية قد تأثرت كثيرا، الأمر الذي دفعهم إلى مطالبة السلطات المحلية بتعويضهم عن الخسائر.
وبالرغم من كل ذلك، لاتزال آلاف الهكتارات من أشجار الفلين تنتظر الإستغلال من قبل مصالح محافظة الغابات بولاية سكيكدة التي تبدو عاجزة عن الإحاطة بهذه الثروة الكبيرة التي تراجع استغلالها على مستوى مختلف غابات الولاية، رغم التحسن الكبير الذي عرفته الأوضاع الأمنية على مستوى ربوع ولاية سكيكدة وعودة الحياة إلى العديد من المناطق الجبلية بهذه الولاية بعد أن استتب الأمن بها، إلاّ أنّ مصالح الغابات تبقى عاجزة في المقابل عن مواكبة هذا التحسن من خلال فشلها في استغلال هده الثروة، حيث تبقى آلاف الهكتارات من هذه المادة مهملة بشكل يكاد يكون كليا، منها التي أتلفت بالكامل سواء بفعل الحرائق التي تأتي عليها كل صائفة أو بفعل القطع العشوائي الذي يطالها من قبل بعض سكان الأرياف الذين يستعينون بجذوع وأغصان هذه الأشجار من أجل التدفئة خاصة في فصل الشتاء.
وقد كان لإهمال ثروة الفلين وتراجع استغلالها من قبل مصالح الغابات تأثيرا بالغا على اقتصاد الولاية والجهة الغربية منها بالأخص، التي اعتادت على جني أموال طائلة من وراء استغلال الثروة المذكورة التي كانت تصدّر حتى إلى الخارج كما كان لهذا الإهمال تأثير بالغ على قطاع التشغيل بالولاية، على اعتبار أن عملية الإستغلال الموسمي للفلين والتي تنطلق عادة مع بداية فصل الصيف كانت تستقطب في كل مرة المئات من الشباب البطالين، والذين لطالما وجدوا في هذه العملية فرصتهم الوحيدة للتخلص من البطالة وجمع بعض الأموال التي تساعدهم على تدبير أمورهم خلال بقية أيام السنة.
هذا، ولم نتمكّن من معرفة كمية الانتاج من المصالح المعنية لغياب المسؤول الاول على القطاع كما قيل لنا، أو كما أريد أن يقال لنا، وعدم وجود مؤهل بالإدارة لتقديم المعلومات المطلوبة عند توجهنا إلى مقر محافظة الغابات، فالكمية التي تمّ جنيها كانت من مساحة قدرها 2683 هـكتارا عبر 13بلدية من الولاية، تحتل فيها بلدية القل الصدارة.