أثارت أزمة الإسمنت من خلال ارتفاع سقف أسعارها الجنونية في السوق المحلية والولايات التي تموّن من مصنع الشلف بقدرة إنتاجية تقارب 2 مليون و400 ألف طن سنويا، مخاوف أصحاب مشاريع البناء الذاتي والمتعاملين في قطاع المقاولات ومؤسسات البناء والشركات المكلفة بإنجاز المشاريع الكبرى، في ظل تنامي نشاط المضاربين والوسطاء الذين مازالت تحركاتهم المكشوفة بعيدة عن الإجراءات الردعية، وهم محل سخط لممارساتهم من تأثير سلبي على مسار التنمية وتنفيذ البرامج المسطرة في آجالها. الأمر الذي يعيد سيناريو الاستيراد لهذه المادة ضروريا إذا لم تبادر الجهات المكلفة لإسقاط القناع عمن وراء التهاب الأسعار.
الاختلال المسجل في عملية التسويق وضبط الأسعار مسألة ألقت بظلالها على سوق المادة التي تتقاسمها أطراف مشاركة فيما هو حاصل ضمن منظومتها التجارية التي تلقى سخطا من مستهلكي هذه المادة الذين يصارعون الزمن في انجاز مشاريعهم المحدودة في ظل الوضعية الحالية التي تلقى استنكارا من طرف السكان وأصحاب الدخل الضعيف.
فالسعر المرجعي القانوني الذي تعمل به إدارة المصنع محدد بـ 12مليون سنتيم لـ 20 طن من مادة الإسمنت المعلبة في الأكياس أي ما يعادل تقريبا أزيد من 320 دينار للكيس الواحد. غير أن تسويقها داخل مؤسسات “إيديمكو” يصل إلى 420 دينار. ويعد الارتفاع مقبول لدى هذه المؤسسات المتواجدة عبر تراب الولاية بالنظر إلى المصاريف والأتعاب التي تكلفها.
غير أن المقاربة في تحديد الأسعار لم تراع الربح المعقول في المعاملة التجارية التي قفزت في الآونة الأخيرة فوق كل التوقعات، حيث وصل سعر 20 طن خارج المؤسسة بواد السلي إلى 27 مليون سنتيم و5000 دينار، أي الحاجة إلى تغطية سقف منزل من 4 غرف يستوجب دفع مبلغ 13مليون و5000 دينار، للحصول على 200 كيس. أما بفضاءات تجار التجزئة الذين يزيد عددهم عن 250 تاجر، فإن أسعار القنطار الواحد تصل إلى 1570 دينار، في وقت أن سعر إسمنت الشامل يباع بـ 1370 دينار،
فواتير للبيع على حافة الطريق
من المفارقات التي تطبع عملية البيع غير الشرعية بولاية الشلف، وجود سوق موازية اتخذت من منطقة سيدي لعروسي فضاء لها، كون المادة أصبحت تثير لعاب ممارسي البزنسة الذين يعملون بطريقة “شد ـ مد” وهو المصطلح المتداول بين هؤلاء.
اقتحامنا لهذا الفضاء كان بمحاولة التظاهر بالحاجة إلى 200 كيس من الإسمنت على جناح السرعة، وهو الطلب الذي جعل كثير من التجار المضاربين يحيطون بنا، ومن هنا استدرجنا هؤلاء نحو طبيعة الأسعار والتقلبات التي يرونها مفاجئة ولا تدر عليهم الشيء الكثير.
وعن طبيعة وطريقة حصولهم على هذه الفواتير القانونية التي تسلمها مؤسسة الإسمنت التي لا تبعد عن ذات المنطقة إلا بحوالي كيلومتر، أكد هؤلاء بقولهم: “نشتري هذه الفواتير من عند المقاولين المعتمدين لدى مؤسسة الإسمنت ضمن حصصهم الخاصة بإنجاز المشاريع التي يحصلون عليها من طرف عدة قطاعات تنفيذية وبلديات بأثمان باهضة، ومن هذا الصنف من البزنسيين تصل سلعة الإسمنت إلى تجار التجزئة بوسط الحضري للمدن والبلديات والتي تضاف لها نسبة أخرى ضمن عملية الربح الثالثة بعد ربح المؤسسة الأم”.
وعن طبيعة المقاولين أشار هؤلاء، أن معظمهم من ولايتي الشلف وعين الدفلى، أما باقي الولايات الأخرى فينقلون حصصهم إلى مناطقهم الأصلية وتباع بالكيفية نفسها.
أساليب مضطربة وتحديات التنمية
«بورصة” أسعار الإسمنت رهان تلعب على حبله جهات متعددة وأصحاب مصالح ونفوذ وبدرجة أقل تجار التجزئة الذين يكون هامش الربح لديهم قليل بالنظر إلى الأقطاب الأخرى الفاعلة في عمليات البيع والشراء التي يدفع المواطن فاتورتها على مرأى ومسمع الجميع.
ورهان المؤسسة التي تنتج سنويا ما يفوق المليونين و400 ألف طن، في انتظار تشغيل الخط الثالث للمصنع، ما يجعل قدرة الإنتاج سنويا تصل إلى 4 ملايين.
لكن يبقى عامل الاحتياط للأزمات القادمة متوقف على الإجراءات التي تتخذها المصالح المسيرة للمصنع والتي عرفت خلال السنوات القريبة سلسلة من الاضطرابات الإدارية وعدم استقرار مسيّريها، وبعد تدخل الجهات القضائية والمصالح المركزية، خاصة أن المخزون لا يتجاوز في كثير من الأحيان 16 ألف طن من “الكنكار” مادة أساسية في صناعة الاسمنت، و33552 طن من مادة الإسمنت والتي عادة ما تتأثر بإجراءات الصيانة وتغيير التجهيزات، وهي فترات مِؤثرة على المؤسسة.