يمر قطاع المحروقات بمرحلة حساسة ودقيقة للغاية، مردها التقلبات الداخلية والخارجية وانعكاساتها على حجم الإنتاج من الغاز والبترول، الذي تأثر إلى حد ما، بعد أحداث إين أمناس ومحاولة الاعتداء على المنشأة الغازية مطلع العام الجاري، فضلا عن تراجع الإنتاج الوطني من المحروقات عموما، الذي أصبح سمة تميز القطاع منذ سنوات مضت.
أحدث الأرقام الرسمية الصادرة عن الديوان الوطني للإحصائيات، تشير إلى أن إنتاج المحروقات الذي بدأ في التراجع منذ سنة 2006، سجل مرة أخرى إنخفاضا ب 5.6 بالمائة في سنة 2012، مقابل نسبة تراجع ب 3.6 بالمائة في سنة 2011 ومرشحة نفس النسبة، لأن تحافظ على نفس الميل نحو التراجع بعد توقف العمل بمنشأة الغاز وتأجيل شركة” بي، بي” البريطانية بعض مشاريعها في الجزائر، رغم الجهود المبذولة لمواجهة هذا التراجع.
في الأيام القليلة الماضية، أعلنت سونطراك عن إعطاء إشارة انطلاق الإنتاج في حقل “المرك” الذي يقع بحوض بركين في ولاية إليزي وذلك بالشراكة مع أناداركو الأمريكية، من أجل استخراج ما يقارب 127 ألف برميل في اليوم من الخام والمكثفات، مثلما نقلته /و.ا.ج/ من مصادر مقربة من مجمع بركين.
المشروع الذي بلغت تكاليفه 4.5 مليار دولار من المقرر أن يساهم في رفع إنتاج الحقل ب 115 ألف ب/ي في نهاية السنة الجارية، إضافة إلى زيادة في إنتاج غاز البترول المميع ب 30 ألف برميل.
وبهذه الزيادة في الإنتاج، فإن حوض بركين سيرفع من قدراته إلى 300 ألف ب/ي من المحروقات، ليصبح بذلك ثاني أهم حقل إنتاجي بعد حاسي مسعود، علما أن الاحتياطات المقدرة من البترول والمكثفات بذات الحقل التي تناهز 1.2 مليار برميل، تنتظر الاستغلال.
الإحتياطات الإجمالية المؤكدة من المحروقات أو تلك التي لم يتم إكتشافها ، على اعتبار أن المسح الجيولوجي لم يصل إلى عدة مناطق، قد تمثل خزانا للمحروقات، لكنه لايبدو أنها تثير شهية شركات النفط العالمية من وجهة نظر هذه الأخيرة التي لا تزال تعتقد أن عوامل الجذب تبقى غير مغرية ، وإن كانت في السابق تتحجج بالرسوم المكلفة في إنتاج المحروقات وببعض بنود قانون المحروقات التي أعاقت عملها في الجزائر، وبرغم التسهيلات الممنوحة بعد إخضاع ذات القانون لتعديلات هامة، إلا أن مواقف بعض الشركاء كانت أكثر تشددا وأخذت منحى »الضغط« على الشريك الجزائري، مثلما أبدته شركة »بي، بي« البريطانية التي تعتبر من أهم شركاء سونطراك ومنذ عقود مضت.
الرئيس المدير العام للمجمع البريطاني السيد »روبرت دودلي« وفي تصريح أدلى به بحر الأسبوع الماضي، أعلن عن تأجيل تنفيذ مشروعين هامين للغاز في كل من إين أميناس وعين صالح لدواعي أمنية، حيث ربط عملية التأجيل بحادثة تقنتورين التي أودت بحياة أربعة عمال في الشركة البريطانية.
المجمع البريطاني الذي سبق وأن أعلن عدم نية الشركة الإنسحاب من حقول المحروقات في الجزائر، مباشرة عقب الحادث المأساوي، يبدو أنه يكون قد تحجج بهذه الأسباب، عندما صرح الرئيس المدير العام بعدم قناعته بالضمانات الأمنية ومستوى الحراسة في المنشآت النفطية والغازية، لكنها وفيما يبدو تبقى غير مقنعة بالنظر على ما يعتقد أنه ممارسة ضغط على الشريك الجزائري من أجل الحصول على مزيد من التنازلات، بعد أن أبدت العديد من شركات النفط عدم إستحسانها لفكرة 49 بالمائة و51 بالمائة الذي لايزال القانون الحالي المعدل للمحروقات محتفظ بها.
شركة بريتش بتروليوم التي تعد أكبر مستثمر في قطاع المحروقات بالجزائر، لا تعتزم التخلي عن استثماراتها الضخمة في حقول عين أمناس وعين صالح وإن كانت تلوح بتجميد أو تأجيل مشاريع كانت مبرمجة لهذه السنة، لكنها ووسط انحصار صناعة المحروقات في العالم، تدرك أن لا بديل لها عن الاستمرار في المحافظة على مصالحها خاصة في الحقول التي أسست فيها ما يشبه النواة الأساسية لمشاريعها في الخارج.
لقد سبق للشركة البريطانية وأن لوحت ببيع حصتها بالجزائر قبل سنوات قليلة بسبب الضائقة المالية التي كانت تمر بها أنذاك، لكنها تراجعت، بعد أن أيقنت أنها قد تخسر المزيد، فيما لو نفذت تلميحاتها في الخروج من الجزائر. بقيت ودعمت استثماراتها في صناعة المحروقات، على الرغم من الإنتقادات التي كانت موجهة لقانون المحروقات والتي تم التكفل بها في التعديلات المدرجة قبل أشهر فقط.
تحديان أساسيان يواجهها قطاع المحروقات في الجزائر، الأول، و يتعلق بوضع حد للتراجع الذي ميز الإنتاج، وفي هذا الشأن فإن مساعي حثيثة تبذلها وزارة الطاقة والمناجم من أجل تفعيل بعض الآبار حتى لو كانت بالحجم الصغير، مثلما يطلق عليها، هذه العملية وإن كانت صعبة إلى حد ما، لاسيما وأن نتائجها لن تبرز على المدى القريب، إلا أنها قد تعطي الانطباع على الاستعداد الذي تبديه الجزائر من أجل رفع قدرات الانتاج، وسط زيادة المخاوف من ندرة محتملة في المحروقات وخاصة النفط على المدى الطويل، مما يدفع بالشركات العالمية إلى تعزيز مواقعها في حقول الغاز والنفط وعدم التفريط فيها.
أما التحدي الثاني الذي يواجه القطاع وخاصة في الظرف الحالي وما يعتقد أنه راجع لأسباب أمنية، فإنه يرتبط بقدرة المسؤولين المباشرين على قطاع المحروقات على مواجهة هذه المخاوف ونزع فتيلها أو الحجج التي تقف وراءها من أجل المحافظة على تأمين البلاد اقتصاديا وأمنيا.