تنتظر الجزائر الكثير، من خلال الانفتاح الكبير والحقيقي، الذي تعول عليه في المرحلة الراهنة عبر الوجهة الإفريقية اقتصاديا، بل والطموح الذي يحذو رجال الأعمال والمؤسسات الوطنية الخاصة والعمومية، يتجاوز التصدير وتسويق السلع، ويكمن في إنشاء منطقة اقتصادية إفريقية مشتركة على غرار السوق الأوروبية المشتركة ونظيرتها الأمريكية، من أجل التعاون والتكامل في مجال الاستثمار وتقاسم مختلف الخبرات، كون التبادل التجاري وحده لا يكفي لتفعيل النمو وتسريع التنمية بإفريقيا، ولعل التطور الذي بلغته الجزائر خلال السنوات الفارطة، على مستوى الهياكل القاعدية وفي مختلف الصناعات الغذائية والميكانكية والأدوية والإلكترونيك والآلات الكهرومنزلية، جعل العديد من الدول الإفريقية تنجذب بقوة وتهتم بما تحقق من مكاسب اقتصادية، وجاء منتدى الاستثمار والأعمال الإفريقي، الذي انعقد بحر الأسبوع المنصرم، كفضاء حقيقي للتبادل وفرصة للاتفاق على مشاريع متنوعة بين الأفارقة، وكمحطة لإرساء التعاون الاقتصادي بجميع أشكاله.
يذكر أنّ منتدى الاستثمار والأعمال، الذي نظم بالجزائر مؤخرا توّج بالتوقيع على العديد من اتفاقيات وعقود شراكة مع دول إفريقية، من بينها برتكول اتفاق مع ليبيا ومالي والسودان وكذا «جي20» للمقاولين، وتتجه الجزائر بخطى ثابتة نحو تنويع اقتصادها وتوسيع صادراتها وتكثيف استثماراتها، وخلال المنتدى الإفريقي للاستثمارات اقتربت «الشعب» من متعاملين اقتصادين وأفارقة ورصدت بعض الانطباعات.
برنامج تعاون مشترك
لم يخف «بي نيام» رجل أعمال من أثيوبيا بأنهم جد مهتمين لمقاسمة الجزائر تجاربها الاقتصادية الناجحة، وقال أن الجزائر تطورت كثيرا، ومؤشرات هذا التقدم تبدو للوهلة الأولى من هياكلها القاعدية التي ارستها، لذا يطمحون من أجل استحداث برنامج تعاون مشترك، وتبادل الخبرات في العديد من المجالات من بينها الفلاحة والصناعات الغذائية على وجه الخصوص، وإلى جانب الطاقة الشمسية التي يستعدون لاستغلالها. وختم حديثه بالقول: «..إنّ العاصمة الجزائرية جميلة ومتطوّرة وعصرية..واليوم نكنّ الكثير من الإعجاب للتجربة الجزائرية، ونتطلّع لبناء مشاريع استثمارية مشتركة.. بالفعل التغير الايجابي الذي تسجله الجزائر بخطوات متسارعة أبهرنا، ونتمنى أن نكون في تعاونا قريبين منها..»
الجزائر سبّاقة في المساعدة
أمّا «تومبو ماوكيلي» ممثل رجال الأعمال بالكونغو، يرى أن إفريقيا اليوم صارت مطالبة بالاستيقاظ، من أجل تحقيق نهضة اقتصادية تكون في مستوى التحديات، ومن ثم التكفل باحتياجات شعوبها، وتحدث في سياق متصل عن ضرورة أن تصبح إفريقيا قوة اقتصادية، وكشف في نفس المقام أنّهم مهتمون بالبحث عن سبل التعاون والشراكة مع الجزائر وبناء جسور ثابتة معها، على اعتبار أنها على حد تقديره، تقدّمت كثيرا في العديد من المجالات، على غرار الهياكل القاعدية، وفي مجالات الإنتاج الصناعي، وذكر هذا المتعامل الافريقي أن الجزائر لايخفى على أحد أنها تقدمت بشكل محسوس مقارنة بالعديد من الدول الإفريقية وفوق كل ذلك، لا تتأخّر في أخذ المبادرات من أجل مساعدة الدول التي مازالت متخلفة في القارة السمراء. وبخصوص الشراكة التي ينوون إقامتها مع الجزائر، أوضح «تومبو ماوكيلي» يقول أنهم سطّروا معالم خارطة الطريق، ونظّموا أنفسهم بشكل جيد للانطلاق في ترقية اقتصادهم ويحتاجون في ذلك إلى إنشاء مشاريع استثمارية في عدة قطاعات من بينها ذكر، المناجم والفلاحة، على اعتبار أنّ الكونغو غني بالثروة المنجمية ويحتاجون إلى وسائل الاستغلال، وأكد أن الجزائر متطورة في مختلف القطاعات من بينها مجال الفلاحة، لأن المجال الغذائي لديها مستقر وتوفر الكثير من إنتاجها للأسواق، وخلص إلى القول أنه بما أنهم يستوردون منتجات أوروبية، فلا يترددون في استيراد ما تنتجه الجزائر..هذا البلد الكبير الذي ينتمي إلى قارتهم السمراء، على حد تعبيره. بينما العيد بن عمر المسؤول الأول في مجمّع «عمر بن عمر» الذي يختص في الصناعات الغذائية، اعتبر أنّ الجزائر باحتضانها لأكبر منتدى استثمار وأعمال إفريقي، الذي ينظّم لأول مرة، كانت في الموعد للانفتاح على دول القارة السمراء من أجل تحقيق التنمية، على اعتبار أنها جمعت العديد من المهتمين وسمحت لهم بالتواصل مع بعضهم البعض في المجال الاقتصادي، ويعتقد العيد بن عمر أن الجزائر عملت كثيرا على الصعيد السياسي وحققت مكاسبا، ولكن حان الوقت لتحقق مكاسب اقتصادية من أجل تطوير البلاد في القطاع الاقتصادي.
تحرير المعاملات المالية
قال عقري محمد سامي من مجمع عقري للصناعات الغذائية، أنّ المنتدى يعد بالفعل فرصة ثمينة للمستثمرين الجزائريين، من أجل العودة إلى السوق الإفريقية والتي تعد اليوم سوقا واعدة بهدف الرجوع للتصدير والاستثمار، ورغم أهمية الحديث عن التصدير والتجارة الخارجية، لكن ينبغي الحديث والتركيز كذلك على الاستثمار في إفريقيا، ومن الضروري أضاف ذات المتعامل، تحديد بدقة كيفية عودة المؤسسات الجزائرية إلى السوق الإفريقية مع شركائها الأفارقة، والوقوف على احتياجاتهم، والفرصة كبيرة والرجوع يجب أن يكون بقوة. ووقف عقري على قدرات الجزائر في الصناعات الغذائية وأشار إلى أن الأولوية اليوم تكمن في تحديد كيفية الاستثمار في السوق الإفريقية، حتى لا يقتصر تواجد الجزائر على التصدير فقط، بل عن طريق الاستثمار كذلك في أسواق القارة السمراء، وينتظر هذا المستثمر الجزائري الذي يوسع استثماراته خاصة في مجال تحويل المواد الفلاحية، أن يطلق بنك الجزائر إجراءات تحرر المعاملات المالية في عملية التصدير نحو الأسواق الإفريقية.
المستقبل في الاستثمار
رفض إبراهيم بن عبد السلام نائب رئيس منتدى المؤسسات، اعتبار إفريقيا أو الجزائر كسوق، بل قال من الضروري تصنيفها كمصدر للنمو والتنمية والهدف من اللقاء والتشاور ليس من أجل إيجاد منافذ وفضاءات تسويق للمنتوج الجزائري، وإنما كنوع من الشراكة، التي حان الوقت لإرسائها بالشكل الفعال حتى يضمن الاستثمار في إفريقيا، بما يسمح بخلق مناصب شغل وتنمية القارة الإفريقية، وفيما يتعلق بتصدير المنتوج الجزائري، ذكر أنه يعد من ضمن الأهداف ولكن بالدرجة الأولى، من الضروري محاولة إقامة شراكة رابح رابح مع الدول الإفريقية، وأن تضفي الجهود إلى إقامة منطقة اقتصادية افريقية على غرار السوق الأوروبية المشتركة ومثل ما توصّلت إليه دول أمريكية، وواصل بن عبد السلام يقول أنّ القارة السّمراء أكثر من أي وقت مضى في حاجة إلى سوق مشترك وتكون متكاملة لا تهتم بالتجارة وحدها وإنما بمختلف الجوانب الاستثمارية، لأن مستقبل إفريقيا في الاستثمار وليس في التجارة، وأوضح يقول أنه على الأقل هناك ثلاث قطاعات تمتلك فيها الجزائر الإمكانيات الكبيرة، ذكر من بينها الطاقة والطاقة المتجددة وقطاع الرقمنة والهياكل القاعدية والزراعة والمواد الغذائية وباقي الصناعات مثل صناعة الأدوية ومواد البناء التي تمتلك الجزائر فيها إمكانيات معتبرة.
المرافقة بالخبرة
في حين أوكيل ياسين ممثل لمؤسسة لإنتاج المياه المعدنية للأطفال والصناعة الغذائية وكذا الملابس، قال أنهم يهتمون بالانفتاح على أسواق خارجية، بعد أن حضي منتوجهم بالرواج، وأكّد جودته في السوق الوطنية. ويستعدون خلال السنة المقبل، من أجل استحداث ثلاثون منصب شغل جديد، ومنتوجهم يحتاج إلى تكوين لليد العاملة كما أكّد، لأنّه تخصّص جديد، وصناعة الماء المعدني معروف أنه مستورد بنسبة 90 بالمائة في الجزائر، لكنهم لا يستوردون أي مادة في صناعته المحلية اليوم ويتطلعون للتصدير نحو الخارج في هذا المجال الواسع، وبالنسبة إليه منتدى الأعمال والاستثمار الإفريقي، الذي بادرت به الجزائر سمح لهم بالتواصل وإقامة العلاقات مع شركاء جدد من رجال الأعمال، أما بخصوص توسيع استثماراتهم في مجال الملابس، ينتظرون بداية تشغيل مجمع النسيج بغليزان، الذي سيوفّر جميع أنواع الأقمشة، أي سينتج المواد الأولية، علما أن مؤسستهم تنتج سنويا نحو 10 آلاف طقم لباس رجالي، وبينما إنتاجهم للمواد الغذائية يقدر بالأطنان. ودعا ذات المتعامل الاقتصادي الخاص السلطات المعنية بمرافقتهم في دخول السوق الإفريقية وفتح البنوك في إفريقيا، ومساعدة الخبراء لهم بالنصائح حتى ينجحون في هذه التجربة الجديدة والهامة.