اعتبر البروفيسور شلغوم ( مختص في الهندسة المقاومة للزلازل والبناء) الوضعية العمرانية بالمزرية بفعل غياب دراسة مفصلة ومعمقة منذ الأول وكان العمران ضمن سياسة رد الفعل لمواجهة الطلب المتزايد على السكن كما غابت الدراسات الخاصة بتاثير العمران على البيئة والمخاطر المختلفة مؤضحا ان العمران كما يعرف هو فن انسجام عمراني وللاسف اصبح عشوائيا يخضع للادارة وحدها على مختلف المستويات مما أنتج عمرانا يفتقر للمرافق.
وأبدى رئيس نادي المخاطر الكبرى في اتصال هاتفي حرصه على إرساء حوار مهني بين الأطراف المعنية ونقل المشاريع العمرانية المندمجة إلى الهضاب العليا والجنوب وتأسيس هيئات عمومية للمتابعة ومراجعة معايير الجودة.
وعاد شلغوم وهو أيضا مدير بحث بجامعة هواري بومدين بباب الزوار بالذاكرة إلى مرحلة ماقبل 1978 حينما كان ممنوعا القيام بالبناء في العاصمة و لدكان بدون صدور قرار من هيئة تدعى ( الكوميدور) مرتبطة مباشرة برئيس الدولة ولها صلاحيات أقوى من الوزارة والولاة.
وأشار إلى أن هذه الهيئة هي من قررت مشاريع كبرى مثل جامعة باب الزوار وحظيرة الحيوانات بن عكنون ومنع البناء بمنطقة الرياح الكبرى وحول باب الزوار كما قرر الكوميدور أن يكون توسيع العمران للعاصمة على مستوى مناطق الاربعاء ومفتاح وأولاد يعيش وليس كما حصل بالحميز وقهوة شرقي على سبيل المثال ذلك انه بعد حل تلك الهيئة دخل المجتمع في فوضى العمران.
ودعا البروفيسور الى اشراك الخبراء المستقلين وغيرهم من المهندسين في ضبط المشاريع الكبرى لقطاع العمران معتبرا انه لا توجد ما وصفها بالشفافية في هذا المجال، واشار الى انه قطاع يستعمل 2850 مادة في البناء مما يعرضه لتجاوزات وعبث في غياب اطار واضح للمراقبة.
وتساءل عن السبب وراء عدم طلب راي مهندسين جزائريين لمرافقة مشاريع الشراكة مع اجانب معتبرا انها مشاريع تتطلب تحديد طرف لقيادتها ويكون هذا ممكنا باطلاق آلية للحوار والنقاش بين المهنيين العمرانيين ومع الاقتصاديين وهي مهمة على عاتق الدولة من خلال جهاتها المكلفة المعنية.
و تساءل محدثنا بمرارة عن المخطط الازرق 2029 المتعلق بتعمير الساحل للعاصمة من حيث مدى اشراك الاقتصاديين والفنانين من مدرسة الفنون الجميلة من اجل الحصول على تصاميم لمشاريع عمرانية خالية من العيوب والنقائص وذات جدوى من كافة الجوانب بما في ذلك البيئية منها. واعتبر وضع برامج بمثل تلك الآجال الطويلة امر غير واقعي ولا يضمن متابعة وتحديد المسؤوليات عند اي اختلالات محتملة مؤكدا أن المنطق يستوجب وضع برامج عمرانية قصيرة ومتوسطة المدى ( بين 3 و5 سنوات) مما يضمن متابعة المسؤولية لكل طرف معني بها.
وفي هذا الاطار المتعلق بجدوى الحوار اكد انه خلال مدة بين 6 الى 8 اشهر يمكن التوصل الى تصورات قوية للمشاريع المطلوبة مع التأكيد مجددا على ان المشاريع العمرانية الجديدة ينبغي تمريرها عبر نقاش وطني للمحترفين في القطاع لتفادي اي نقائص محتملة والإفلات من انعكاسات سلبية للارتجال يكون لها كلفة مستقبلا.
وبالنسبة لتجاوز الوضع القائم تحسبا لإرساء نمط عمراني مطابق للمعايير بكافة جوانبها عبر الخبير بموقف واضح أن المشاريع الكبرى ينبغي إسناد متابعتها منذ البداية لهيئة عمرانية متخصصة مذكرا بالمرحلة الذهبية للقطاع في السبعينات من خلال الشركات العملاقة مثل “دي. أن. سي” التي كان يمسك بها احترافيون وتشغل عشرات آلاف العمال وكانت طاقة إنتاج السكن تقدر ب80 ألف وحدة سنويا وثمارها قائمة إلى اليوم من مجمعات سكنية ومرافق جامعية ومنشآت. وأبدى تساؤله بشان مدى التوازن بين الموارد المالية التي جندتها الدولة وضختها في قطاع البناء والعمران مع الحصيلة خاصة من حيث الجودة وهي مسألة يجب أن يتم تداركها.
وفي هذا الإطار فان الشراكة المبرمة مع شركات من مختلف الدول تقتضي الحرص على مدى توفرها على الاعتماد ووزن السوابق المهنية وأوضاعها من اجل التأكد من الجدوى وامتلاك ضمانات الحصول على الخبرة والتكنولوجيا.
وعن سؤال حول الهوية العمرانية للمدن الجديدة خاصة وان الوزير الأول لم يخف امتعاضه لما تم انجازه على غرار مدينة علي منجلي بقسنطينة التي تفتقر للشروط السوسيواقتصادية أجاب شلغوم أن الأمر يتطلب تعميق الدراسات لتفادي انجاز مجرد بنايات كما هو الشأن لمدينة سيدي عبد الله ولذلك يجب إقحام الذكاء الإنساني في العمران لمواجهة كل المخاطر المحتملة وتفادي تأثيرات الطبيعة كما هو الشأن في العاصمة التي يخترقها 120 واد متسائلا كيف أمكن اختيار واد حيدرة موقعا لإقامة مشاريع كبيرة.
وشدد على أهمية تفادي انجاز العمران على أراض منبسطة وهشة واحترام تصنيف بعض المناطق غير قابلة للتعمير والالتزام بالمعايير مستنكرا التوسع العمراني الذي التهم مناطق الحميز والحراش ويهدد ما تبقى من أراض ذهبية للفلاحة.
ولتجسيد التوسع العمراني دعا إلى التوجه إلى مناطق الهضاب العليا والجنوب والتي يمكنها أن تستقبل تحويل المشاريع وتخليص الساحل من اكتظاظ عمراني خاصة الصناعي منه حيث تتحمل 256 مدينة من مختلف الأحجام تلوثا سببه الصناعة بنسبة 75 بالمائة. وعلق أمله على وزير البيئة وتهيئة الإقليم في التكفل بالأمر قائلا “أتمنى أن يصحح الوزير الذي يملك أفكارا جيدة عن البيئة مسار عدة خيارات عمرانية”.