إنهيار أسعار البترول

الخلفيات الاقتصادية والتوجهات الجيو السياسية

جمال أوكيلي

شرح السيد عبد المجيد عطار المدير السابق لـ “سوناطراك” شرحا مستفيض الخلفيات الكامنة وراء “صدمة” البترول، وتداعيات هذا القرار الذي أضرّ كثيرا بالبلدان التي تعتمد على مداخيل هذه المادة الإستراتيجية في إدارة شؤونها الاقتصادية.
وقدّم السيد عطار تحليلا مفصلا لسيرورة خبايا وخفايا لمثل هذا المنعطف الحاسم في “فرض” انخفاض لأسعار إلى مستوى يعدّ بالنسبة للعديد من البلدان مساسا مباشرا بعصب الحياة في ديمومة تنميتها لقطاعات حيوية تحرّك بواسطة ما تدر عليها من عوائد نفطية.

واستند السيد عطار في استعراضه للمشهد البترولي وما تولّد عنه من إفرازات خطيرة على معطيات واقعية لا غبار عليها هي نتاج لقراءة مقارنة معمقة وهذا بحكم اطلاعه الواسع على هذا الملف، وقدرته على تنوير الرأي العام بحقائق ما جرى.
في البداية وضع السيد عطار الفواصل الضرورية بين خطاب الرجل السياسي والخبير الاقتصادي الذي يبنيه كل واحد وفق توجهه لطبيعة الحدث محل التجاذب وحتى النقاش الساخن، وهذا ما برز في التراجع الذي شهدته أسعار البترول.
وتبعا لذلك، تساءل السيد عطار قائلا “لماذا انخفض سعر النفط؟ وفي رده يرى بأن هناك اعتبارات أساسية لابد من أخذها بعين الاعتبار وهي بمثابة مرتكزات تبدو لأول وهلة من الأسباب التي أدّت إلى كل هذا الانهيار الذي نخر جسم اقتصاديات بلدان قوية كروسيا وإيران وفنزويلا، وغيرها.
ويوعز السيد عطار هذا المسار إلى ما يعرف بالانكماش الاقتصادي السائد منذ ٢٠٠٨، وبالتوازي مع ذلك يسجل ذلك التقليص في وتيرة استهلاك هذه المادة بشكل هائل وفي نفس الوقت تفرض مفارقة تعطل النمو نفسها في هذا السياق، حتى تلك الدول الذي يطلق عليها بالناشئة كالهند والصين مسهما هذا التحوّل، هذه الأخيرة كان نموها يشار إليه برقمين، والآن الحديث يتمحور حول رقم واحد والتوجه إلى الغاز الصخري من قبل البعض من البلدان كخيار استراتيجي يندرج في إطار الإستشراف للمواعيد اللاحقة على خلفية كيفية إيجاد البدائل، وكذلك التحكم في اتجاهات هذه المادة من كل النواحي التي تستدعيها “خدمة لحساباتها” الآنية والمستقبلية، وبات هذا الأمر ملحّا في الوقت الراهن وضروريا لبناء مثل هذه السيناريوهات.
وعليه، فإن البلدان المنتمية لمنظمة التجارة والتنمية الاقتصادية أنتجت كميات معتبرة، غير أن الأطراف الأخرى الخارجة عن هذه الدائرة كروسيا والمكسيك وكولومبيا واستراليا شعرت حقّا بالأزمة تعصف بدواليب منظوماتها الإقتصادية جرّاء هذا الخلل، بالرغم من أنّها سعت من أجل زيادة الإنتاج بشكل أضر كثيرا بما كانت الأوبيب تعمل على المطالبة به ألا وهو احترام سقف الإنتاج، هذا لم يحدث أبدا مما استدعى التوجه إلى الخيار الأليم ألا وهو تخفيض الأسعار بالشكل الذي هو عليه اليوم.
ولابد من إقامة الصلة وربط العلاقة المباشرة مع المخزون الأمريكي الذي وصل إلى رقم مذهل أي في حدود ٥٠٠ مليون برميل، وهذه ورقة مؤثرة تتوفّر عليها الولايات المتحدة في إبقاء هامش اتخاذ القرار المناسب في الوقت اللائق وهذا ما يستشف في المواقع الحالية.
وزيادة على كل هذا، أدرج السيد عطار التأثيرات القوية الصادرة على ما يعرف بالمضاربة في السوق البترولية من قبل النظام المالي الدولي، وهذا منذ ٢٠٠١، وهو البيع على الورق، بواخر محمّلة بشحنات من النفط تقتني في ساعات من جهة لأخرى بشكل مثير بين أسواق معروفة ومشهورة وهو محور (سنغفورة، لندن، نيويورك).
ويرى السيد عطار، بأن هناك القراءة الجيو سياسية التي لا يمكن عزلها عما يحدث أو فصلها عن سيرورة هذا المسار، وهذا من خلال إثارة مسألة التحالف ضد روسيا نظرا لما يحدث في أوكرانيا، وكذلك إيران وفنزويلا.
وقد أدى ذلك إلى تدهور العملة الروسية الروبل بنسبة ٥٠ ٪، وتأثر اقتصاديات إيران بشكل مباشر، ناهيك عما لحق بفنزويلا، ولابد هنا من التركيز على فكرة أساسية وهي أن الشغل الشاغل للأمريكيين هو ضمان الأمن الطاقوي لهذا البلد. ومن جهة أخرى فإن الولايات المتحدة أغرقت السوق، لا يهمها السعر مادامت تعوّل على الغاز الصخري ومخزوناتها. وفي هذا السياق فإن آجال ٢٠٢٥ سيكون موعدا حاسما، كون النقص في الإنتاج لدى منظمة التجارة والتنمية الاقتصادية، يطرح بديل الذهاب إلى الشرق الأوسط، وهذا كله من أجل التأمين الطاقوي للولايات المتحدة لتتخلص من التبعية لأي جهة في التموين بهذه المادة الإستراتيجية كذلك احتكار تكنولوجيات التنقيب والبحث ولا يمكن لأحد أن يدخل قطاع الغاز الصخري بدون المرور على أمريكا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024