تفيد الأرقام أن الجزائر، عرفت فيها الصادرات خارج قطاع المحروقات انتعاشا طفيفا بفعل قطاعات البناء والأشغال العمومية والخدمات، في وقت ينتظر ويعول فيه على الاندماج القوي والسريع لعدة قطاعات حيوية على غرار الفلاحة والصناعة والسياحة في المعركة التنموية ودفع قاطرة القفز نحو إنتاج الثروة الخضراء، في وقت تسجل أسعار النفط تراجعا محسوسا، ينذر بالخطر، وعلى اعتبار أن تقلبات الأسعار الراهنة تنبأ بتسجيل هشاشة على صعيد المالية العامة.
في ظلّ تحديات النمو الكبرى، ينتظر من التوسع القوي الذي عرفته القروض الموجهة للاقتصاد خلال السنة الفارطة والسداسي الأول من عام 2014، إنعاش ما يطلق عليه بالاستثمار الإنتاجي وبعث بفعالية النشاط الاقتصادي خارج قطاع المحروقات، والاستفادة من الظروف المالية الجد ملائمة وبجملة من التدابير التحفيزية وسياسة الدعم الموجهة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، على وجه الخصوص. ولعلّ تسجيل العديد من الدول النامية مستويات نمو معتبرة وأداء معقولا لاقتصادياتها حسب آخر تقرير لبنك الجزائر، من شأنه أن يشجع الجزائر على تخطي عتبة المرور إلى رواق الدول الناشئة وبخلاف ذلك عرف نمو اقتصاد بعض الدول الناشئة بطئا في النمو.
عكست الوتيرة العالية لسقف نمو القروض الموجهة للاقتصاد الوطني خلال السداسي الفارط تدفقا واضحا ومشجعا لتقوية النسيج المؤسساتي على اعتبار أنه بلغ في ذات الفترة حدود 11.72 بالمائة، بينما لم يتجاوز في عام 2013 20.26 بالمائة، وبلغة الأرقام، قدر حجم القروض الموجهة للاقتصاد نهاية شهر جوان الماضي 5760.61 مليار دينار أمام 5156.30 مليار دينار منحت للاقتصاد إلى غاية نهاية 2013 ، ووصفت حيوية القروض المتوسطة والطويلة الأجل التي استفادت منها المؤسسات الخاصة بنسبة لا تقل عن 51 بالمائة بأنها انعكست على تحسن هيكل وشروط التمويل.
إذا حان الوقت التركيز على الاستثمار المنتج وتسليط الضوء على المنتجات التي يمكن تسويقها عبر الأسواق الدولية من حيث النوعية والجودة، ويذكر أن أبرز ما يمكن أن يضمن فيه النجاح ولا مجال فيه للإخفاق إذا تم اعتماد إستراتجية دقيقة تقوم على الاستغلال الجيد والعقلاني للثروة الأرضية القطاع الفلاحي من أجل تحقيق كمرحلة أولية الاكتفاء الذاتي والتوجه نحو الأسواق العربية والإفريقية كمرحلة ثانية، ليأتي التفكير بعد ذلك لاقتحام الأسواق الدولية، خاصة أن المنتوج الفلاحي الجزائري يتسم بالجودة العالية بفعل المناخ المتنوع وتجنب فيه الاعتماد على المواد الكيميائية. ولعل ما يقلق وينذر بالخطر الاستمرار في تسجيل ارتفاع في واردات السلع، وبالمقابل تراجع في صادرات السلع وتقلص الفائض التجاري لميزان المدفوعات خلال السنة الجارية، حيث تراجع من 3.667 مليار دولار خلال السداسي الأول من عام 2013 إلى 2.756 مليار دولار خلال السداسي الأول من سنة 2014. وأفضى كل ذلك إلى تسجيل انخفاض في سيولة الميزان التجاري بـ911 مليون دولار، علما أنه حسب الأرقام التي أعلن عنها بنك الجزائر، فإن عجز خدمات خارج دخل العوامل تزايد ليصل حدود 851 مليون دولار حيث قفز من 3.2 مليار دولار في السداسي الأول 2013، إلى 4.1 مليار دولار في نفس الفترة من 2014.
تراجع الإنتاج يثير الانشغال
رغم التفاؤل المسجل بفعل التحسن الكبير الذي سجله القطاع الفلاحي من حيث النمو بخلاف باقي القطاعات الحيوية الأخرى حسب حصيلة تضمنها تقرير بنك الجزائر، إلا أن الانشغال البارز تصدره تراجع إنتاج الحبوب، وكون الجزائر تعد من أكبر الدول المستهلكة للحبوب ومطالبة على الأقل في السنوات المقبلة وبفعل الثروات والإمكانيات التي تحوز عليها تحقيق كمرحلة أولى الاكتفاء الذاتي والحد من فاتورة الاستيراد، علما أن نمو إنتاج الحبوب في سنة 2013 سجل انخفاضا إلى مستوى 4.3 بالمائة، لأن إجمالي الإنتاج لم يتجاوز 4.91 مليون طن ويقل ذلك عن متوسط الإنتاج لمدة 4 سنوات كاملة باستثناء إنتاج الشوفان، وبعيدا عن ذلك فإن جميع أنواع منتجات الحبوب لم تسجل أي نمو بل أخذت منحى تنازلي، يطرح الكثير من التساؤل ويثير بشكل فعل الانشغال لإعادة النظر في المساحات المزروعة والسهر على توسيعها وإيجاد البديل من خلال الاستصلاح والتشجيع الذي يصبّ في ترقية الإنتاج الفعلي.
وما تجدر إليه الإشارة، فإن منتوج الشعير بدوره انخفض محصوله مما أسفر عن ارتفاع في حجم الواردات بنسبة 2.6 بالمائة وبنسبة 0.4 بالمائة في القيمة إلى 10.1 مليون طن و3.27 مليار دولار. وبخلاف كل ذلك فإن الإنتاج البستاني عرف وتيرة متسارعة في النمو وحصيلة إنتاجية أكبر بمنتوج لا يقل عن 11.9 مليون طن في 2013 وارتفع إلى حدود 14.2 بالمائة.
ويبقى منتوج البطاطا يسير في منحى تصاعدي إلا أن التهاب الأسعار في تسويق هذا المنتوج مازال يؤكد استمرار المضاربة في تسويقه، خاصة أن العديد من أصابع الاتهام توجه إلى غرف التبريد في انتظار ما يسفر عنه تنظيم الأسواق مستقبلا لقطع الطريق في وجه الانتهازيين، ووصف الارتفاع في إنتاج البطاطا بالقوي بزيادة قدرها 15.8 بالمائة على جانب ارتفاع منتوج الطماطم بـ 6.0 بالمائة، وكذا زراعة الكروم بـ5.9 بالمائة والحمضيات بـ11.3 بالمائة والارتفاع في انتاج الحليب بـ5.5 بالمائة، أما إنتاج اللحوم تزايد بنسبة 6.2 بالمائة. فهل يعد الارتفاع في انتاج العديد من الخضر والفواكه مؤشر إيجابي ينبأ بتعميمه على العديد من المنتجات وأهمها على غرار الحبوب والزيتون؟