أشار برنامج الحكومة من الجانب الإقتصادي إلى مبتغى يتمثل في بلوغ هدف اقتصادي والمقترن مع قصد تحقيق مؤشر إقتصادي يتم الوصول إليهما على المدى المتوسط بحيث لا يمكن فصل الأحد عن الآخر، فالأول باعتباره هدفا يخص الوصول إلى (économie émergente) اقتصاد بارز والمقصود به تحسين مستوى مداخيل الفرد الجزائري بحيث سوف ينتقل من 5.400 دولار أمريكي سنويا إلى ما يعادل 7.200 دولار وهذا لا يمكن تحقيقه إلا إذا ارتفع الدخل القومي أو ما يسمى بالناتج الإجمالي الخام وهذا ما تراهن عليه الحكومة كمؤشر (العنصر الثاني)، بحيث أشار برنامج الحكومة إلى نسبة نمو تساوي 7%. وبالتالي التساؤلات المطروحة عند جل الاقتصاديين كيف يتم الوصول إلى هذا المبتغى، وما هو النموذج الجديد للنمو الذي يجب إدراجه أو على الأقل الذي تناولته بعض الأدبيات العلمية أو يحظى على الأقل بقبول من الجانب العملي والعلمي في الميدان من خلال إنشاء بعض الآليات والتي قد يكون لها أثر الرافعة (effet de levier) حتى تزداد وتيرة النمو. وبالتالي الإشكالية الرئيسية المطروحة هي كيف يمكن من مضاعفة نسبة النمو على المدى المتوسط على عكس ما تراهن عليه المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والتي ترى بأن نسبة النمو سوف قد لا تتجاوز نسبة 3,5%.
إذا نظرنا إلى الإطار الأكاديمي في مجال نماذج النمو الاقتصادي قد نجد عمل عدة باحثين مثل نموذج صولوو (Solow) والذي يرتكز على أربعة متغيرات وهي الإنتاج الحقيقي للاقتصاد والرأسمال المادي واليد العاملة والمعارف، مع الإشارة إلى أنه نموذج نظري يصعب إسقاطه على الواقع. كما يحبذ البعض الآخر نموذج النمو الأمثل (optimale) والذي يأخذ بعين الاعتبار سيرورة تعظيم الاستهلاك وقد يصعب أيضا تطبيقه في الميدان في غياب معطيات عن المنفعة. أما النموذج الثالث للنمو والمسمى بنموذج الأجيال المتداخلة وقد يتمثل في النموذج الكنس (ِcanonique) أو في النموذج ذات الوظائف الخاصة فإنهما يتطلبان عملا في المخابر للوصول إلى إستنتاجات ولكن الوقت المستغرق لا يساعد لأن الحاجة ملحة لإيجاد حلول آنية. أما النموذج الرابع للنمو والمسمى بالنمو الداخلي سواء كان نموذج النمو بالتعلم من خلال الممارسة أونموذج النمو بالرأسمال البشري أونموذج النمو من حيث البحث والتطوير أو نموذج النمو مع الإنفاق العمومي، فإن لهذه النماذج أنصار ولها من ينتقدها.
وحتى نبسط الحلول على أرض الواقع يجب طرح مفاهيم سهلة والتي توضّح كيف يمكن تطوير الدخل الوطني سواء من منطلق مفهوم الإنفاق أو من مفهوم الإنتاج أو من مفهوم المداخيل، مع العلم أن كل هذه المفاهيم تقود إلى نفس النتيجة في حساب الدخل القومي وهذا ما تعود عليه الأخصائيون في الديوان الوطني للإحصاء، لأنها من المسلمات. ومن منطلق أن الموارد تستعمل ونشير بأن الموارد تتمثل في الدخل الوطني والذي يوجه أو يتمثل في الاستهلاك والاستثمارات وتكوين المخزونات والرصيد بين الصادرات والواردات، وبالتالي اعتبر أن الحل يكمن في ترشيد الإنفاق وهذا السلوك يكون الكفيل والذي يمكن من الانتقال من مستوى النمو 3,5% إلى 7%، مما يترتب التبديل في نموذج النمو لأنه لم تتمكن الاستثمارات الحكومية ولا الاستثمارات عند القطاع الخاص من جرّ النمو بصفة حساسة بالرغم من مليارات الدولارات المخصصة والمستعملة والمتوفرة كما لم تتمكن دوائر القطاعات الاقتصادية من وضع سياسات قادرة على الرفع من وتيرة الإنتاج أو الخدمات في النشاطات الخاصة بالصناعة أو في الصيد البحري أو في الفلاحة أو في السياحة أو في القطاع المالي والمصرفي أو قطاعات أخرى من رفع المخزونات والصادرات. وبالتالي الحل الذكي الذي نملكه يخصّ النظر في تغيير جدري والذي يقود إلى القطيعة مع نموذج الاستهلاك حتى يصبح قاطرة للاستثمار، وبالتالي لنمو بمعطيات جديدة.
فالحل، إذا يكمن في توجه يخدم من جهة المواطن باعتباره مستهلكا مع العلم أن الاستهلاك للمنتوج المحلي يجب أن يغلب على المنتوج الأجنبي مع تشجيع الادخار على الإستهلاك وتشجيع تحويل الادخار إلى استثمار ومن جهة أخرى الدولة التي تنفق بغرض القيام بالمهام الخاصة بها (missions régaliennes) وتحسين المستوى المعيشي للمواطن والذي قد يخصص للرفع من مداخيل الأسر عوضا من أن يوجه لدعم المواد الاستهلاكية كالقمح والحليب والبنزين. فإذا ارتفعت مداخيل الأسر مع ترشيد توظيفها أي تحويل جزء منها إلى لاستثمارات كلما زادت المداخيل ومن هذا التكافؤ فإن الحل النهائي يكمن في رفع من مداخيل المواطنين ليوجه إلى استهلاك حقيقي الذي يقابله حقيقة الأسعار وحقيقة قيمة الدينار والباقي من الزيادة في المداخيل ما يعادل الثلث (1/3) يحول إلى استثمارات حتى نخرج من حلقة كيف نرفع من وتيرة النمو. ومن هذا الواقع فإن إعادة النظر في الإنفاق الحكومي والخاص بي 20 مليار دولار المخصصة للتحويلات الاجتماعية إلى الأسر ليقوم بتوزيعها صندوق المقاصة، فإنه قد يتوفر لكل عائلة بما يفوق عن 3.300 دولار سنويا وبالتالي يرتفع دخلها إلى ما يفوق 8.800 دولار أمريكي سنويا. أما إذا إستثنى صندوق المقاصة التجار (أصحاب رؤوس الأموال)، فإن سوف تستفيد كل عائلة بزيادة في دخلها بما يفوق 7.000 دولار أمريكي سنويا والذي يضاف إلى دخلها المتوسط ليصبح دخلها أكثر من 13 ألف دولار سنويا، بحيث أن عليها من إنفاق الثلث لمواجهة حقيقة الأسعار والثلث ليخصص للمنتوجات الوطنية والباقي يحول إلى استمارات لدى صناديق التوظيف أوالشركات الاستثمارية شرط أن تحافظ الأسر على هذا الدخل الجديد في السنة المقبلة من مخصصات صندوق المقاصة، ما يؤدي إلى أن يتحول الدخل إلى إدخار والذي يصبح بدوره استثمارات إنتاجية أما العوائل التي لم تتقيّد بهذا السلوك فلا يبقى لها سواء حقّ الثلث لمواجهة حقيقة الأسعار. فهذا رهان المستقبل والذي يقترن مع الماضي بحيث نذكر بأن في السبعينات إذا لم تكن هناك بطالة، فليس لأن الاشتراكية كانت الحل في ذلك الوقت ولا الإيديولوجيات التي مكّنت في ذلك الوقت من التشغيل الكامل، إنما في تلك الفترة كان 70 % من الدخل القومي يوجه إلى الاستثمارات. فإذا ما اتجهنا نحو هذا الحل فإن من جهة الدولة تتخلص من كابوس الدعم وتهريب السلع إلى خارج الحدود والحد من قوة ونفوذ بارونات استيراد - استيراد، وبالتالي يوجّه الرأسمال لشراء التكنولوجيات ومعدات الإنتاج والإبداع والتطوير وهذا ما قام به اليابانيون لأنهم اعتمدوا في بناء اقتصاد بلادهم على الرأسمال المحلي.
تشجيع الأسر على الإدخار مع تحويله إلى استثمار
بقلم: أمحمد حميدوش خبير محلل إقتصادي ومالي
شوهد:852 مرة