تجسيـــد الأجنــــدة السياسيـــة للاتحـــاد الإفريقـــي داخــل القــارة وبالمحافــل الدوليــة
ترجمة الانخراط في شــؤون القــارة عـبر مبـادئ التضامـن والتاريـخ ومصلحــة الشعـــوب
تنخرط الجزائر، عبر دبلوماسيتها، بشكل نشط في تجسيد الأجندة السياسية للاتحاد الإفريقي، سواء داخل القارّة أو خارجها على مستوى المحافل الدولية، وتلحق الفعل بالقول في كل الملفات التي تحظى باهتمام جماعي لدول القارة، وعلى رأسها إصلاح مجلس الأمن، وتكريس الحكامة وخدمة القضايا العادلة، ودعم حقوق الشعوب الإفريقية في الحرية والتنمية.
أعاد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، رسم أبعاد السياسة الخارجية للبلاد، بالشكل الذي جعل من إفريقيا امتدادا طبيعيا للجزائر، وعمقا استراتيجيا لها، تتفاعل معه بنشاط دبلوماسي مكثف على الصعيدين الثنائي والمتعدد في إطار الاتحاد الإفريقي.
وبناء على رصيدها التاريخي، “كقبلة للثوار ومكة الأحرار” مثلما قال ذات يوم، أميلكار كابرال، تترجم الجزائر انخراطها في شؤون القارة الإفريقية، عبر عدة مبادئ أهمها التضامن القاري والواجب التاريخي والحتمية التنمية بما يتماشي وأحلام الشعوب.
وتشتغل الجزائر بشكل مكثّف من موقعها كدولة عضو في الاتحاد الإفريقي، ومن مكانتها الحالية كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي، على جملة من الملفات السياسية التي تشكّل أولوية قادة البلدان الإفريقية، وعلى رأسها إنهاء تهميش القارة ضمن آليات صناعة القرار الدولي بالأمم المتحدة.
وفي السياق، كثّفت الجزائر منذ توليها العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، مطلع السنة الجارية، من جهودها الدبلوماسية لإسماع صوت قارة افريقيا، ورفع الظلم التاريخي عنها لتمكينها، على الأقل، من مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، والدفاع عن مصالحها وحقها في التنمية وتحقيق الاستقرار، وحل مشاكلها داخليا لوقف النزاعات والتدخلات الخارجية، وانهاء آخر حالة استعمار في أفريقيا، بالتوازي مع جهود داخلية لتنفيذ مختلف المشاريع التنموية في إطار مبادرات الاتحاد الافريقي.
يأتي ذلك من منطلق حرصها المبدئي على توحيد الصف الافريقي، في مختلف المحافل الدولية من أجل إسماع صوت القارة في المنابر الدولية، سيما مجلس الأمن الدولي لتأخذ مكانتها التي تليق بها، وترافع عن مصالحها مجتمعة بصوت واحد.
وتطالب الجزائر، باعتبارها عضوا فاعلا في مجموعة العشر للاتحاد الإفريقي، الخاصة بإصلاح مجلس الأمن، بتصحيح الظلم التاريخي الذي تعاني منه إفريقيا، باعتبارها القارة الوحيدة الغائبة عن الأعضاء الدائمين والأقل تمثيلا في فئة الأعضاء غير الدائمين (03 مقاعد).
وترافع بصوت واضح ومسموع من أجل منح أفريقيا مقعدين دائمين، بالإضافة إلى مقعدين غير دائمين في مجلس الأمن، مع جميع الامتيازات المرتبطة بهذه المقاعد. وجرى خلال النقاش المفتوح رفيع المستوى لمجلس الأمن حول تصحيح الظلم التاريخي ضد إفريقيا بفعل غياب التمثيل الفعال لها في مجلس الأمن، على هامش أشغال الاجتماع السنوي الأخير للجمعية العامة للأمم المتحدة.
ويدخل هذا المطلب في إطار الحرص الدائم للجزائر، وعدد من الدول الأفريقية على رأسها جنوب افريقيا، لإصلاح مجلس الأمن والنأي ببلدانها عن الاستقطاب الحاصل بين القوى العظمى، ما أثّر على عمل المجلس وشل تعامله مع القضايا الدولية الطارئة رغم التكلفة الباهظة على السلم والأمن الدوليين.
فـــــــــــــي خدمـــــــــــــــة الاستقـــــــــرار القــــــــــــاري
أظهرت الجزائر وفاء تاما لأفريقيا وارتباطا قويا ببنود الاتحاد الأفريقي، الذي كانت عضوا مؤسسا له، حيث تعمل دون كلل على ترقية القارة، بداية بترتيب البيت داخليا من خلال الحفاظ على سلامة الوحدة الترابية لدول القارة، قناعة منها بترابط السلم التنمية.
وفي هذا الصدد، تتمسّك بمبدأ احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار لدرء باب النزاع، وتقترح دوما مقاربة سلمية لحل الأزمات من خلال القيام بالوساطات، مثلما فعلت في عديدة المرات تاريخيا، ومن أمثلة ذلك نجاحها الباهر في إنهاء النزاع الاثيوبي الأرتيري 1998 - 2000، وتقديم أرضيات تقوم على الحلول السلمية للنزاعات بعيدا عن التدخل الأجنبي، وهو حال موقفها من الأزمة في ليبيا، وأثبتت الأحداث صحة الموقف الجزائري.
وكذلك الأمر بالنسبة للنزاع الممتد في مالي، حيث استطاعت اتفاقيات السلام التي رعتها في الحفاظ على الوحدة الترابية لمالي، وإسكات البنادق لعدة عقود، وتؤكّد المعطيات الميدانية أنه لا بديل عن المقاربة الجزائرية.
ومن باب الحرص على تمتين أسس الحكامة وبناء دولة المؤسسات في إفريقيا، ترفض الجزائر الانقلابات العسكرية كخيار لتغيير الحكم، وتتمسك دائما بضرورة العودة إلى النظام الدستوري، حفاظا على وحدة أراضي الدول المعنية، وحفظا لسلامة مواطنيها، وتدعو دائما إلى تغليب الحلول السلمية على قوة السلاح، وتشجّع بذلك مبادرة “إسكات البنادق” لإنهاء النزاعات في أفريقيا، وهي أحد أهداف “أجندة افريقيا 2063”، والتي شاركت الجزائر بفعالية في صياغة بنودها.
وضمن هذه الرؤية، تترأّس حاليا الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء، والهادفة إلى رفع مؤشرات الحكم الراشد والتنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان في البلدان المنخرطة ضمن الآلية.
وتواصل الجزائر تشريف مسؤولياتها تجاه القارة في المحافل الدولية، عبر تعهّدها بأن تكون صوت للشعوب الإفريقية على مستوى مجلس الأمن الدولي، أين تعطي الأولوية للوقاية من النزاعات في القارة، مع المرافعة لصالح استفادتها من التمويلات اللازمة لتمكينها من مجابهة فعالة للتهديدات بمختلف أشكالها لاسيما الإرهاب.
إنهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء الاستعمــــــــــــــــــــــــــــــــــار
مساهمة الجزائر في الدفع بدول القارة إلى الرقي بأمنها واقتصادها، لتتمكن من أخذ مكانتها على الصعيد الدولي، وهي في ذلك تراهن على إنهاء الاستعمار، والتصدي لأشكاله الجديدة، وكذا صد النزاعات أولا باعتبارهما عائقا للتنمية.
ولأنّها عانت لما يزيد عن قرن من ويلات استعمار استيطاني، سخّرت الجزائر كل جهودها للدفاع عن المظلومين والمضطهدين، سواء في خارج أفريقيا أو داخلها.
ولأجل ذلك ترافع لإنهاء أطول احتلال من آخر مستعمرة في افريقيا في الصحراء الغربية، وهي لا تتوانى في نقل صوت الصحراويين للمجموعة الدولية، الذين يعانون حصارا اعلاميا مخزنيا، لفضح مناورات المحتل المغربي في كل هيئات الأمم المتحدة السياسية والدبلوماسية والثقافية، والحرص على تطبيق قرارات الشرعية الدولية، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى تعمل الجزائر على إصلاح الاتحاد الافريقي بهدف تمكينه من تنفيذ مهامه، والتكيف مع الوضع الدولي بتحديات الجديدة، من خلال العمل الثنائي والجماعي تحت راية الاتحاد.
ودائما وفي إطار انضمامها البارز لصالح تحقيق أهداف أجندة افريقيا 2063، أطلقت الجزائر عددا من مشاريع ربط مختلف دول القارة ببعضها، خاصة دول الساحل انطلاقا من الجزائر، من خلال الطريق العابر للصحراء، وخط الأنابيب والألياف البصرية، وكذا مبادرتها بالشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا النيباد، والتي تحولت حاليا إلى وكالة تنمية تابعة للاتحاد الافريقي، تعمل على تحرير القارة من الصراعات والتخلف، وبسط السيادة على الموارد الطبيعية، بعد التخلص من الاستعمار.
وأولت الجزائر اهتماما في سبيل تحقيق أهداف التكامل القاري، وتأكيد انخراطها في قضايا وهموم القارة، من خلال تخصيص وزارة مكلفة بالشؤون الأفريقية، لتقف عن كثب عند انشغالات القارة، ولتكون وسيطا بين أفريقيا والمجتمع الدولي، عبر مجلس الأمن والجمعية الأممية. وفي هذا السياق استقبلت الجزائر في شهر فيفري رئيس جمهورية موزمبيق، السيد فيليب خاسينتو نيوسي، في إطار زيارة صداقة وعمل بدعوة من رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، كما حلّ الرئيس الجنوب افريقي سيريل رامافوزا بالجزائر مطلع ديسمبر في زيارة رسمية بدعوة من الرئيس الجزائري.
وتلت بعدها زيارات في جولة ماراطونية قادت وزير الخارجية السيد احمد عطاف، بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية، إلى عدد من الدول الافريقية، حيث استقبله رؤساء كل من أنغولا وأوغندا وبورندي، كما استقبلت كاتبة الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية المكلفة بالشؤون الإفريقية، سلمى بختة منصوري من طرف رئيس بوركينا فاسو، إبراهيم تراوري، وسلمته رسالة من رئيس الجمهورية.
وتصب هذه الزيارات في إطار جهود الجزائر لتوطيد العلاقات الثنائية مع الدول الافريقية، وتعزيز التنسيق والتشاور بخصوص القضايا والملفات المطروحة على الصعيد القاري، ونقل الانشغالات إلى المنظمات والهيئات الدولية، في شكل عمل جماعي منسّق يدافع عن القارة ومصالحها، خاصة وأن رئيس الجمهورية، أكّد في أكثر من مناسبة، التزام الجزائر برفع السقف عاليا في الدفاع عن قضايا افريقيا ومصالحها وإعلاء كلمتها.