تهيئة البنية التحتية لوجهة الجزائر

السياحة .. ورحلة البحث عن مفاتيح النمو

سعيد بن عياد

مناخ جذاب وملائم يستوعب فرص استثمار أكبر


رغم ما يمكن وصفه بصحوة لافتة على صعيد الرؤية باجماع كافة المتدخلين على انه يشكل احد المفاتيح القليلة في الظرف الراهن لتعزيز قدرات مواجهة التداعيات الناجمة عن الصدمة المالية الخارجية، الا ان قطاع السياحة لم يسجل بالملموس مكاسب على مستوى الرفع من حصته في تنشيط وتيرة النمو الاقتصادي.
ومع ملاءمة مختلف الظروف، ليحقق الاقلاع المطلوب بالنظر لحجم الاستثمارات المسجلة والتحسن النوعي لمؤشرات مناخ الاعمال، الاقتصادية منها والاجتماعية وبالاخص ما يتعلق بالامن والسكينة، يمكن اعتبار سنة 2018 منعرجا زمنيا وفر للساحة فرصة التأسيس لمستقبل يرتقب ان ينجز بالملموس في العام القادم من حيث الرفع من الاقبال على وجهة الجزائر.

نقاط ايجابية لكنها غير كافية

سجلت السياحة خلال هذه السنة بعض النقاط التي تضيف وزنا للمسار الذي يستمر تاسيسه على درب بناء التحول الاقتصادي وفقا للنموذج الجديد للنمو، وان كان يمكن انجاز حصيلة اكثر خاصة في خانة المساهمة في الناتج الداخلي الخام باكثر من 1.5 او 2 بالمائة اسوة باسواق سياحية مجاورة بلغت معدلات قوية، رغم فقدانها لنقاط في مجال الامن والهدوء.
تفعيل البوابة الاكترونية في اطار توسيع مجال الرقمنة، من ابرز ما تحقق في هذا القطاع المثير للجدل، بين قوة القدرات الطبيعية المتنوعة التي تؤهله لأن يتبوأ مكانة رائدة من جهة، وضعف الاداء في انتاج القيمة المضافة وتحقيق الثروة من جهة اخرى، يمكن رصد بعض المعطيات التي، اذا تم توظيفها بعقلانية، التقدم بشكل اكثر جدية ووضع الساحة في صلب معادلة النمو الاقتصادي.
بدات السنة 2018 بتنظيم الجلسات الوطنية للسياحة يومي 21/22 جانفي، غير ان الرؤية التي حملتها، بدل ان تواجه الوضعية في المديين القصير والمتوسط، ركزت على رؤية بعيدة تمتد الى افاق 2030، وهي ان كانت ذات طابع استراتيجي، الا انها تبدو ان اصحابها يفضلون ترحيل المشاكل والصعوبات وتاجيل الحلول.

مواعيد .. سوق وصفقات

الى جانب ذلك، وبالموازاة مع مواصلة انجاز مشاريع لسلسة برامج تتعلق بالرفع من قدرات الاستقبال عن طريق مشاريع لفنادق ومركبات مختلفة، شكلت بعض المواعيد التي تجمع متعاملي السياحة والانشطة المرتبطة بها محطات تشجع الرهان على هذا المجال الحيوي الذي لم يوظف كافة اوراقه الرابحة.
ويمكن الاشارة هنا الى صالون التجهيزات والخدمات الفندقية والاطعام الذي حقق بطابعه الدولي مكاسب في السوق رغم تداعيات الحد من استيراد التجهيزات التي تتوفر في السوق المحلية.
وفي هذا الاطار منحت الفرصة للمنتوجات المحلية لتاخذ حصتها في سوق الفندقة والاطعام، بحيث امكن لمؤسسات جزائرية تنشط في سوق المنتجات السياحية ذات الطابع اللوجيستي للخدمات الفندقية ان تفوز بصفقات تؤمن لها الديمومة خاصة وان اغلبها اثبت تحكما في اتقان مسالة المطابقة مع المعايير، علما ان الطريق لا يزال شاقا ويتطلب المثابرة.
من جانبه اظهر صالون السياحة والاسفار (سيتاف) الذي القى بظلاله خلال الفترة من 17 الى 20 اكتوبر من ذات السنة، وجود طاقات هائلة لكنها تتطلب وجود ارادة لتفجيرها باقل كلفة لكن ضمن رؤية واضحة تؤهل الساحة للخروج من نفق ضاق بها.
وحسب الحصيلة المعلنة من المنظمين في انتظار رصد اثارها في الميدان، يكون ذلك الموعد الاشبه ببورصة السياحة تجمع الفرص مرة كل سنة، قد حقق انجاز 170 اتصال بين المتعاملين واثمرت حوالي 130 اتفاق مبدئي، بما في ذلك بين متعاملين جزائريين ونظرائهم من افريقيا، على غرار اتفاق بين مجمع السياحة العمومي ومتعامل من النيجر لانجاز مشروع مركب مشترك.

الصناعة التقليدية ومشكل الغلاء

مؤشر اخر يعتبر من تقاليد القطاع السياحي وحقق مكسبا يعطي دفعا معتبرا لمسار النهوض بادراج كافة حلقات السلسلة في مسار واحد، ويتعلق الامر بتنظيم اليوم الوطني للصناعة التقليدية الموافق ليوم 12 نوفمبر واختصن الحفل فندق سوفيتال حيث تم تسليم جوائر تشجيع الصناعة التقليدية والحرف باعتبارها مرافقا للسياحة وعربون ثقة لدى الزبائن.
غير ان الصناعة التقليدية لا تزال تتسم بطابع الانكماش والتوجه لشريحة معينة والسياح بالنظر لمعاناتها من تبعات غلاء الاسعار مما يقلص من حجم سوقها ولا يشجع على انتشارها في فضاء المشهد السياحي الناشئ والطموح، وهو التحدي الذي يستدعي معالجة بالرفع من وتيرة الاداء وتنمية الاقبال على المهن والحرف قصد تدارك الفرص المتاحة محليا وعالميا من خلال تقليص الكلفة وبالتالي السعر لكسب التنافسية.

موسم الاصطياف غير كاف

لكن يبقى هذا العام محطة اكدت مرة اخرى تحسن وتيرة اداء السياحة الداخلية من خلال نجاح موسم الاصطياف 2018، الذي اكد بن مسعود وزير القطاع رصد مؤشرات ايجابية خلال لقاء جمع مدراء السياحة لاربعة عشر ولاية ساحلية، مسجلا بالمناسبة تسجيل اهمال من جانب حوالي 80 وكالة للاسفار تنشط في العاصمة لم تحقق ما هو مطلوب في استقدام سياح اجانب، وهنا يبرز مشكل مدى نجاعة وكالات السياحة والاسفار في المساهمة في النمو خاصة في ظل الازمة المالية.
الا ان رئيس فيديرالية الفنادق احمد اولبشير اثار بالمناسبة ما اعتبره عوائق بيروقراطية لا تزال تكبح النشاطات السياحية بالحجم الاقتصادي المرتقب وبالاخص مسالة منح التاشيرة للسياح، لكن لا يزال هناك غموض بشـن مدى الطلب على الوجهة الجزائرية للحسم في هذا الاجراء.

تخفيضات والجنوب ليس النفط فقط

كما عرفت حصيلة السنة من حيث الاداء التحفيزي المحرك لوتيرة الطلب، اقتراح عروض بتقليص في اسعار الخدمات بادرت بها في موسم الاصطياف حوالي 100 مؤسسة فندقية فضلت اللعب على معادلة تخفيضات من 20 الى 50 بالمائة وفي ذروة الطلب، وجاءت في هذا السياق اتفاقية وقعها مجمع السياحة العمومي مع الاتحاد العام للعمال الجزائريين عربون ثقة في مستقبل السياحة وسمحت الاتفاقية التي تم تجديدها اواخر 2018 للسنة المقبلة ل 3641 عائلة متوسطة الدخل بقضاء عطلة مريحة في فنادق ادركت اهمية الرهان حاليا على السياحة الداخلية في انتظار الاجانب مستقبلا.
وتعززت جهود ترقية وجهة الجزائر السياحية التي تحتاج الى ترقية اداء الترويج بابتكار اساليب اكثر فعالية وتوسيع المجال امام متدخلين اكثر حيوية وابداع، ذلك ان الالقاء بالمهمة الترويجية في سلة جهات محددة اظهر محدوديته، وكان للجنوب حضوة ملموسة بتخفيض اسعار النقل الجوي، كما استقبل وفد اعلامي من الصين الشعبية زار المناطق الجنوبية والشمالية والخضاب العليا فانبهر بمناظر تاغيت، قورارة، تيميمون، الاهقار، الطاسيلي، واذ ميزاب ومنطقة الزيبان، حيث سوق السياحة بكلفة تنافسية لو يستطيع القائمون عليها كسب ثقة الزبائن، وهنا يقع على محور الثقافة دور لا يقل اهمية في تسويق رسائل تعزز وتيرة الطلب.

وزير القطاع.. ورحلة الإقناع

لقد صال وزير السياحة وجال محليا وخارجيا حاملا طموحات وفرص ذات طابع استثماري وترويجي، وبالرغم من الطابع الاحصائي للقطاع مثلما حرص مسؤولوه على تسويقه في مختلف الاتجاهات، الا ان المعضلة تكمن في مدى قوة الاداء في سوق ثرية وهي عامل للنمو.
وكانت الخطاب في كل ذلك ان النهوض ليس خيارا ظرفيا وانما هو حتمية لبناء اقتصاد متنوع كما لم يتوقف بن مسعود عن ترديده مرتكزا على التوجهات التي سطرها برنامج رئيس الجمهورية لتوضيح معالم السياحة في بلادنا، لتساهم في تنمية القيمة المضافة وتاسيس ارضية الاقتصاد الازرق  والتنمية المستدامة
مع ذلك برزت في ذات السنة بعض العوائق التي يرتقب ان تعالج في العام القادم من خلال الرفع من وتيرة الاداء، خاصة وان التكنوولجيات الجديدة للاتصال توفر الادوات والوسائل والتقنيات لتدارك مؤشرات المنافسة وتحسين معادلة الطلب وترقية العروض.
ولعل ما ينبغي التصدي له وفقا لقواعد الفعالية والشفافية كل ما يتعلق بالعقار ومناطق التوسع ضمن ضوابط حماية البيئة والمحيط، النقل، المنتجات الزراعية لتعويض ما يترتب عن وقف الاستيراد، تحسين نوعية الخدمات باقل كلفة ممكنة وترقية الخطاب الموجه للزبائن في اسواق خارجية تبحث عن وجهات تنافسية.
في ضوء كل هذا الزخم بين جوانب ايجابية واخرى سلبية يمكن انهاؤها ضمن رؤية تقوم على تصور جريء وشامل ينتظر ان تتوصل الجلسات الوطنية القادمة في 21/22 جانفي 2019 الى صياغة معالمها الرئيسة، تكون السياحة بكافة حلقات سلسلتها في صدارة المشهد وحينها لن يكون اي مبرر للخطأ او تضييع فرصة الاقلاع الحقيقي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024