إجراءات المرافقة من الدولة أسست لتفعيل النمو
لم تمنع تداعيات الصدمة المالية الخارجية التي أثرت على مستوى احتياطي الصرف بالعملة الصعبة من مواصلة الأداء الاقتصادي، يتقدمه قطاع الصناعة الذي قاوم التحولات، من أجل تأكيد التواجد في السوق مستفيدا من سلسلة إجراءات الدعم التي أقرتها الدولة في إطار إرساء اقتصاد إنتاجي ومتنوع. وبالموازاة مع تسجيل انخفاض الإنتاج العمومي في الثلاثي الأول، إلا أنه أظهر قدرات يمكن أن تحقّق الهدف الاستراتيجي بتضافر جهود جميع الشركاء، بعد أن تأكد لسنة أخرى، انتهاء التمييز بين القطاعين العام والخاص وبروز هوية واحد ة هي المؤسسة الجزائرية المنتجة للثروة.
واصل قطاع الطاقة طيلة سنة 2018، ريادة المشهد بتعميق خيار مواكبة التغيرات وإعادة الانتشار محليا وخارجيا، بإتمام شركة «سوناطراك» إجراءات شراء أصول محطة تكرير النفط «أوغيستا» بايطاليا، بالموازاة مع تكريس مرحلة أخرى من مخطط إعادة التنظيم الداخلي بالرهان على الموارد البشرية والدفع بالكفاءات إلى مراكز اتخاذ القرار، لتجسيد خيار الانتقال الشامل الطاقوي منه من بوابة الطاقة الشمسية، والمناجيريالي باعتماد المرونة والانفتاح.
كما واجهت قطاعات أخرى تداعيات الظرف الصعب مستفيدة من القرار الحاسم للدولة بانتهاج النمو خيارا استراتيجيا انطلاقا من أرضية صلبة وتفاعلية بين الشركاء، تكون المؤسسة قلبها النابض. فكانت سنة 2018 محطة زمنية أخرى لإتمام البناء وتهيئة آخر الشروط لتأمين الانطلاقة المرتقبة، التي برزت معالمها لتنجز في العام القادم التحوّل العميق من أجل بلوغ الأهداف الحيوية للاقتصاد الوطني.
الصناعة تقاوم الصدمة
سلسلة مشاريع مختلفة تعزّز بها قطاع الصناعة رغم بقاء وتيرة المساهمة في النمو أقل مما هو منتظر، وكانت بداية العام بتسجيل مكسب للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة المنخرطة في عالم التصنيع سواء في قطع غيار السيارات للرفع من نسبة اندماج التركيب الذي واصل وتيرته أو في الهواتف الذكية والمنتجات الغذائية المحوّلة من مواد زراعية إلى جانب إنتاج مواد البناء في سوق رائجة بفضل البرامج الاستثمارية التي سطرتاه الدولة في مجال المنشات والمرافق.
وكان للصناعة العسكرية ثقل في هذا المجال بوضع عديد من المركبات في السوق معزّزة بذلك ثقة الزبائن والمتعاملين فيها، وكان لها في هذه السنة، من موقع المنتج وتطوير مسار التركيب بتحسين نسبة الاندماج، حصة جيدة في سوق المركبات بمختلف الأحجام لتعزّز ثقلها في المجال الاقتصادي المدني بالخصوص، لتقدم المثال الجيد في امتلاك الصناعة الوطنية طاقات وقدرات حقيقية لانجاز أهداف النمو وفقا لمعايير المنافسة خاصة الجودة.
كما أكدت الصناعة الكهرومنزلية والالكترونية مجددا مكانتها أيضا مع دخول بعض مؤسساتها خاصة من القطاع الخاص الوطني إلى أسواق عربية وافريقية، لتخوض بذلك رحلة المنافسة الخارجية التي لم تعد كابوسا يرعب المؤسسة الجزائرية طالما أنه تراهن بالأساس على الجودة وتقليص كلفة الإنتاج.
استقطاب شركاء يثقون في الجزائر
يوسف يوسفي وزير هذا القطاع الذي عانى في الماضي من ركود لأسباب هيكلية وتنظيمية، حمل طيلة السنة طموحات قطاعه ضمن برنامج ميداني شمل كافة الفروع، بما فيها المناجم التي حقّقت مكسبا هاما بإطلاق مصنع إنتاج وتحويل الفوسفات بولاية تبسة، وذلك بالشراكة مع مؤسسة من الصين، التي جرى الاحتفال معها بمناسبة الذكرى الستّون لإقامة العلاقات بين البلدين بمحتوى اقتصادي مميّز. وأنهى السنة بعقد لقاء وطني جمع مدراء الصناعة بالولايات من أجل تشخيص المعطيات ورسم المعالم لتحسين الأداء واضعا معركة كسر البيروقراطية في أولوية ورقة الطريق.
وشكّل فرع تركيب السيارات حديث السنة في ظلّ تراجع العرض في سوق عرفت طلبا متزايدا، مما اضطر وزارة الصناعة إلى طرح ملف الأسعار الملتهبة في الواجهة فيما تعزّزت قدرات الإنتاج ببروز وحدات جديدة لعلامات مختلفة تعطي للمستهلك مساحة معتبرة للاختيار.
كما عرفت المناولة اهتماما لتحتل موقعا في النسيج الصناعي يكون في مستوى التطلعات في الأفق المتوسط والطويل خاصة وأن المشهد عرف نشاطات عديدة تندرج في إطار تحسين مناخ الاستثمار من كافة الجوانب القانونية والتنظيمية وإجراءات المرفقة كما في العقار الصناعي.
وبهذا الخصوص كانت آخر حلقة في سلسلة مكاسب العام قدوم وفد من الصناعيين لكوريا الجنوبية ضمن زيارة رسمية توجت بإبرام اتفاقية مع متعامل جزائري في فرع الميكاناكا لإنتاج مركبات مطابقة للمعايير، وفتح أفق واسع للشراكة الرابحة. وفود عربية كثيرة حلت بالجزائر لرصد فرص الاستثمار عن طريق الشراكة التي أثمرت مشاريع تواصل مسار انجازها في هذه السنة. ولعلّ الزيارة التي أداها ولي العهد محمد بن سلمان أحد مؤشرات التعاون الاقتصادي العربي من خلال مرافقته لوفد من رجال العمال الذين وقعوا اتفاقيات شراكة مع نظرائهم الجزائريين، مما أعطى للاستثمار العربي ثقلا في السوق الجزائرية التي تقدم أفضل الضمانات، من أبرزها مناخ الاستقرار والفرص الرابحة.
ولعلّ أبرز مؤشر لسلامة التوجه خروج مركب «بلارة» للحديد والصلب بولاية جيجل، إلى أرض الواقع والتحضير لتشغيله العام القادم، إذ تمّ الإعلان في هذا العام عن بلوغ انجازه نسبة 80 بالمائة وهو معيار صحي لشراكة وفقا لقاعدة 51 / 49، مستفيدا من قاعدة لوجيستية متكاملة تضعه في وضع جاهز للإنطلاق.
تعزيز بنية التصدير
غير أن نفس السنة كانت محطة لمواصلة استكمال بنية أرضية صلبة للتصدير خارج المحروقات، من خلال مختلف البوابات الإفريقية والعربية والعالمية، إذ حقّق هذا التوجه مكاسب هامة على تواضعها في الظرف الراهن، لكن يمكن البناء عليها حتى تعبر المؤسسات الإنتاجية إلى تلك الفضاءات التي أبدت ترحيبا بالمنتوجات الجزائرية، ومن ثمّة كسب موارد مالية جديدة تسمح لها بمواصلة التطور وتنمية القدرات المالية الوطنية، ومن ثمّة تأمين ديمومتها.
بالإضافة إلى المشاركة الملموسة في مواعيد اقتصادية في عواصم بلدان متطورة مثل أمريكا،| بلجيكا وفرنسا، خاضت المؤسسات الجزائرية في هذه السنة تجربة متميزة في إقامة جسور جديدة نحو وجهات ناشئة، ويتعلّق الأمر بإنجاز أكبر مكسب للتصدير على مستوى المعبر الحدودي بين الجزائر وموريتانيا، الذي فتح الأفق لتنظيم معرض المؤسسات الجزائرية في نواكشوط، في أكبر تحدّ للجغرافيا ذات التضاريس الصحراوية الوعرة.
ويعتبر هذا التجسيد الملموس عنوانا بارزا لبرنامج التصدير خارج المحروقات، مستفيدا من مرافقة متكاملة ومندمجة، تأكدت مرة أخرى مع نهاية العام بمناسبة معرض الإنتاج الجزائري، الذي وقّع شوطا آخرا على مسار التصدير، الذي تحوّل، كما أشار إليه الوزير الأول عند افتتاح التظاهرة، إلى ثقافة تنمو باضطراد في أوساط المتعاملين الجزائريين.
كانت سنة فيها حركية مثيرة في بعض النشاطات منها تصدير الاسمنت الذي تمكنت الجزائر من تصحيح معادلته بتأمين المنتوج محليا وإدراجه في الرفع من حجم التصدير، بعد أن شكلت هذه المادة هاجسا أرهق القدرة المالية للبلاد لعقود طويلة.
«ملفات» بحاجة لحلول جذرية
إلا أن نفس السنة شهدت في أكثر من مناسبة بروز حالات سلبية مزمنة مثل حالة مركب الحجار للحديد والصلب الذي واجه في تلك السنة مواقف تعيد طرح تساؤلات حول مدى نجاعة المرافقة المالية التي كلفت خزينة الدولة جراء تطهير المؤسسات فاتورة لا يمكن تحملها أكثر مستقبلا.
وصنع الفرن العالي الثاني للمركب الذي ارتبط بتاريخ الصناعة الوطنية الحدث السلبي الحدث سلبيا لأكثر من مرة خلال هذه السنة، جراء حركات إضرابات لأسباب غير واضحة في اغلبها، تارة بادعاء انقطاع التموين بالمياه، وتارة أخرى للتعبير عن احتجاجات ضد ممارسات وأعمال عانى منها المركب، الذي يحتاج لمضاعفة الجهود وتطهيره من كل ما يدخل في دائرة الفساد عن طريق إضفاء الشفافية على مستوى جميع مراحل السلسلة الإنتاجية.
كما شكلت المناطق الصناعية حديث عالم الاستثمار بإعلان الدولة، على أعلى مستوى في الهرم، قرارا حاسما يقضي باسترجاع الأوعية التي لم تستغل وفقا للمشاريع المسجلة، وبالتالي كسر المضاربة التي تتغذى من بيروقراطية فضيعة أعاقت الحركية الاستثمارية وعطلت النمو. وبدورها استفادت الأراضي الفلاحية من قرار بنفس القوة يعطيها الحماية المطلوبة خاصة وأن قطاع الفلاحة أكد في 2018، تحقيق نجاحات ملموسة بتموين السوق الداخلية وإنجاز عمليات للتصدير إلى الخارج، غير أنه بالمقابل عرفت هذه السنة تسجيل ارتفاع فاحش لأسعار المنتجات الفلاحية من خضر وفواكه ليعود معها الحديث عن مدى مواكبة قطاع التجارة للتغيرات في السوق ويستمر نفس الانشغال في السنة القادمة، كما تشير إليه المعطيات.
منتدى رؤساء المؤسسات يفضّل الاستقرار
على صعيد التنظيمات المهنية وجمعيات رجال الأعمال، عرفت سنة 2018 استكمال منتدى رؤساء المؤسسات لعملية المطابقة القانونية بعقد جمعية عامة انتخابية منتصف شهر ديسمبر، توّجت بتجديد الثقة في علي حداد رئيسا للمنتدى، الذي ينتظر منه الرفع من مساهمة المنتدى في الاستثمار المنتج، خاصة وأن لديه طاقات كبيرة في العديد من الفروع الصناعية.
وشكل هذا رغبة أعضاء أكبر منظمة باترونا (خاصة وعمومية) في تفضيل خيار الاستقرار، باعتباره ضمانة لديمومة الاستثمار انسجاما مع التوجهات الكبرى للاقتصاد الوطني، الذي يجعل من المؤسسة الإنتاجية مهما كان حجمها عجلة تنقل مشاريعه وسط بيئة فيها من الصعوبات والتحديات الكثير، لكن تقدم أيضا الكثير من المشاريع والبرامج رغم الأزمة المالية التي تبدو أنها تصبح مزمنة بالنظر لتقلبات سوق النفط وعدم قدرة الاقتصاد العامي على التخلص من الركود.
وأبدى منتدى رؤساء المؤسسات في ذات السياق رغبته في التحوّل من طابع جمعية ذات هوية اقتراح ومساهمة، إلى منظمة نقابية تعبر عن انشغالات ومطالب رؤساء المؤسسات ضمن توجه مسار النمو، الذي يتطلّب من الفاعلين في الساحة الاقتصادية انتهاج المبادرة ومضاعفة العمل ضمن خارطة طريق ترشيد النفقات ونجاعة التسيير حول المشاريع والبرامج، حتى يمكن رفع تحدي إنتاج القيمة المضافة وتعزيز المكانة في ساحة المنافسة.