ضعف الرقابة واستفحال التجارة الموازية يعيقان مكاتب الصرف
«مهنة» تنتشر بمنأى عن الضرائب والسجل التجاري
تشهد السوق الموازية للعملة بـ»السكوار»حركية مستمرة لا تنقطع إلا باقتراب غروب الشمس وتعود في الصباح الباكر أي قبل الثامنة صباحا، وتستوعب كمية معتبرة من العملة الصعبة التي يصعب تقدير حجمها، في ظلّ غياب نشاط مكاتب الصرف التي ينتظر منها الكثير مستقبلا خاصة على صعيد حماية عملة الدينار من الانزلاق، وكذا منع نزيف العملة الصعبة نحو الخارج، واللافت في السوق الموازية للعملة في العاصمة أنه ينشط فيها العشرات من الأشخاص وقد يصل الرقم إلى المئات..
والسؤال البديهي الذي يتبادر إلى ذهن أي شخص عابر من «السكوار».. من أين يتلقى بائعو العملة بهذه السيولة المذهلة التي تعدّ نافذة كل من يخطّط للسفر من أجل السياحة أو الحج أو العمرة أو بهدف الدراسة والعلاج وحتى بالنسبة لتجار السوق السوداء؟ .. لأنها تشبه تماما «البورصة» أي تقريبا سعر واحد للبيع والشراء لدى أغلبية التجار الموازيين، غير أنها فضاء غير مقنن وينشط خارج الرقابة القانونية وبعيدا عن الوصاية البنكية..
تكتّم شديد وغموض كبير يختلج تعاملات أشخاص من مختلف الأعمار، منهم الشباب في ربيعهم الـ20، ومنهم الكهول الذين تعدّوا منتصف عقدهم الخامس ويقتربون من العقد السادس، كلما اقترب منهم زبون يبادرون بعبارة عفوية تتكرر على شفاههم في كل مرة «تبيع أم تشتري»، وكان السؤال التلقائي الذي طرحه شاب في عقده الرابع قال بأن اسمه «ياسين ويقطن في مدينة عين طاية، حيث يحضر يوميا لمزاولة تجارته المفضلة التي يعيل بها أسرته، كونها لا تحتاج إلى تأجير محل ومسؤولياتها خفيفة لأنه في منأى عن مصاريف الضرائب وتعقيدات السجل التجاري، ردّنا كان سريعا كم سعر شراء وبيع عملة الأورو؟.. فأجاب بسرعة.. «..شراء 100 أورو بـ 21100 دج بينما البيع يقدر بـ 21300 دينار»، والاستفسار الثاني كن عن سعر عملة الدولار، ولم يتردّد في الإجابة كاشفا: «..نقتني 100 دولار بـ 18000 دج بينما نبيع هذه الورقة النقدية الخضراء بـ18300 دج»، وحملت عباراتنا القليل من الاستياء:»..السعر مرتفع نريد تخفيضا..»بدا كتاجر محنك:.. «إذا كنت ترغبين في اقتناء كمية معتبرة يمكن أن نخصص لك تخفيضا أما إذا كانت الكمية قليلة.. إنه سعر السوق لا يمكنك العثور على أقل من ذلك عند معظم التجار المتواجدين في هذا الفضاء..
معاشات المتقاعدين بالعملة الصعبة تغذي السوق الموازية
وتحفّظ هذا التاجر كثيرا عندما حاولنا معرفة المزيد من الأخبار المتعلقة إذا كانت هناك وفرة من أجل اقتناء مبلغ كبير، وإن كان هناك من يمكنه تأمين له العملة لممارسة تجارته، وبعد تغير لهجته.. كشفنا عن هويتنا وقلنا نحاول رصد السوق الموازية والأسعار من أجل كتابة مقال صحفي لا غير، فأوضح بأن زبائنهم يبيعون ويشترون منهم العملة الصعبة، في صدارتهم المتقاعدين الذين يتقاضون معاشات بالعملة الصعبة من الخارج، إلى جانب ذوي الجالية الجزائرية في المهجر، خاصة أولئك الذين لديهم مشاريع لبناء سكنات أو اقتناء قطعة من الأرض. ولم يخف عبد الرزاق الذي لا يتعدى عمره 27، أن لديه زبائن قارين يتصلون به هاتفيا لمعرفة مؤشرات السوق الموازية أي ثمن البيع والشراء، وقال زبائني من مختلف الشرائح، من بينهم أرملة متقاعد تمّوله تدريجيا بالعملة الصعبة، غير أنه لم يخف أن هناك من يشتري أسبوعيا وآخرين شهريا عملة الأورو، ويبحثون عن أوراق من فئات نقدية ذات قيمة عالية، لكن تفتقد السوق كما أشار إلى الأوراق النقدية من فئة «200» أورو ومن فئة «500» أورو، التي يبحث عنها المستثمرون ومن يخططون لاقتناء منزل أو محل تجاري أو إقامة مشروع في الخارج من أجل تحويل أموالهم من الدينار للعملة الصعبة. ورفض اسماعيل الذي يبدو في منتصف عقده الثالث الحديث عن .. كيف ولج هذه السوق ولماذا اختار هذه المهنة وعندما وجهنا له سؤالا عن عملة الدولار أجاب: «..راه ناقص هذه الأيام..» وبخصوص باقي التفاصيل اكتفى بالقول «.. نحن نوفر للمواطنين خدمات لا توفرها لهم البنوك.. ومن حقنا أن نربح ..علما أن هامش ربحنا لا يتعدى 200 أو 300 دينار في كل ورقة من فئة 100أورو أو 100دولار..».
وكانت سيدة تبلغ من العمر 44 عاما تتأهب لاقتناء مبلغ 1000 أورو، فابتعدت مع اسماعيل بالقرب من مبنى عمارة تسلم منها المبلغ بالدينار قام بعده في وقت قياسي ثم أخرج لها ما يقابله بالعملة الصعبة وتسلمته حيث وضعته في حقيبتها وبدأت تلتفت يمينا وشمالا تستعد إلى مغادرة المكان، اقتربنا منها فتحدثت بصراحة بأنها ستسافر إلى اسطنبول من أجل جلب الملابس بواسطة الحقيبة، لأنها تملك محلا لبيع الملابس النسوية الخاصة «بالعرائس» وكلما تبيع السلع تحول رأس المال مع جزء من الفائدة إلى عملة صعبة من أجل اقتناء كميات أخرى من الملابس..
يذكر أنه في معظم بلديات العاصمة يوجد تجار وأصحاب محلات يتوفر لديهم العملة الصعبة للبيع والشراء، وأصحاب الأحياء الذين تعوّدوا على التعامل معهم يعرفونهم جيدا، فقد تجد هؤلاء التجار في مقهى أو محل لبيع الملابس أو الأحذية.