تبسيـط القوانين ومنــح حوافــز لأصحـاب المشاريـع الصغـيرة
إدماج الاقتصاد الموازي في الجزائر يتيح زيادة إيرادات الدولة ودعم الضمان الاجتماعي، عبر تخفيف الضرائب وتبسيط الإجراءات لجذب العاملين نحو النشاط المنظم، بما يعزز النمو واستقرار السوق.
يؤكد الخبير الاقتصادي سليمان ناصر أن نجاح إدماج العاملين في السوق الموازية يتطلب تبسيط القوانين ومنح حوافز لأصحاب المشاريع الصغيرة، عبر تسهيل التراخيص، وتوفير الدعم المالي والتقني، وخلق فرص جديدة للبيع والتوزيع. ويضيف أن إقناع هؤلاء بأن الانخراط في الإطار الرسمي يوفر فوائد أكبر من العمل خارج القانون، سيشجعهم على الاندماج في السوق المنظمة، ما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني.
تعزيز الاقتصاد الرسمي
أما عن تأثير الاقتصاد الموازي على الاقتصاد الوطني والإيرادات الجبائية، أوضح سليمان ناصر أن هذه الظاهرة ليست حكرا على الجزائر، بل هي موجودة في جميع دول العالم، بما فيها الدول المتقدمة مثل بلدان أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، غير أن الفارق الجوهري يكمن في حجمها، ففي تلك الدول، يشكل الاقتصاد الموازي ما بين 10 و15 بالمائة فقط من حجم الاقتصاد الوطني، وهو مستوى يمكن التحكم فيه نسبيا بينما عندنا تتجاوز النسبة هذا الحد بكثير، ما يجعل تأثيرها أكبر على توازن الاقتصاد.
ويضيف ناصر أن حجم الاقتصاد الموازي في الجزائر يصل، وفق المؤشرات المعتمدة، إلى حوالي 40 بالمائة من حجم الاقتصاد الوطني، وأحيانا يتخطى ذلك قليلا هذا الحجم الكبير يعني فقدان جزء معتبر من الإيرادات الجبائية التي كان يمكن أن تساهم في تمويل المشاريع والخدمات العمومية، كما يحد من قدرة السلطات على ضبط السوق وتنظيم المنافسة، ويخلق تحديات إضافية أمام السياسات الاقتصادية الهادفة لتحقيق الاستقرار والنمو المستدام.
وأفاد أيضا، الاقتصاد الموازي يتسبب في نزيف كبير لموارد الدولة، خاصة على مستوى الإيرادات الجبائية، فالعاملون في هذا القطاع، مثل الباعة في الشوارع أو أصحاب سيارات الأجرة غير المرخصة وغيرهم، لا يدفعون الضرائب ولا يساهمون في الاشتراكات الاجتماعية، وهذا الوضع ينعكس سلبا على صناديق الضمان الاجتماعي التي تعاني سنويا من عجز مالي كبير، ما يضطر الدولة إلى دعمها بمبالغ ضخمة من أموال الخزينة.
وبما أن هذا النشاط غير المراقب ينتشر بشكل كبير، فإن تأثيره لا يقتصر على إضعاف الإيرادات العمومية فحسب، بل يمتد ليؤثر على الاقتصاد الوطني ككل فهو يخلق بيئة تنافسية غير عادلة بين القطاعين الرسمي والموازي، ويحد من قدرة الدولة على التخطيط الاقتصادي الفعال، مما يجعل معالجة هذه الظاهرة أولوية لضمان توازن السوق واستدامة الموارد المالية.
عوامــل التوسّـع
وقال في السياق، رغم أن انتشار الاقتصاد الموازي بشكل كبير قد يكون أمرا مفهوما في دول تعاني من الحروب أو الأزمات، إلا أن وضعنا مختلف تماما فنحن نعيش في استقرار سياسي وأمني، واقتصادنا في تحسن كبير لذلك، لا يوجد ما يبرر استمرار هذه النسبة العالية من النشاطات الموازية، خاصة وأنها تؤثر بشكل واضح على موارد الدولة وتضعف قدرة السوق على التطور، ولهذا من المهم العمل على تقليص هذه الظاهرة وإدماجها في الاقتصاد الرسمي حتى تستفيد البلاد من كل طاقاتها وإمكاناتها.يلجأ كثير من الأشخاص إلى العمل في السوق السوداء بهدف تفادي دفع الضرائب، والاشتراكات الاجتماعية، والرسوم المختلفة، وهو ما يسمح لهم بتقليل النفقات وزيادة هامش الأرباح هذا السلوك، رغم ما يحققه من مكاسب فردية، يضعف موارد الدولة ويحد من قدرتها على تمويل الخدمات العامة.
كما أن غلاء المعيشة وارتفاع تكاليف الحياة اليومية يدفعان شريحة واسعة من المواطنين إلى البحث عن مصادر دخل إضافية بعيدا عن الإطار الرسمي، الأمر الذي يعزز من انتشار الأنشطة الموازية في البلاد، وبهذا، تتحول هذه العوامل مجتمعة إلى محرك رئيسي يرسخ حضور الاقتصاد غير الرسمي في البلاد.
ضرائب أقلّ..اقتصاد أقوى
وأكد الخبير الاقتصادي أن أنجع السبل لإدماج القطاع الموازي في الاقتصاد الرسمي، مع الحفاظ على استقرار السوق، هي تخفيض معدلات الضرائب، خاصة على الأرباح وعلى الشركات الصغيرة والمتوسطة، هذا الإجراء يحقق هدفين أساسيين: توسيع قاعدة دافعي الضرائب، وزيادة الإيرادات الإجمالية حتى مع خفض النسبة، لأن عدد الممولين سيكون أكبر.
وأوضح أستاذ الاقتصاد، رفع الضرائب لا يعني بالضرورة زيادة المداخيل، بل قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى دفع الأفراد نحو التهرب الضريبي والابتعاد عن النظام الرسمي. في المقابل، فإن تخفيض الضرائب يشجع على الامتثال ودفع المستحقات، ويسهم في إدماج المزيد من النشاطات ضمن الإطار القانوني، وينطبق الأمر نفسه على اشتراكات الضمان الاجتماعي، إذ إن ارتفاعها يدفع الكثيرين إلى تجنب الانخراط في النظام والاكتفاء بالعمل في السوق الموازية.
وأضاف أن تجارب كثيرة في العالم بينت أن تخفيض الضرائب وتبسيط الإجراءات، مع تحسين الخدمات للمواطنين، يساعد على جذب الاستثمار وزيادة الثقة بين الناس والدولة، هذه الثقة تجعل الكثيرين يفضلون العمل في الإطار القانوني بدل السوق الموازية، مما يزيد من دخل الدولة ويساعد على استقرار صناديق الضمان الاجتماعي.
دعم المقاولين الصغار
تواصل الدولة جهودها للحد من حجم الاقتصاد الموازي من خلال سلسلة إجراءات، في مقدمتها دعم المقاولين الصغار أو ما يعرف بالمقاول الذاتي، ويأتي هذا التوجه في إطار سياسة تهدف إلى تشجيع الفئات النشطة في السوق غير الرسمية على الانتقال إلى النشاط القانوني، من خلال توفير امتيازات تحفزهم على الاستقرار وممارسة أعمالهم في بيئة منظمة، بدلا من العمل في قنوات غير خاضعة للرقابة.
ومن بين أهم هذه المزايا، تخفيض الضريبة الجمركية للمقاولين الصغار من 5 إلى 15 بالمائة، وهو فرق كبير يمنحهم قدرة تنافسية أكبر ويساعدهم على تقديم أسعار مناسبة في السوق، كما تم اعتماد نظام ضرائب بأرباح مخفضة يتلاءم مع حجم نشاطهم وإمكاناتهم المادية، ما ساعد على تخفيف الأعباء المالية التي كانت تدفع الكثير منهم للبقاء خارج الإطار الرسمي.هذه الإجراءات ساعدت على إدماج عدد معتبر من الشباب الذين كانوا يعملون في السوق الموازية، حيث أصبح بإمكانهم التسجيل كمقاولين قانونيين والحصول على بطاقة مقاول وبصفة رسمية معترف بها، هذا التحول لا يمنح فقط شعورا بالاستقرار والاعتراف، بل فتح أمامهم فرصا أوسع للتعامل مع مؤسسات الدولة والبنوك، والدخول في مشاريع أكبر وأكثر استدامة.أما على مستوى الاقتصاد الوطني، فقد كان لهذه السياسة أثر إيجابي، إذ ارتفعت نسبيا مداخيل الضرائب للخزينة العمومية، وبدأ حجم الاقتصاد الموازي يتراجع تدريجيا. وبذلك، نجحت الدولة في تحقيق هدفين أساسيين: توفير فرص عمل قانونية ومهيكلة للشباب، وتوسيع قاعدة دافعي الضرائب، بما يعزز التنمية الاقتصادية ويحافظ على توازن السوق.وعليه، فإن إدماج الاقتصاد الموازي في النظام الرسمي هو خطوة مهمة لزيادة دخل الدولة وتوفير فرص عمل منظمة للشباب، ولتحقيق ذلك يجب تخفيف الضرائب وتبسيط الإجراءات ومنح حوافز تشجع على العمل بشكل قانوني بهذه الطريقة، تكسب الدولة موارد إضافية، ويستفيد المواطنون من استقرار أكبر وفرص أفضل، مما يساعد على بناء اقتصاد أقوى وأكثر توازنا.