ارتكب النظام الفرنسي عدّة أخطاء نابعة من ذهنية رجعية، مع الجزائر، وهو ما تسبب في تدهور العلاقات الثنائية إلى حافة القطيعة، ودفع بالجزائريين إلى الالتفاف حول بلادهم، صادّين كل المحاولات الكولونيالية البائدة.
صحيح، أن الأزمة الحالية بين الجزائر وفرنسا، تجاوزت أو كادت، العام، ونجمت عن تحول مفاجئ في مواقف باريس، بحيث انتقلت من الحوار والتعاون إلى محاولة فرض قبضة حديدية وتغليب منطق العنف الدبلوماسي والإداري والإعلامي ضد كل ما هو جزائري.
لكن، الأزمة في حد ذاتها ليست وليدة لحظتها، وإنما انفجرت عقب تراكمات لمجموعة من الأخطاء، أولها التدخل الفاضح في الشؤون الداخلية للجزائر، عبر محاولة فرض المرحلة الانتقالية سنة 2019، وتقزيم الخيارات السيادية للجزائريين، باستخدام أدوات التخريب المتمثلة في الطابور الخامس ووسائل الإعلام.
لم تتقبل باريس مطلقا، فكرة الخيار الدستوري، وأخذ الجزائريين مصيرهم بأيديهم وحدهم، في مرحلة حساسة من التاريخ، رسمت فيها وبشكل واضح نهايات مسار النفوذ التقليدي لبعض القوى الإمبريالية وبداية بروز تحوّلات كبرى في العلاقات الدولية.
فرنسا كانت تدرك أن فقدان نفوذها في الجزائر، ولو رمزيا بتضاؤل فعالية أدوات قوتها الناعمة، سيكون له الثمن الباهظ على نفوذها الكلي في القارة الإفريقية، والنتيجة حدثت سريعا، حين غادرت قواتها قواعدها في الساحل الإفريقي وجزء من غرب إفريقيا.
كان هذا الإصرار على التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر، وبمنطق استعلائي، أحد أكبر أخطاء فرنسا مع الجزائر، وهو خطأ مزدوج من حيث التدخل في حدّ ذاته، ومن حيث عدم فهم الجزائر بالشكل الدقيق.
ومن بين الأخطاء أيضا، مواصلة تعاملها مع الجزائر بمنطق اقتصادي ريعي محض، إذ لم تظهر نية صادقة في الاستثمار أو التعاون على أساس قاعدة رابح-رابح، بل أرادت دائما الحصول على امتيازات لا نهاية لها، بحيث تنال حصتها في كل مشروع مشاريع الطلب العمومي، بنظام الكوطة.
وقد اعترف وزير الداخلية، برونو روتايو، أن من بين المشاكل بين البلدين، إقصاء الشركات الفرنسية من مشاريع الطلب العمومي، والمنطق يقول أن هذه الشركات مطالبة بالاستثمار في الجزائر والمساهمة في نقل الخبرة والتكنولوجيا، ولكنها لم تفعل.
وشركة «رونو» مثال حي، فهي أول من دخل صناعة السيارات في الجزائر سنة 2012، وبشرط الحصرية لمدة 03 سنوات، وبعد 13 سنة، اتضح أنها لم تقم بأي استثمار، ولم تحقق الحد الأدنى من نسبة الإدماج المتفق.
ولعل الخطأ القاتل كان تسليمها لملف العلاقات الثنائية إلى النزوات الاستعمارية لليمين المتطرف، والنتيجة أن العلاقات اليوم وصلت حافة الهاوية.
لقد جند النظام الفرنسي كل أبناء وأحفاد الأعضاء المؤسسين لمنظمة الجيش السري الإرهابية للتهجم على الجزائر، محاولا إخضاعها باستخدام الهجمات الإعلامية والتعدي المتكرر على الاتفاقيات الثنائية والقانون الدولي.
لم يوفق هذا النظام المرتبط بالفكر الاستعماري العنصري، في لعبة السيادة ضد الجزائر، حيث خسر كل الجولات لحد الآن، وكلما زاد من تصعيده، كلما اتضح فقدانه لتوازنه، وانكشف أمره، وانكشفت النوايا الخبيثة التي يخبئها للجزائريين.
ومن خلال تراكم الأحداث في خضم الأزمة الحالية، يتأكد أن بناء علاقة متوازنة قائمة على المصالح، مع الجزائر، ظلت آخر هم لباريس، فهي تريد شريكا استثنائيا منقوص السيادة، فلا شيء يفسر منع أعضاء السفارة الجزائرية في باريس من الوصول إلى الحقيبة الدبلوماسية إلا هاجس السيادة.
وفي انتظار ما سيسفر عنه المخاض السياسي هناك، سيواصل النظام الفرنسي ارتكاب مزيد من الأخطاء مع الجزائر، وكلما تلقى رد الفعل الصارم والمناسب، انكشف ارتباطه بالفكر الاستعماري وارتباطه الوثيق باللوبي الصهيو-مخزني.