الميزان التجاري بين الجزائر والدول الأوروبية غير متوازن
لم يكن الميزان التجاري بين الجزائر والدول الأوروبية متوازنا، حيث بلغت قيمة الواردات الجزائرية من الأسواق الأوروبية 225 مليار دولار، لم يترجم ثلثها إلى استثمارات، كما جاء في بنود اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، ما جعل من الضروري مراجعة هذا الاتفاق بما يخدم المصالح الاقتصادية للبلد.
من هذا المنطلق، يؤكد أساتذة في العلوم السياسية والاقتصاد في تصريح لـ«الشعب”، ضرورة مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، الذي كان مجحفا في حق الجزائر، بنحو يجعل من الجزائر الشريك بالند، ويحقق مصالحه الاقتصادية، على غرار شركائه الأوروبيين وفق مبدإ “رابح- رابح”.
أوضح الخبير فريد بن يحيى، في تصريح لـ«الشعب”، أن اتفاق الشراكة بن الجزائر والاتحاد الأوروبي، كان من المفروض أن يشكل إطار تعاون اقتصادي ومجال تجارة بينية يحقق مكاسب لكلا الطرفين، غير أن المستفيد الأكبر كانت الدول الأوروبية التي جعلت من الجزائر سوقا لتسويق وبيع سلعها، على حساب البضائع المحلية.ولفت الخبير الاقتصادي، إلى أن اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، لم يسفر عن أي استثمار أجنبي مباشر، رغم أن الاتفاقية نصت على استثمارات أوروبية بقيمة 70 مليار دولار، وبالتالي لم يترتب عنه استحداث مناصب عمل ولا نمو اقتصادي، وأصبح واضحا ومؤكدا أن هذا الاتفاق لم يوازن بين مصالح الطرفين الجزائري والأوروبي.
وأضاف الدكتور بن يحي، أن برنامج “ميدا-1” لم يحقق النجاح ولم تستفد منه الجزائر، فيما تضمن برنامج “ميدا-2 “ رفع الحواجز الجمركية وتصدير كل ما تنتجه أوروبا إلى بلادنا. وبالمقابل، كانت هناك وعود من قبل الاتحاد الأوروبي بعودة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الجزائر.
في السياق، أشار الخبير إلى أن قيمة الواردات الأوروبية إلى الجزائر بلغت أكثر من 225 مليار دولار، على أساس أن الثلث منها يعود إلى الجزائر على شكل استثمارات في القطاع الصناعي أو الخدماتي.. وباتت الجزائر سوقا للسلع الأوروبية، وهو ما تفطنت إليه الدولة منذ سنوات. وقد طالب رئيس الجمهورية سنة 2021 بإعادة تقييم اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي وإعادته إلى مساره الصحيح.
ويرى الخبير، أنه لابد من أن تشمل مراجعة الاتفاق عدة نقاط، منها الاستفادة من الخبرة الأوروبية في مجال تأهيل الشركات والتحويل التكنولوجي وتكوين العنصر البشري.
يعتقد الخبير، أنه من الضروري وضع استراتيجية واضحة بعيدة الأمد لمواجهة تحديات الأسواق الخارجية. ويرى كذلك ضرورة وضع الاستراتيجية الصناعية في أقرب الآجال مع الاستراتيجية الفلاحية الزراعية، لأن هذه الرؤية الاستراتيجية هي التي ستسمح لنا بالاستفادة من اتفاق شراكة ليس على حساب الاقتصاد من جهته يوضح أستاذ الاقتصاد البروفسور عرقوب واعلي، أن المنتوجات الجزائرية، حين إمضاء الاتفاقية قبل 20 سنة تقريبا، لم تكن بالتنافسية المطلوبة مع المنتجات الأوروبية، وبالتالي كان الاستيراد ضرورة ملحة لتغطية الحاجيات من السلع والخدمات، ما تسبب في خسارة سنوية تفوق (2) مليوني دولار نتيجة رفع القيود الجمركية.
وأفاد الخبير عرقوب، أن الجزائر ما بين 2005 (تاريخ إمضاء عقد الشراكة) إلى 2015 صدرت 14 مليار دولار، في حين استوردت قرابة 300 مليار دولار من المنتوجات الأوروبية المختلفة، وبالتالي كانت الدول الأوروبية الرابح الوحيد من هذا الاتفاق.
في السياق، أشار إلى أن رئيس الجمهورية كان واضحا جدا في قراره، المتضمن إعادة صياغة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، تماشيا والظروف الراهنة ومرحلة التحول الاقتصادي الذي تعيشه الجزائر اليوم، والتطور الذي تشهده عديد القطاعات.
كما حققت الجزائر نقلة نوعية في المجال الفلاحي، حيث تغطي حاليا 80٪ من الاحتياجات الوطنية من المنتوجات الفلاحية المحلية، وتسعى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب المادة الاستهلاكية الأساسية للجزائريين، كما أن هناك منتوجات مطلوبة بكثرة في الأسواق الأوروبية وهي تحقق التنافسية.
يرى الخبير عرقوب، أن اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لابد أن تعاد صياغته بندا بندا وعلى أساس قاعدة “رابح-رابح”، لأن الجزائر حققت قفزة اقتصادية كبيرة مثيرة للانتباه ومعترف لها بها من قبل دول أوروبية بنفسها، وبالتالي أصبحت تعامل الغير بندية، لأنها تملك من الثروات الباطنية والتي هي فوق الأرض، إضافة الى التطور الذي تشهده عديد القطاعات، على غرار الصناعة والفلاحة وحتى الخدمات، ما يؤهلها لتكون شريكا قويا للدول الأوروبية.
من جهته، يؤكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الدكتور حسام حمزة، أن الجزائر دولة محورية ولديها موقع جيو-استرتيجي مهم جدا، كما هناك تغير كبير ومعطيات جديدة حدثت منذ 2005 تاريخ إمضاء الاتفاقية، تستدعي التحيين وتكييف مضامين هذه الأخيرة في بعدها الاقتصادي، على نحو يراعي حجم الاقتصاد الذي وصلت إليه الجزائر، وحجم الطموحات الجزائرية على المستوى الإقليمي، ويعتقد أن هذه هي الأشياء الأساسية التي لابد من مراجعتها.
وبدقة أكبر، قال محدثنا إن الاتفاقيات المتعلقة بالتفكيك الجمركي، خاصة ما يتعلق بالمواد المصنعة والمواد الفلاحية، لابد من مراجعتها بنحو يسمح للجزائر بالولوج أكثر فأكثر إلى الأسواق الأوروبية، وأن تحظى بالأفضلية التي تحظى بها المنتوجات الأوروبية في بلادنا.