رفــــــــع مستـوى التكويــــن لاكتســـاب مــــــهارات في التعامــــل مع الحالات الحرجــــة
يعتبر قطاع الصّحة ضمن الأولويات الإستراتيجية للحكومة، خاصة في ظل تزايد التحديات الصّحية والإصلاحات الجوهرية التي يشهدها، ويعدّ تطوير المنظومة الصّحية ضرورة حتمية لتحقيق التنمية، ومن خلال توفير رعاية طبية ذات جودة تستجيب لاحتياجات المواطنين، مع التركيز بشكل خاص على الحالات الاستعجالية، التي تمثل مقياسا حقيقيا لكفاءة وفعالية أي نظام صحي.
ناقش الاجتماع الأخير للحكومة مجموعة من القضايا والملفات المتعلّقة بالقطاع الصحي، سيما ما تعلّق بمدى تقدّم إنجاز وتجهيز مختلف الهياكل الصّحية وهذا تنفيذا للالتزامات التي تعهّد بها رئيس الجمهورية، لا سيما ما تعلّق بإنشاء مستشفيات استعجالية وتحسين ظروف استقبال المرضى في مصالح الاستعجالات، حيث يعكس هذا الاهتمام الإرادة السياسية لإصلاح المنظومة الصحية، ليس فقط من خلال بناء منشآت جديدة، ولكن عبر إرساء آليات تنظيمية حديثة تضمن التكفّل الأمثل بمرضى في جميع ربوع الوطن.
ويعد تحسين جودة الخدمات الصّحية من أولويات الحكومة وهذا من خلال تعزيز كفاءة الطواقم الطبية وتزويد المستشفيات بالمعدات الحديثة، إلى جانب وضع استراتيجيات فعالة لضمان استمرارية الرعاية الصحية، وفي هذا السياق تم التأكيد في عديد المناسبات على ضرورة التنسيق بين مختلف القطاعات المعنية لتذليل العقبات الإدارية واللوجستية، بما يساهم في تسريع وتيرة الإنجاز وتحقيق الأهداف المرجوّة.
في هذا الصدد، شدّد الخبير والمهتم بشؤون القطاع الصحي، كليبي بدرالدين، في تصريح لـ»الشّعب» على ضرورة إعادة هيكلة مصالح الاستعجالات الطبية لضمان فعالية التدخلات الطبية، وأوضح أنّ هذه المصالح تعدّ من أكثر الأقسام حساسية داخل المنظومة الصحية، حيث تمثل نقطة الاتصال الأولى بين المواطن والخدمات الصحية في الحالات الطارئة، وأكّد أنّ أي خلل في تنظيمها وهيكلتها ينعكس بشكل مباشر على جودة الخدمات الطبية المقدمة.
وجاء قرار الحكومة بإعادة تنظيم مصالح الاستعجالات كخطوة لتعزيز التكفّل بالحالات الطارئة وضمان استجابة سريعة وفعّالة، وتهدف هذه العملية، حسب المتحدّث، إلى تحسين آليات الفرز الطبي من خلال اعتماد نظام فرز متطوّر في بعض المصالح، ممّا يتيح تصنيف الحالات وفقا لدرجة خطورتها، حيث يساهم هذا النظام في منح الأولوية للحالات الحرجة، مع تقليل فترة الانتظار للحالات الأقل خطورة، ممّا يعزّز جودة الخدمات الصحية.وأكّد كليبي على ضرورة توفير الموارد البشرية والتجهيزات في مصالح الاستعجالات، وكذا عدد كاف من الأطباء والممرّضين والتقنيّين، إضافة إلى تجهيزات حديثة لضمان خدمات عالية الجودة، كما اقترح إنشاء إدارة وصيدلية مستقلّتين، مع متابعة يومية من مديريات الصحة، وإنشاء مصالح خاصة للتكفل المباشر بالمرضى، وتحسين آليات تحويلهم لتخفيف الضغط على المستشفيات.
ومن خلال رقمنة الملفات الطبية وتطوير أنظمة معلوماتية يسهل التواصل بين مختلف المصالح الصحية، ويمكن تقديم خدمات صحية أكثر كفاءة وفي هذا السياق، أكّد المتحدث على أهمية المتابعة المستمرة، ودعا الجهات المعنية إلى الإشراف اليومي على عملية الرقمنة، مع إنشاء مصلحة مستقلة ضمن مديريات الصحة في جميع المستشفيات لضمان المراقبة والتدقيق المستمر.
وأفاد أيضا، بأنّ تحسين ظروف العمل يعد شرطا أساسيا لنجاح الإصلاحات، وذلك من خلال إقرار منح جديدة لمصالح الاستعجالات، كما شدّد على ضرورة إشراك الفاعلين الأساسيّين في القطاع، وعلى رأسهم الأطباء، الممرّضين، والتقنيّين، باعتبارهم حجر الأساس في تقديم الخدمات الصحية، لذا فإنّ توفير بيئة عمل مناسبة لهؤلاء المهنيّين يعد عنصرا جوهريا في عملية إعادة تنظيم الاستعجالات.
وأشار إلى ضرورة رفع مستوى التكوين من خلال دورات تدريبية متخصّصة، لتمكين الطاقم الطبي من اكتساب مهارات جديدة في التعامل مع الحالات الحرجة، كما أكّد على أهمية إشراك الخبراء والشركاء في رسم السياسات الصحية، لضمان توافق القرارات مع احتياجات العاملين في القطاع، وخلق بيئة حوار بناءة تُسهم في تطوير المنظومة الصحية.
وأكّد كليبي، أنّ التكامل بين الإصلاحات الصحية والسياسة الوطنية يعد منظورا استراتيجيا بالغ الأهمية، إذ أنّ إصلاح قطاع الاستعجالات ليس مجرّد إجراء إداري، بل هو جزء من رؤية وطنية شاملة تهدف إلى تعزيز الأمن الصحي للمواطنين، معتبرا أنّ الصحة تشكل ركيزة أساسية لتحقيق التنمية والاستقرار الاجتماعي، حيث أنّ وجود منظومة صحية قوية يساهم في بناء مجتمع أكثر صحة واستقرارا.
وأضاف المختص في الشأن الصحي، أنّ تطوير المنظومة الصحية لا يقتصر على أثره الداخلي فقط، بل يعزّز أيضا صورة الجزائر على الساحة الدولية، حيث يعكس التزامها بضمان حقوق الإنسان الأساسية، وعلى رأسها الحق في الصحة، كما أنّ تحسين قطاع الاستعجالات قد يفتح المجال لتعزيز التعاون الصحي مع الدول الصديقة، سواء من خلال تبادل الخبرات أو جذب الاستثمارات في المجال الطبي.
وصرّح المتحدث، الاستثمار في القطاع الصحي يعزّز قدرة الجزائر على لعب دور محوري في القضايا الصحية الإقليمية والدولية، خاصة في ظل التحديات الصحية المتزايدة مثل الأوبئة والأمراض المزمنة، وهذا من شأنه تعزيز علاقات الجزائر مع شركائها الدوليّين، ويفتح آفاقا جديدة للتعاون في مجالات البحث الطبي والتكنولوجيا الحيوية، ممّا يرسّخ مكانتها كقوة إقليمية رائدة في المجال الصحي.
واختتم الخبير والمختص في الشأن الصحي حديثه بالتأكيد على أنّ الجزائر، تقف اليوم أمام فرصة تاريخية لإحداث تحوّل جذري في قطاع الصحة، وذلك من خلال اعتماد إصلاحات عميقة تضمن لكل مواطن الحق في الحصول على رعاية صحية ذات جودة عالية، ورغم أنّ المسار مزال طويلا، إلّا أنّ توفّر إرادة سياسية قوية، إلى جانب التنسيق المستمر بين الدولة، المهنيّين، والمجتمع، يمثلان حجر الأساس لتحقيق النهضة الصّحية المنشودة.