في ظل استمرار الاستفزازات الفرنسية ومحاولات التلاعب بالذاكرة التاريخية، أعلن رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي، أمس، عن تنصيب لجنة برلمانية خاصة تتولى صياغة مقترح قانون لتجريم الاستعمار، وتشمل ممثلين عن كل المجموعات البرلمانية، تجاوبا مع إجماع كل التيارات السياسية حول هذا الموضوع.
أكد بوغالي، أن تنصيب اللجنة المكلفة بصياغة هذا القانون، والتي تعد الأولى من نوعها، بعدما ارتبطت المساعي بمبادرات برلمانية فردية، يمثل تكريما «لذاكرة أسلافنا الميامين من جيل المقاومة إلى جيل الثورة التحريرية المجيدة».
وأشار بوغالي، لدى ترؤسه اجتماعا خاصا، بالمجلس الشعبي الوطني، أن الخطوة تمثل استجابة للمطالب الوطنية المتكررة بضرورة الاعتراف بالجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في الجزائر، ومعالجتها بإنصاف، خصوصًا في ظل التصريحات والمواقف الفرنسية التي تعكس نية الاستعمار الجديد في طمس الحقيقة أو الالتفاف عليها.
وأكد بوغالي في كلمة له، تزامنت مع إحياء ذكرى استشهاد الصحفي والمحامي علي بومنجل، أن الجزائر لا تتعامل مع ملف الذاكرة الوطنية كمجرد ورقة تفاوضية أو أداة للضغط السياسي، بل تراه التزامًا وطنيًا وأخلاقيًا لا يمكن التنازل عنه.
وقال بوغالي، «نلتقي في يوم من أيام الجزائر الخالدة، التي تروي جوانب الذاكرة الجماعية للشعب الجزائري بآلامها العميقة وأمجادها السامقة.. إنه شهر الشهداء والنصر». مضيفا، «في مثل هذا اليوم، من عام 1957، اقترف الاستعمار الفرنسي جريمة اغتيال في حق أحد أبناء الجزائر البررة الأفذاذ الذين امتهنوا المحاماة للمرافعة ولإنصاف المقهورين والمظلومين والدفاع عن إنصاف الحق».
وتابع رئيس المجلس، «نستعيد اليوم ذكرى الشهيد علي بومنجل، ليكون أحد رموز الثورة التحريرية المجيدة، الذين غيبت حقيقة ظروف استشهادهم لأكثر من ستة عقود، حيث اكتفت الرواية الاستعمارية آنذاك على إعلان خبر انتحاره قبل أن تعترف رسميا في 2 مارس 2021 «أنه لم ينتحر.. نعم فقد عذب وقتل».
وشدد بوغالي، على أن الاستفزازات الفرنسية المتكررة لن تثني الجزائر عن حقها المشروع في المطالبة بالاعتراف الكامل بالجرائم التي ارتكبها الاحتلال الفرنسي ضد الشعب الجزائري. وأشار إلى أن هذه الجرائم ليست مجرد أحداث معزولة، بل هي سجل طويل من الانتهاكات التي وثقتها شهادات الناجين والمؤرخين، كما اعترف بها بعض المسؤولين الفرنسيين أنفسهم.
وأكد بوغالي، أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، كان واضحا كل الوضوح حين صرح: «أن ملف الذاكرة لا يتآكل بالتقادم أو التناسي ولا يقبل التنازل أو المساومة، وسيبقى في صميم انشغالاتنا حتى تتحقق معالجته معالجة موضوعية ومنصفة للحقيقة التاريخية».
وذكر بوغالي، بأن مسألة تجريم الاستعمار حظيت باهتمام المشرّع الجزائري على الأقل منذ الفترة التشريعية الرابعة بمجموع 5 مقترحات قانون من مختلف التشكيلات السياسية الوطنية الممثلة في المجلس الشعبي الوطني.
وتزامن الإعلان عن تشكيل اللجنة مع تصاعد التوترات بين الجزائر وفرنسا، خاصة بعد سلسلة من التصريحات الاستفزازية لمسؤولين فرنسيين، ومحاولات بعض الجهات في فرنسا إعادة كتابة التاريخ بما يخدم الرواية الاستعمارية.
وأكد بوغالي، أن هذه الممارسات لن تؤثر على عزم الجزائر في المطالبة بحقوقها، بل ستزيدها إصرارًا على كشف الحقيقة وتحقيق العدالة التاريخية، لافتا إلى أن بعض الأقلام الحرة في فرنسا تحاول توثيق جرائم الاستعمار التي ارتكبت بحق الشعب الجزائري والتذكير بطابعها الإجرامي في وسائل الإعلام الفرنسية غير مكترثة بما تتعرض له من مضايقات لإسكاتها وحملها على إخفاء تلك الحقائق التي تأبى التبدد.
أعضاء اللجنة
تضم اللجنة البرلمانية ممثلين عن مختلف التشكيلات السياسية في المجلس الشعبي الوطني، وهي مكلفة بصياغة مقترح قانون شامل يستند إلى الوثائق التاريخية والشهادات الموثقة. كما ستستعين بكفاءات وخبراء في القانون والتاريخ لضمان إعداد مشروع قانون متكامل يعكس حجم الجرائم المرتكبة، ويؤسس لحق الجزائر في المطالبة بالتعويضات واسترجاع الحقوق المسلوبة.
وتتشكل من النائب جوزي مزيان، عن حزب جبهة التحرير الوطني، النائب بيدة فاطمة عن مجموعة الأحرار، بلخير زكريا عن حركة مجتمع السلم، إسماعيل ميرة عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي، النائب فاتح بريكات عن جبهة المستقبل، النائب كمال بن خلوف عن حركة البناء الوطني والنائب قادري عبد الرحمن.
وقال بوغالي، إن اللجنة ستمكن من ضروريات العمل للقيام بمهامها على أكمل وجه، ويمكنها من الاستئناس بكل الكفاءات والخبراء والحقوقيين المهتمين بمسائل الذاكرة والجرائم المقترفة في حق الجزائر، الإنسان والتاريخ في الحقيقة التاريخية 1830-1962.
ولفت المتحدث، أن أهمية التاريخ لا تكمن في استحضار الأحداث فحسب، وإنما في الاعتبار منها وتفادي «تمجيد ما لا يمجد والأصح والأصوب هو أن يجرّم»، ولا يمكن أن يوصف بما هو أقل من التجريم ومنها على سبيل الذكر وليس الحصر «محرقة الظهرة 1845، جريمة الأغواط التي استعمل فيها الاحتلال الأسلحة البيولوجية سنة 1852، مجازر 1945، التجارب الكيماوية في وادي الناموس، والتفجيرات النووية برقان وإن أكر وزرع الألغام المضادة للأفراد وإقامة المحتشدات والمعتقلات وحجز رفات الشهداء في مخازن المتاحف وغيرها.
وأوضح بوغالي، أن هذه المبادرة تتماشى مع الجهود الإفريقية والدولية لمحاسبة القوى الاستعمارية السابقة، مشيرًا إلى أن الاتحاد الإفريقي سبق أن صنف الاستعمار ضمن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية. وأكد أن الجزائر ستواصل العمل مع الدول الإفريقية والشعوب الحرة في العالم لتجريم الاستعمار، وإلزام القوى الاستعمارية السابقة على تحمل مسؤولياتها التاريخية.
كما لم يغفل بوغالي، الإشارة إلى معاناة الشعب الفلسطيني، الذي لايزال يواجه الاستعمار الصهيوني بأبشع صوره، مؤكدًا أن الجزائر، التي خاضت تجربة مريرة تحت الاحتلال، ستظل داعمة للقضايا العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وستواصل جهودها من أجل إنهاء الاستعمار بجميع أشكاله.
ومن المرتقب، أن تبدأ اللجنة اجتماعاتها مع مندوبي المقترحات السابقة، خلال هذا الأسبوع. وبحسب مصادر متطابقة، فإنها ستبدأ الأمور الجادة سريعا، وبشكل مكثف، من أجل صياغة مشروع القانون في آجال زمنية لا تتعدى الشهر، على أمل أن يعرض للنقاش قبل نهاية الدورة البرلمانية الحالية.