أكّد وزير الصحة، عبد الرحمان بن بوزيد، أنّ الجزائر “لن تدّخر أي جهد في سبيل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، سيما ما يتعلق بضمان تمتّع الجميع بأنماط عيش صحية، وبالرفاهية في جميع الأعمار”.
أوضح بن بوزيد في كلمة له بمناسبة إحياء اليوم العالمي للصحة 2022 بالجزائر العاصمة، أنّ “الجزائر، وعلى غرار العديد من دول العالم، تعهّدت بمناسبة اعتماد خطة عام 2030، بألاّ تدّخر أي جهد في سبيل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، سيما الهدف الرامي إلى العمل من أجل ضمان تمتع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية في جميع الأعمار”.
وفي هذا الصدد - يضيف الوزير - فإنّ “بلادنا، وإدراكا منها بالتحدي الجوهري المتمثل في الحفاظ على البيئة في التنمية المستدامة، صادقت على التزامات دولية مختلفة، وتعمل على إدراج البعد البيئي ضمن كافة الاستراتيجيات والبرامج الصحية الوطنية”.
وبالمناسبة، أشاد بن بوزيد بجميع عمال قطاع الصحة على “تفانيهم وتضحياتهم في مكافحة وباء كوفيد-19”، كما حيّا الجهود التي تبذلها كافة الوزارات في إطار الاستجابة الوطنية.
وأشار في ذات السياق، إلى أنّ “كوكبنا يتعرّض إلى المخاطر بشكل متزايد بسبب العواقب الدائمة لنمط عيشنا، الذي يؤثّر بشكل عميق على صحة ورفاهية الجميع، إذ أنّ القدرة على إدراك التأثيرات المرضية للعوامل البيئية تسمح لنا بوضع إجراءات صحية وقائية قادرة على الحد من معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات، والتقليل من تأثيرها على العبء المالي للنظام الصحي، وهو ما سيسمح أيضا بالعمل مع قطاعات أخرى تؤثّر أنشطتها على عدد كبير من العوامل البيئية الأساسية التي تؤثّر بشكل مباشر وغير مباشر على الصحة”.
وذكر وزير الصحة بأنّ 23 % من مجموع الوفيات تعود إلى عوامل بيئية، حسب المنظمة العالمية للصحة، إذ تختلف مساهمة البيئة في الأمراض المختلفة من منطقة إلى أخرى، داعيا الى ضرورة اتخاذ إجراءات للحد من الوفيات الناجمة عن حالات الالتهابات والتسممات الحادة، وكذا الظروف المناخية القاسية وتلوث الهواء في المناطق الحضرية.
كما لفت الوزير إلى ضرورة اتخاذ “إجراءات عاجلة لحماية السكان من اضطرابات السمع المبكرة، الحد من الأمراض المتنقلة عن طريق المياه وتعزيز التشريعات المتعلقة بالإسكان، سيما من خلال إدراج مجموع المخاطر المرتبطة بالتعرض للمعادن الثقيلة”.
وقصد تقييم الوضع حول الإشكالية المتعلقة بارتباط الصحة والبيئة، دعا السيد بن بوزيد إلى “اغتنام الفرصة لهيكلة أعمالنا في إطار منسق مع جميع القطاعات، وإنشاء إطار لمتابعة وتقييم الإجراءات ضمن مقاربة متعددة القطاعات والتكوين، ورفع مستوى مهارات المهنيين المكلفين بالأمراض المتعلقة بالبيئة”، مبرزا أن “المرحلة الراهنة تواجه تحدي ضمان مشاركة طويلة الأمد للحركة الجمعوية والقطاعات المشتركة، والتنفيذ الفعلي للإجراءات الخاصة بتحسين نوعية حياة المواطنين”.
من جانبها، دعت المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية في إفريقيا، ماتشيديسو مويتي، التي حضرت هذا اللقاء، الحكومات الإفريقية إلى “التعجيل باتخاذ تدابير للتخفيف من حدوث ارتفاع في الأمراض المرتبطة بالبيئة، وبأنماط العيش غير المناسبة”.
ولفتت بالمناسبة إلى أنّ “أزيد من 13 مليون وفاة سنويا في العالم سببها عوامل بيئية، في وقت ينتظر أن يصل فيه عدد سكان القارة الإفريقية إلى 2.5 مليار نسمة مطلع 2050”، محذّرة من “إمكانية أن يصاحب هذا الارتفاع في عدد السكان ارتفاع في الأمراض والوفيات خصوصا في المناطق المعرضة للأخطار الطبيعية”.
بن سماعيل وحساني قامتان
كان الأستاذان في الطب بلقاسم بن سماعيل (1931-2002) المختص في الأمراض العقلية ومصطفى حساني (1950-2021)، جراح ورئيس سابق لمصلحة الاستعجالات بالمركز الاستشفائي الجامعي لقسنطينة، قامتان علميتان في خدمة الصحة العمومية، باعتراف أطباء تعلموا على أيديهم المهنة.
فالبروفيسور بن سماعيل أحد مؤسسي طب الأمراض العقلية في الجزائر الحديثة، كرّس حياته من أجل ترقية الصحة العقلية، فيما كان البروفيسور حساني ينقذ بعملياته الجراحية آلاف المرضى.
وقد ساهم هذان الأخصائيان في تكوين عدة أجيال من الأطباء الذين أصبحوا “فخرا للجزائر”، حسبما ما ورد في شهادات لممارسين أدلوا بها بمناسبة إحياء اليوم العالمي للصحة (7 أفريل).
وأكّدت لوكالة الأنباء الجزائرية في هذا السياق، البروفيسور زهرة مضوي محبوب، مختصة في العلاج النفسي ورئيسة مصلحة بمستشفى الأمراض العقلية بجبل الوحش بقسنطينة، أن الراحل بن سماعيل قد علّمها الطب العقلي.
وقالت: “لقد اكتشفت وأحببت طب الأمراض العقلية بفضل البروفيسور بن سماعيل، الذي نقل لي طيلة مساري في مهنة الطب فن التعاطف والاستماع للمرضى. لقد كان أستاذا يتمتع بثقافة واسعة، كما كان قريبا جدا من طلابه”.
بدوره، ذكر كريم بن سماعيل نجل البروفيسور الراحل أنّ والده درس الطب وتخصّص في الأمراض العقلية بفرنسا قبل أن يعود إلى الجزائر غداة الاستقلال “للمساهمة في المجهودات المبذولة في مجال الصحة العمومية”.
أمّا عزيز كعبوش المختص في علم النفس، فأشار إلى أنّ الفقيد بن سماعيل قد أخذ على عاتقه مهمة إعادة تنظيم الهياكل المخصصة للرعاية النفسية، وجعل من التكوين الركيزة الأساسية وذلك طيلة مسيرته المهنية.
وأضاف: “لقد وضع الأسس الأولى للصحة العمومية في طب الأمراض العقلية، وذلك بإعادة تنظيم مصلحة الأمراض العقلية بالمركز الاستشفائي الجامعي لقسنطينة من خلال المساهمة في إنشاء مراكز لطب الأمراض العقلية والمشاركة في التحضير لبناء المستشفى الحالي للأمراض العقلية بجبل الوحش”. كما كان هذا البروفيسور الذي تحمل كلية الطب بقسنطينة اسمه جد ملتزم من الناحية البيداغوجية.
وعمل البروفيسور بن سماعيل على التوقيع على عدة اتفاقيات تكوين وتبادل مع مراكز استشفائية جامعية فرنسية، من بينها تلك الموجودة بتولوز وستراسبورغ وباريس، بما يضمن للطلبة تكوينا في المستوى في مجال طب الأمراض العقلية وبالتالي تكفل أحسن بالمرضى. كما كتب هذا الممارس البارز الذي دفن بعد وفاته بمسقط رأسه عين مخلوف بولاية قالمة، عدة مؤلفات تتناول بالأساس الروابط بين الثقافة والتقاليد في المغرب العربي وطب الأمراض العقلية.
استثنائي في نقل المعرفة
برأي البروفيسور، المختص في الإنعاش ووزير سابق للصحة، عبد الحميد أبركان، فإن البروفيسور حساني ينتمي إلى “الدفعات الأولى التي تكوّنت بصفة كاملة بقسنطينة”.
وقال أيضا: “لقد كان من الطلبة النجباء ودائما ضمن الأوائل، ويجيد اللغتين العربية والفرنسية، حيث استفاد من تكوين جيد على الصعيدين المحلي والدولي في تخصص الجراحة من خلال ممارسة هامة في المناوبات والاستعجالات على الخصوص”.
كما أضاف: “حساني كانت له شخصية قوية وروح الفكاهة واتصال جيد مع زملائه في العمل، وكذلك مع المرضى وكان دائما حاضرا في المستشفى لإنقاذ حياة المرضى”.
وحسب نفس المتحدث، كان الراحل “يكرّس كامل وقته للمستشفى، وزاوج بين عمله كجراح مكون وناقلا للمعرفة، وذلك بتواضع وبصرامة علمية ووفقا للأخلاقيات”.
ويتذكّر نجله نذير حساني عندما كان طفلا أن البروفيسور الراحل كان صارما معه ومع أخيه البكر كريم. وقال في هذا الصدد: “لم يكن والدي يتساهل فيما يتعلق بالدراسة، لقد كان يراقبني وأخي عن كثب، لكن بمجرد حصولي على البكالوريا، أصبح أفضل صديق لي، حيث كان يشاركنا الخرجات والجولات واللحظات الممتعة”. كما ذكر نذير أنّ والده الراحل قد “ظل مرتبطا بأصوله التي تعود إلى سيدي رغيس (أم البواقي)، وكان لديه حب لا ينضب للجزائر الذي جعله نقطة شرف لنقله إليهم”.
وأضاف: “ظل والدي يقول، الجزائر أعطتني الكثير من الأشياء، لقد ولدت في مكان ضائع وسمح لي بلدي بالوصول إلى ما أنا عليه’’، مشيرًا إلى أن والده الفقيد كان يرى “خدمة الصحة العمومية واجبا تجاه بلده’’.
كما ذكر نذير أنّ والده الراحل مصطفى حساني كان يتمنى أن يرى مشروع المركز الاستشفائي الجديد للمدينة، مجسّدا على أرض الواقع.
وتذكر في ذات السياق كذلك، أن والده كان دائما يقول: “إن قسنطينة بحاجة إلى مستشفى جديد من أجل تكفل أفضل بالمرضى”.