لم يشهد قطاع نقل المسافرين بولاية بومرداس حالة من والفوضى مثلما وصلها هذه الأيام بشهادة المسافرين من عمال وطلبة الذين سئموا من هذه الوضعية المتدهورة وسط صمت من طرف السلطات الولائية بعدما أصبحت مديرية النقل مغلوبة على أمرها ورهينة تعطل مشاريع القطاع خاصة المحطات الحضرية، ومصير مخطط النقل لمعالجة تداخل الخطوط وتعجرف أصحاب المركبات الذين تمردوا على رزنامة التوقيت وحتى العودة من نصف الطريق دون ادني مشاعر للمسافرين..
قضية قطاع النقل بولاية بومرداس استنفذت كل طرق التنديد والاحتجاج من طرف المسافرين بما فيها مساعي أعضاء المجلس الشعبي الولائي الذين فضحوا في آخر تقرير لهم وضعية قطاع نقل المسافرين خاصة منها شبه المحطات الموجودة في كل من بودواو، برج منايل وعاصمة الولاية التي تغيب فيها شروط الراحة من أماكن محترمة للجلوس وانتظار الحافلات، مرافق الخدمات ناهيك عن غياب ادني متطلبات التهيئة في الأرضية على غرار ما تشهده المحطة المركزية، حيث يعاني المسافرون من الغبار المتطاير والفوضى في رحلة الصفى والمروة من حافلة إلى أخرى لعلهم يحظون بمكان في بعض الخطوط الداخلية التي ترمز لحقبة بائسة لما وصل إليه هذا الشريان الحيوي في حياة المجتمعات العصرية.
كما لا تزال بلديات الولاية تفتقد لمحطات نقل وتكتفي بأروقة ضيقة على الأرصفة والطرقات رغم الإعلان منذ أكثر من 5 سنوات عن مشروع لانجاز 9 محطات حضرية في كل دائرة وأقطاب متعددة بما فيها المحطة المركزية، وبالتالي ازدادت الوضعية سوء كأنها مشكلة بلا حل أو قدر محتوم على سكان هذه الولاية السياحية التي لا تبعد على العاصمة سوى 45 كلم، ولم يجد بعض المواطنين كالعمال والطلبة الذين انهكهم الوضع من وسيلة للتعبير إلا وسائل التواصل الاجتماعي علها تجد صدى لدى المعنيين بالملف بعد أن أطبقت السلطات الولائية هي الأخرى الصمت ولم تحرك ساكنا.
خط دلس بومرداس تجاوزات بالجملة
ليس كمن رأى وعايش كمن سمع..مثال أو تعبير يدل على دقة الوصف ونقل الأحداث بتفاصيلها بالنسبة لمن وقف على واقعة أو تابع مراحلها بكل ما تحمله من عذابات داخلية على هذا الوضع، وهو ما ينطبق على الخط الرابط بين دلس وعاصمة الولاية عبر الطريق الوطني رقم 24 الساحلي لمسافة تصل إلى 60 كلم، حيث كانت الشعب شاهدة عن قرب قبل أيام في رحلة العودة مساء على ممارسات ما يعانيه المواطنون يوميا، عشرات المسافرين متكدسين في المواقف والأرصفة ينتظرون شبه حافلة قد تعيدهم إلى مقر سكناهم، آخرون قلقون جدا حائرون ما ذا بوسعهم أن يفعلوا خاصة بالنسبة للفتيات من طلبة الجامعة بعدما تعدت الساعة الخامسة مساء وتقلص حظوظ العودة بعد اقتراب انتهاء رحلة آخر حافلة.
الفضول دفعنا إلى الاقتراب من أحد المسافرين كان ينتظر على مستوى موقف المحكمة للسؤال عن في هذا الخط؟ لماذا كل هذه الحركات بين الذهاب من موقف لآخر من طرف المسافرين من اجل ركوب الحافلة رغم أننا كنا ضحية لهذه المأساة هكذا كما ترى يوميا نعيش هذه الوضعية صباح مساء وبالخصوص بعد الساعة الثالثة زوالا حيث يبدأ العمال والطلبة في الخروج، نفضل أن نأتي لهذا الموقف لأخذ مكان في الحافلة قبل أن تدخل المحطة وأحيانا يتعمد السائق الدوران هنا وسط الطريق بعد أن تمتلئ كل المقاعد الحافلة الصغيرة، لكن اليوم تغير ميزاج السائقين ولم نعرف ماذا يجري، ربما يفضلون العودة بمدخل الولاية أو في موقف الثانوية وسط بومرداس.
فضلنا الصمت قليلا وسط هيجان داخلي وهي ميزة كانت بادية على كل المسافرين المتجهين في هذا الخط، ثم عاودنا الكرة ثانية لنسأل نفس الشخص، كم من الوقت مر عليك في الانتظار هنا ؟، رد بهدوء أكثر من ساعة ونصف ولم نعرف ماذا نفعل، لم تدخل ولا حافلة طيلة هذه المدة ولم تخرج واحدة من المحطة أيضا رغم علمنا انه المسار المحدد، فقلت في نفسي هي نفس الفترة التي قضيتها انا هنا، هذه الحالة المشتركة دفعتنا للدخول في نقاش عن مشاكل النقل بولاية بومرداس الذي لا يقتصر في الحقيقة فقط على هذا الخط بل عبر اغلب الخطوط كخط بومرداس برج منايل، يسر، حيث يفضل أصحاب المركبات العودة من الثنية دون دخول الولاية في تعد صارخ على القانون ومسار الخط المحدد من قبل مديرية النقل.
بعد مدة أدركنا انه حان الوقت للتحرك للبحث عن حظنا في موقف آخر ذلك الموجود قبالة مركز البريد المعروف «بمحطة الثانوية»، هنا كانت دهشتنا كبيرة، عشرات المسافرين من كل الفئات، الساعة حوالي السادسة، لم يبق في هذه الساحة إلا مسافري هذا الخط باتجاه رأس جنات، سيدي داود ودلس، أشخاص أنهكهم التعب من شدة الوقوف، فجأة دخلت حافلة لكنها كانت شبه ممتلئة اغلبهم صعد بمدخل المدينة، اندفاع كبير لموجة من الأشخاص أكثرهم نساء، شاب صعد من النافذة الخلفية للحافلة فتدخل القابض وبدأت معركة بالأيدي كل ذلك وسط دهشة وسخرية من المارة والشباب الجالس في المقاهي المجاورة الذين تساءلوا في داخلهم ماذا يجري لهؤلاء البؤساء، ما هذا المشهد المسرحي الساخر؟ أناس مساكين يعيشون في عصور بالية.
بعد لحظات دخلت حافلة ثانية نفس الأمر ثم الثالثة التي تبدوا كانت الأخيرة لكنها في اتجاه بلدية سيدي داود، بمعنى كل المسافرين المتجهين نحو المحطة النهائية بدلس واعفير عليهم النزول بالساحل، ثم بداية مغامرة أخرى مع بداية الليل للوصل إلى البيت، وغدا تبدأ مغامرة جديدة في انتظار موقف مديرية النقل وتدخل المعنيين لوقف جماح أصحاب المركبات المتحكمين في رقاب المسافرين ويفعلون ما يشاؤون في غياب الرقيب والبديل من وسائل النقل الأخرى بالنسبة لسكان هذه المنطقة الشرقية من الولاية الذين استسلموا لواقع مر يبدوا انه فرجه ليس بقريب.