يعد الخروب ولمدة زمنية طويلة المصدر الرئيسي للرزق لدى العديد من العائلات، إلا أن هذه الثروة مهددة بالزوال لأن منتيجها من الفلاحين تراجعوا عن ممارستها، وابتعدوا عنها لأنها لا تكسبهم الربح.
لذلك فإنّ شجرة «الخروب» من الأشجار القديمة المعمرة التي تنافس شجرة الزيتون، في الامتداد عبر مساحات شاسعة من الأراضي المتوسطة، والتي لاقت دائما اهتماما من أجل تحقيق منتوج وفير، لأن هذا النوع من الزراعة كان مصدر دخل للمنتجين بتلك الأراضي.
وفي هذا الصدد، أكّد عمي «محند»، فلاح بمنطقة برباشة لـ «الشعب»، «في الآونة الأخيرة عرفت أشجار الخروب إهمالا كبيرا لقلة منتجيها، رغم أن هذا المنتوج كان ولمدة لقمة عيش الكثير من العائلات، لأنه كان في متناول الجميع يسد رمق الفقراء.
إضافة إلى ذلك، فقد كان الخروب مصدرا للمال والتجارة بالنسبة للعائلات العريقة، إلا أنه اليوم يفقد قيمته التي اكتسبها عبر التاريخ كثمرة يانعة، وتبقى ثمرة مطلوبة بالرغم من قلة منتوجها، لأن ثمنها يتراوح ما بين 2000 و2500 دج للقنطار، ورغم ذلك فإن محصول الخروب غير وفير مقارنة بالماضي، حيث أن أغلب أشجاره تلهمها العشرات وتغزوها من كل الجهات، فتقضي عليها وتبقى ثمارها تفتقد إلى الاهتمام والمتابعة».
أما السيد هلواش مزارع بإحدى القرى الواقعة بغرب مدينة بجاية، فيقول: «تعدّدت أسباب إهمال شجرة الخروب خلال الآونة الآخرة، إلا أن السبب الرئيسي يعود إلى تحسن الظروف الاجتماعية، إضافة إلى نزوح المزارعين عن أراضيهم، خاصة بعد اختفاء الدواب التي كانت تساهم بقسط كبير في نقل أكياس الخروب ولمسافات طويلة عبر مسالك وعرة، فوجد المزارع نفسه مجبرا على حمل أكياس على كاهله، الأمر الذي دفع به إلى العزوف عن ممارسة مهنته.
وهكذا أصبحت أشجار الخروب المهملة لقمة سائغة للخنازير تتلذذ بها، لأن أصحابها قد هجروها ولم تعد تعني لهم شيئا، عدا بعض التلاميذ الذين تستوقفهم ثمار الخروب ويستهويهم جمع البعض منها لبيعها، والحصول من ورائها على بعض المال لشراء حاجياتهم اليومية البسيطة».
هذا ما رواه لنا أحد المتمدرسين الذين صادفناهم بعين المكان بنفس القرية، حيث لفت انتباهنا وهو يحمل بيده العديد من الأكياس، وعصا باليد الأخرى، تقربنا منه فأفادنا بأنه تلميذ في المتوسطة اسمه مراد، صرح لنا أن قطف ثمار الخروب تعتبر هواية بالنسبة له، وأنا أساعد أهلي في تغطية مصارفي الخاصة، حيث أعمل لعدة أيام على اختيار الأشجار الكثيفة للخروب والسهلة للصعود، ثم أضرب الثمار بعصاي فتسقط على الأرض وبعدها أسرع لجمعها ووضعها بالأكياس، والمشكل العويص الذي أواجهه يتمثل في كيفية نقل الأكياس وإيصالها للطريق، إلا أنني تجاوزت هذا المشكل بجمع ثمار الخروب، في أكياس يراوح وزنها ما بين 20 و 50 كلغ ليسهل نقلها على عدة مرات، وبعدها أنتظر المشتري الذي ينقلها عبر شاحنته، وفي الحقيقة هذا العمل مربح، وأجني طيلة يوم واحد قنطارين، مما يسمح لي بالحصول على مبالغ معتبره تمكّنني من تغطية مصاريف الدخول المدرسي من أدوات وملابس، بل ويمكن حتى توفير بعض المال للاستغلاله مستقبلا’.
ومن جهتها تقول «نا زوينة»: «إذا أبحرنا بمخيلتنا عبر الزمن الماضي، عندما كانت ثمار الخروب كثيرة وإنتاجها غزير بفضل العناية الفائقة للمزارعين آنذاك، كما كانت نوعية المنتوج جيدة، حيث يتقاطر العسل بمجرد قطع ثمرة الخروب نصفين، خلال هذه الفترة والتي لم تكن ببعيدة كان المزارعون يهتمون حتى بالأشجار المتواجدة، على أطراف القرية والمترامية بعيدا عن مواطن استقرارهم بالبرية، حيث كان يتعاون كل أفراد العائلة على جمع ثمار الخروب بالأكياس، ثم نقلها على ظهور الحمير إلى المنازل ليتم بعد ذلك تفريغها للقيام بنفس العملية في اليوم الموالي، وهكذا تملأ رائحة الخروب المعبقة المكان، لأنه ينتشر بساحة كل المنازل ويا لها من راحة تدعوا الجميع ليتذوقها.
ويجني المزارعون من وراء هذه التجارة أرباحا معقولة تسمح لهم بقضاء متطلباتهم، وتسديد ديونهم والتي قد دار عليها الحول، بل وقد يبرمج بعضهم مشاريع مستقبلية تمكنهم تجارة الخروب من وضعها، كشراء قطيع من الأغنام أو ترويج أحد الأبناء أو شراء بندقية صيد، كان هذا طبعا في الماضي، عندما كان حصاد ثمار الخروب يضع الآمال، يذلل الصعوبات ويصنع المعجزات إنها ثمار من ذهب أنطفأ بريقها، ووقعت ضحية الإهمال وهي اليوم ثروة، لكنها تحتاج منا إلى التفاتة جدية تسمح بالنهوض من جديد بهذا النوع من الزراعة».