يعتبر هاجس الأمن أكثر ما يشغل بال سكان حي دوار الديس بمدينة باتنة، خاصة بعد الارتفاع المحسوس في عدد الجرائم والتي أخرجت السكان إلى الشارع مرة في مسيرة وأخرى التوجه إلى المحكمة ومقر الآمن.
ويناشد السكان السلطات المحلية بتفعيل المخططات الأمنية الخاصة بحماية السكان من تفشي ظاهرة الانحراف، حيث ندّد السكان بغياب الأمن، مؤكدين أن حيّهم تحوّل إلى بؤرة إجرام يعرفها العام والخاص بالولاية خاصة ما تعلّق بوجود نقاط بيع للمهلوسات والخمور بمنازل عديد والمسبوقين قضائيا والذين يواجهون السكان خلال كل احتجاج باستعمال الأسلحة البيضاء والكلاب والاعتداء عليهم لإرهابهم وجعلهم يقبلون الأمر الواقع.
وما زاد من مخاوف السكان هو تفشي ظاهرة إدمان الأطفال بالحي على المخدرات والخمور بسبب تواجدها في متناول الجميع، وهدّد المحتجون بتصعيد الوضع في حال لم تستجب السلطات المعنية لانشغالهم الذي وصفوّه بالمستعجل والجاد.
وقد قادت «الشعب» زيارة ميدانية للحي الشعبي المعروف بطريقة بناياته وتداخلها، حيث يعتبر الولوج إلى الحي في أوقات متأخرة من الليل ضربا من الخيال، فبمجرد التفكير في ذلك لا بد من استحضار حالات الكثير من السكان الذي لاقوا حتفهم ومنهم من أصيب بعاهات جراء تعرض عصابات الإجرام له دون الحديث عن كونه من المنطقة أولا، فالمجرمون لا يفرقون بين قاطن بالحي والغريب عنه، كون الحي كان من بين أكثر الملاذات الآمنة للجماعات الإرهابية خلال العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر.
حيث وجدنا الكثير من سكان الحي وقاطني حوافه في حيرة من أمرهم هل يواصلون رفضهم لهذا الوضع أم ينتظرون تدخل السلطات الأمنية بتكثيف دورياتها لوضع حدّ لمعاناتهم مع مروجي المخدرات وذوي السوابق العدلية والمجرمين الذين شكلوا داخل هذا الحي الشعبي الفوضوي إمبراطورية للمخدرات وفرضوا سيطرتهم على كل شيء حتى أصبحوا يهدّدون الناس في حياتهم في حال قدموا شكاوي أو اعترضوا على ما يحصل.
وعدّد لنا بعض المواطنين أمثلة كثيرة في هذا الشأن، من تعرض سكان لمضايقات واعتداءات جسدية جراء محاولاتهم النهي عن المنكر أو طرد الشبان المتجمعين بجوار مسكنهم وغيرها من التجاوزات التي قدمت في شأنها شكاوى عديدة لمصالح الأمن ـ حسب السكان - غير أن هذه الأخيرة أكتفت بتقديم وعود بتكثيف الدوريات الأمنية.
ويشتكي المحتجون بالتحديد عدم توفير الأمن على مستوى هذا الحي الذي تحوّلت زواياه لنقاط بيع للمهلوسات والمخدرات وبيع الخمور، دون الحديث عن الارتفاع المستمر لعدد العصابات التي تفرض منع التجوال في النهار والليل باستعمال السيوف ومختلف الأسلحة المحظورة.
وأشار أغلب من تحدثنا إليهم بهذا الشأن إلى قضية محاولة اختطاف الطفلة «جيهان.ب»، صاحبة الـ8 سنوات، وما خلفته الحادثة من حالة رعب وهلع في قلوب السكان، الذين قاموا بحركة احتجاجية عارمة أمام مقر الأمن والمحكمة للمطالبة بالقصاص من الجاني المعروف بسوابقه العدلية الكثيرة.
وتعتبر التركيبة العمرانية لحي دوار الديس بباتنة، من بين اعقد التركيبات بالولاية على غرار حي بوعقال وكشيدة والزمالة وغيرها، فحتى التنمية تصطدم بصعوبة الوصول إلى شوارع الحي وأزقته الطويلة والضيقة والمتداخلة فيما بينها فيخيل لمن لا يعرف الحي أنه في متاهة يحتاج لوقت طويل ومرشد حاذق للخروج منها.
هاته الوضعية ساعدت على الانتشار الكبير للمجرمين والمنحرفين الذين حولوا الحي إلى وكر حقيقي للإجرام ساعده، كما أن مصالح الأمن تتحلى بالحكمة وهذا تجنبها الدخول في صدامات مع الذين يجدون عائلات بأكملها تحترف الإجرام تحميهم ويستندون عليها، ليقوموا مع مرور الوقت بفرض منطقهم على الحي الذي يسمى محليا بحي كولومبيا لوجه الشبه الكبير بينه وبين أحياء كولومبيا في تفشي الإجرام.
وأشار أحد قاطني الحي إلى قيام إحدى العائلات المعروف أبناؤها ببيع وترويج المخدرات بمهاجمة مقر الأمن الحضري الثالث على مستوى الحي لإجبار رجال الأمن على إطلاق سراح أحد المقبوض عليهم، ولما قوبل الطلب بالرفض استنجدت العائلة ببعض المجرمين الذين حاولوا بالقوة تحرير هذا الأخير.
وتبدأ معاناة سكان حي دورا الديس على غرار أحياء بوعقال وتامشيط قبيل أذان المغرب مع استفزازات وتحرشات العصابات الإجرامية، فبمجرد أن يسدل الليل ستاره تكاد تجد حياة مغايرة لتلك التي تكون في النهار، فتتوقف حياة المواطنين وتبدأ حياة عالم الإجرام فالصيادلة يسارعون لإغلاق صيدلياتهم والمحلات التجارية يخيل للزائر أنها في إضراب وحتى الأطفال الصغار وشباب الحي من العائلات المحافظة لا تكاد تسمع لهم صوتا كأن الحي مهجور، أحكمت العصابات الإجرامية قبضتها عليه، وحتى التجول داخلها بالسيارة يثير انتباه المدمنين الذين يرمقونك بالنظرات الحادة والتي تحمل الكثير من التحذير في حال كررت التجول.
يحدث هذا في حال كنت تسير بسرعة معقولة، أما إن كنت تسير بسرعة بطيئة فيخل لهم أن من مصالح الأمن فتبدأ المكالمات بين المجرمين ليحضروا أنفسهم لمعركة حقيقية بالسواطير وقارورات الخمر التي يرشقونك بها وغيرها من المفاجآت غير السارة التي تكون في انتظارك في حال أمعنت النظر في احدهم أو حاولت التقرب منهم.