استراتيجية الدولة تقليص فاتورة الاستيراد
تراهن الجزائر على قرارها القاضي بالخروج من التبعية المتعلقة باستيراد المزيد من الحبوب وهذا بفضل ما خصصته السلطات العمومية من إمكانات خارقة للعادة من أجل بلوغ هذا المبتغى، كون المخطط الخماسي٢٠١٥ - ٢٠١٩ يشير صراحة إلى رقم مذهل يعد تحديا بالنسبة لكل الناشطين في هذا القطاع ألا وهو إنتاج ٦٩،٦ مليون قنطار من الحبوب، فهل هذا ممكن؟
هذا ليس بمستحيل أبدا وبالإمكان تجاوزه بكثير إذا كانت هناك استراتيجية في هذا الشأن تقوم على مبدإ المتابعة الميدانية التي بإمكانها أن تكون عند هذا المودع، إن آجلا أو عاجلا وهذا ما ينقصنا اليوم. فبمجرد أن بدأت بوادر الجفاف الأولى استسلم الجميع لهذا الأمر وأدخل هذا العالم المناخي ضمن الأدبيات اليومية للفلاحين وحتى المسؤولين الذين تمادوا في الاختفاء خلفه.
وهكذا شعرنا بأن هناك خللا في جهة معينة، يتطلب الأمر تصحيحه وتعديله هل قمنا بذلك؟ لا أعتقد، لأن تلك الحلقة من حلقات منظومة الإنتاج ماتزال لم تجد الحل المطلوب، سواء في نوعية البذور، التخزين، الحاصدات وغيرها... نفس التبريرات تتكرر كل موسم.
هذا كله كان له الأثر على الإنتاج وتركه يتخبط في نفس المشاكل التي تعطله عن أي انطلاقة مرتقبة، وخير دليل على ذلك أنه في السنوات الأخيرة بلغ إجمالي ما تم جمعه أكثر من ٦٠ مليون قنطار، لكن هذا المسار لم يحافظ عليه، مباشرة تقلص الرقم إلى النصف خلال هذه المواسم.
واستغرب الكثير لهذا التراجع المفاجئ لتعدو نفس الحجج المملة التي أحيانا ليس لها صلة بعالم الفلاحة، مما فسح المجال لفاتورة الاستيراد لفرض نفسها مرة أخرى في وسط هذا الأمل الذي كان يعم جميع المهنيين، أي التخلص من كل هذا الكم الهائل من الإتيان بالحبوب خاصة القمح اللين أي مايعرف عندنا «بالفرينة»، تكلف خزينة الدولة أموالا طائلة بالعملة الصعبة، بالرغم من أن التقارير الأخيرة الصادرة عن الجمارك تؤكد انخفاض فاتورة استيراد الحبوب.
وبالرغم من الصيحات التي كانت تدوّي هنا وهناك حول شبح الجفاف والتخوفات المسجلة من طرف الكثيرين، غير أن المؤشرات الأولية الواردة من ولاياتنا الداخلية، تبرز مدى الاستقرار الذي يسود هذه الشعبة الاستراتيجية والأكثر من هذا الارتياح الظاهر لدى مسؤولي قطاع الفلاحة في الجزائر العميقة، نظرا للمنتوج الحالي الذي يدرج ضمن التوقعات الأولية التي توصف بالإيجابية إلى غاية يومنا هذا على مستوى عينات من الولاية القوية في هذا الإطار كولاية تيارت، التي تترقب ٣ ملايين قنطار لوحدها وهناك كميات قد لا تحسب كون الفلاحين يفضلون أن تبقى في مساحاتهم قبل إخراجها بأسعار أخرى غير التي محددة بـ٢٥٠٠ دينار للقنطار.
حاليا، فإن الأدبيات المستعملة في ميدان التغذية العالمية تتحدث بقوة عن الأمن الغذائي وليس الاكتفاء الذاتي، لأن هذا الأخير لا يمكن أن يحققه بلد لوحده.